ابراهيم اليوسف : على هامش اتفاقية المجلسين الكرديين: أسئلة التطبيق والضوابط

2012-07-13

إلى بلدة التريمسة البطلة
ليس من كردي غيور، في أجزاء كردستان الأربعة، إلا وامتلكته الفرحة العظمى، وانتابه التفاؤل الأسمى بعد الاتفاق بين المجلسين: الوطني الكردي و غربي كردستان--  رداً على نذر الاقتتال الأخوي الذي صار قاب قوسين وأدنى-  حيث تلاشت المخاوف الجسيمة التي كانت تهدِّد الشعب الكردي في سوريا، وتحدق به،

جاعلة آلة الاستبداد الدموي، تتنفس الصعداء، مادام أن تلك القوة التي طالما تخوف من دخولها في دورة الثورة، باتت ملتهية بهواجسها، وارتياباتها، ومخاوفها، إذ غدا الشعب الكري في سوريا أمام أحد أعظم التحديات في تاريخه، دون أن يكون ذلك في إطار أي حسبان.

ولعلَّ الفرحة والتفاؤل اللذين قلبا حال الكردي، رأساً على عقب، في ظل دوامة الثورة، وباتت يده على قلبه، خوفاً من الاضطرا ر إلى حمل سلاحه، ليس للدفاع عن نفسه في وجه عدو غاصب لأرضه، منتهك لحريته، سالب لهويته، بل في وجه أخ  يعاني من وطأة استبداد النظام الذي لايفرِّق بين كردي وكردي، وهو يواصل سياسات المحو، يستوي أمام هذه الآلة الأكثر خبثاً، الكردي الحزبي، والكردي المستقل، وكردي هذا الحزب أو ذاك،على حد سواء، حتى وإن حاولت هذه الآلة ممارسة سياسات الاستفراد بمواجهة الجزء من أجل تقويض المجموع، عبر دراسات، نابعة من صلب سياسات أدهى و أشرس استبداد، عرفه العالم حتى الآن..!
ثمَّة مهمَّات هائلة تبرز الآن، أمام هذين المجلسين، حيث ينبغي العمل على أكثر من صعيد، في آن واحد، وإن كانت أولوية  تأسيس الهيئات الإدارية المشتركة، هي من عداد أولويات الاحتياجات اللازمة، بعد التفكير اللازم، في إيجاد آلية إشراك الأطراف الكردية، غير المنضوية ضمن هذين الإطارين -عاجلاً لا آجلاً- سواء أكانوا أحزاباً، أو مجالس، أو تنسيقيات صارت لها أهميتها، ودورها، كصانعة للثورة، كردياً، ولابدَّ من الاعتراف بها، كأداة مهمَّة، تدخل في إطار تأسيس  رؤيا، مختلفة تليق بالمرحلة، والمستقبل، على اعتبار أن شبابنا قاموا بترجمة ماهو وطني وما هو قومي، وفق معادلة جدّ دقيقة، والسعي لمساعدتهم، في تأسيس بنى شبابية، مستقلة، لها شخصيتها الاعتبارية، مادامت هي أدات التغيير الأولى، دون أن تخرج عن ثوابت الثورة و الخطوط العامة للمرجعية الفكرية العليا الجامعة للشعب الكردي في سوريا عامة، دون أن يتم السعي لفرملتها، مادامت تؤكد أنها جزء مهم، من الضمير الكردي الحي.
إن نظام دمشق الدموي، الذي أخَّر عملية سقوطه، عبر استخدامه لكل الأوراق المحرَّمة، التي لا تخطر على بال أي إبليس، ولجأ إلى خيار حرق كل شيء، بناء على قاعدة "علي وعلى أعدائي"، حيث أن الرصاصة الأولى في درعا التي أطلقها على المدني الأعزل، حسمت هذا الخيار، ليتصرَّف كطاغية، يثأر لنفسه، في حساب معجل، مادام أن لا مستقبل ينتظره إلا السقوط،و هو يذكر إلى حد بعيد ب"سايكولوجيا الإرهابي" الذي يفجر جسده كي يدمِّر من حوله، وهو أشرُّ أنواع السلوك البشري الذي ظهر-على حين غرَّة -مع الانتشار العمودي والأفقي لوسائل القتل الجماعي. إنَّ هذا النظام الذي استفرد بعدد من المدن السورية، وأجل، إلى حين مواجهة المواطن الكردي، انطلاقاً من حسابات مدروسة من قبله -تماماً- إنما يورث  نصيب الكردي من دفع "الفاتورة" حتى مرحلة ما بعد سقوطه، ويسعى لكي تكون هذه الضريبة على –أكبر قدر ممكن- من خلال خلق وسائل إنتاش بذرة الحقد عليه، على شكل قنابل "شوفينية" ذات تركيب قوموي / إسلاموي، حيث تفاجأنا بتصريحات مريبة، من كثيرين ركبوا قطار الثورة -سهواً- لدوافع شتى، ضدَّ مواطنيهم الكرد، إلى الدرجة التي تدعو إلى قلق مستقبلي، في ظلِّ العلاقة مع هؤلاء، الأكثر غباء، وخطراً.
ومن الواضح، أن الجزء الظليل من لوحة الواقع، في ما يتعلق بمرحلة ما بعد الثورة، يحمل تحديات هائلة للسوريين، جميعاً، في ظل محاولة نسف رابط الإخاء بين أبناء هذا الوطن، ولعله من المؤلم، أن حصة الكردي ستكون مضاعفة-على عادته في دفع الضريبة وطنياً وقومياً-لذلك، فإن العقول الحكيمة، باتت تفكر بوضع ما يسمى ب"صادات الصدمة"التي لابدَّ منها في مرحلة التحول، وذلك عبر الدعوة إلى المصالحة الوطنية، المتوخاة، وهو ما يرتب على الكردي أن تكون حساباته، لمواجهة مرحلة "ما بعد الأسد" في مستوى ماهو مطلوب.
يدخل ضمن هذه الحسابات، أن مهمة، من طراز الخارج عما هو كردي، مطلوبة من المجلسين الكرديين، إذ ينبغي عليه، أن يرسل رسائل الطمأنة إلى شركاء المكان، في ما يتعلق ب"حسن العلاقات"، وذلك لأن النظام الذي يطلق فلول شبيحته، وجيوش ثكناته لحرق سوريا،أرضاً، وبشراً، وحجراً، وشجراً،و حاضراً، ومستقبلاً، فإن آلته تعمل-في الاتجاهات كافة- حيث سيسعى لإثارة الفتن، في المناطق الكردية، بعد أن أيس من تمرير فتنة المواجهة الكردية الكردية، ولعله سيعتمد في ذلك على من يمثلون عقله، حتى ضمن الثورة، لاسيما في ظلِّ الانتشار الرَّهيب لأسلحة القتل، على طول البلاد وعرضها، في آن واحد...!
و نقد أخطاء مرحلة الفِرقة، والاختلاف، ليدخل في صلب العملية النقدية المطلوبة لحماية أولى وحدة حقيقية في تاريخ الشعب الكردي في سوريا، وذلك من خلال جرأة مواجهة الذات، وتقبل النقد الذي طالما احتاج إليه الخطاب الكردي، الذي أسس لنوعين من النقد:المغالاة والغلو في الأحكام، قدحاً ومدحاً، وعبر الاتكاء على سياسات تخوين الآخر التي يستوي في اللجوء إليها السياسي، والمثقف، في الوقت ذاته..!؟.
إن الحالة التي أرسى دعاماتها السيد الرئيس مسعود البرزاني، تظلُّ مجرَّد حجر أساس، وهي لتشكل بنية قوية، لا يمكن لها أن تكتمل إلا من خلال الترجمة الواقعية، من قبل نواة حالة الوئام العظمى التي يجسدها المجلسان، وهما يمثلان العمود الفِقري الحقيق لأية وحدة راسخة الجذور، بين أبناء شعب عظيم، طالما دفع ثمن الفرقة، غالياً، وها هوذا يضع أولى خطواته على  طريق استعادة الذات، بعد كل محاولات التهميش والمحو والتذويب..
ومن هنا، فإننا جميعاً، أمام أ هم وأخطر مرحلة، من المصالحة، وهي مصالحة الذات الواحدة التي لا يمكن دونها، دخول عتبة المرحلة الجديدة، لنكون في مستوى استحقاقاتنا العامة التي سيحددها أبناء شعبنا، وفق معايير معادلته الصائبة التي يدعو إليها، ولما يواجه بالتصامم، من قبل أكثر من حوله، لذلك، فإننا-وخطابنا ومستقبلنا-على"المحك، وإن أي تلكوء، وسوء تصرّف، سيجعلاننا هدفاً للمحو، فلا يغرن أحد بقوَّته التي هي مجرد وهم، خارج شعبه، فتباً للأنانية-أياً كان صاحبها- في حضرة روح الشعب العملاقة التي هي أعظم منا جميعاً..!
12-7-2012