ابراهيم اليوسف : الشاعروقصيدته التالية

2012-07-11

ثمة سمة بارزة، للعلاقة بين المبدع-أياً كان- والمجال الإبداعي الخاص به،
تتجسد في أن الموهبة الإبداعية تدفعه، كلما فرغ من إنجازجديد،تجاوزه،
ليعتبره، مجرد محطة على طريقه الطويلة، ويفكربآخرسواه، بل إن هناك رغبة
جامحة لديه، و لدى كل مبدع أصيل ،

في أن يحقق في إنتاجه القادم، ما لم
يتمكن من تحقيقه في  إنتاجه الحالي. ولعل الشاعر-كمبدع- تنطبق عليه هذه
الحالة نفسها، حيث يروم على الدوام أن تكون قصيدته المقبلة أكثرقيمة
إبداعية، ليس من قصيدته الجديدة، فحسب، بل ومن كل ماقدمه ويقدمه...!.

ولقدقال  ناظم حكمت، في سياق تفاؤله، بالمستقبل" أجمل قصائدنا تلك التي
لم نكتبها بعد؟"، وهي مقولة تتساوق مع رؤيته الواقعية الاشتراكية إلى
الحياة، بل تنبع من فطرة أي شاعرمفطوم على روح الإبداع، ذلك لأنه ما من
شاعرإلاويجد في قصيدته التالية، ضالته التي يبحث عنها، بيد أنه ما إن
وجدها، حتى يتحول عنها إلى سواها، مادامت توقع باسمه،  وتحمل
رائحته،وتدخل في إطارملكيته الإبداعية، وإن كان تحقيق معادلة إنتاج
الجديد الأكثرإبداعاً،في كل مرة، هوشأن الشاعرالحقيق، إلا أنه قد لايتحقق
ذلك للشاعر بيسر،لأن هناك من تكون قصائدهم الإبداعية التالية، أقل شأناً
من نصوصهم الحالية، أو السابقة، بل ربما تكون عبارة عن تكرارباهت لها،
وهومن شأنه الإساءة إلى تجربة هذا الشاعر..!

إن التكرارالمشارإليه، أعلاه- صالح أن يعمم على الأشكال الإبداعية
كلها،-لأن النسخة الأولى من أي إبداع- يحول الإنتاج التالي، من قبل
المبدع إلى"نسخة فوتوكوبي"لا شأن لها، وهوما يذكرإلى حد بعيد بالمعمل
الذي قد يستنسخ عدداً لا نهائياً من لوحة لفنان ما، لغرض تجاري، بحيث أن
اللوحات المستنسخة، تكون باهتة، خالية من روح الإبداع، حتى وإن كانت
نقلاً حرفياً لأولوانها، وخطوطها، وفضائها، ولعلنا نجد أن لوحات عظماء
الفن قد طبعت من بعضها بالمليارات من النسخ الفوتوكبية، غير أنهالاترتقي
إلى مستوى الفن والإبداع، بأية صلة تذكر..!.

وإذا كنا قد تناولنا، مسألة ضرورة عدم وقوع المبدع في إشكال تكرارالذات
إبداعياً، فإن هذا النوع من التكرارهوجزء يسيرمن التكرارات الهائلة التي
لا تعد ولاتحصر في عوالم الإبداع، لأن هناك التكرارالناجم عن الوقوع تحت
سطوة المبدعين المعاصرين،أو القدامى، حيث أن كلاً منهم قد يمارس غواية
تأثيره، وفق ثنائية"تأثيرالسابق على اللاحق"لا العكس، وهي بدورها تعد
مرتبطة بقاعدة"العامل الزماني".

ولابد أن تتوافرالملكة النقدية، في حدودها الذاتية، في أقل تقدير، عند
المبدع، حتى يتمكن من تناول ما يكتبه نقدياً، ليجيب عن أسئلة ضرورية في
هذا المجال، من قبيل: ماالجديد في ما أقدمه في نتاجي الحالي؟، وهل تجاوزت
من خلاله الإطارالعام لتجربتي الإبداعية؟، وهل استطعت التخلص من سلطة
الإبداع السابق على ما أقدم، وما السبيل إلى كتابة النص الإبداعي
الفعلي؟، إلى جانب أسئلة أخرى،لابد من أن يطرحها، تتعلق بالبنية
الإبداعية في هذا الجديد، دلالياً وجمالياً وشكلياً،  قبل أن يطمئن إلى
نصه الجديربحمل اسمه..!

وعلى ضوء ما سبق، فإن أي شاعر، يستطيع تجاوز-بنجاح-هذا الاختبارالأولي
الذي يجريه لنفسه،من خلال إيجابية إجاباته، في أن يكون
إنتاجه:جديداً،غيرمكررللذات، والآخر، فإن ذلك ليثري التجربة الإبداعية
لديه، كما أنه يثري المشهد الإبداعي عامة، وما أحوجنا-حقاً-إلى ذلك
المبدع الأصيل الذي يحقق أطراف هذه المعادلة كاملة،في الوقت الذي بتنا
نجد فيه،من"يعيد البضاعة"السابقة عليه، بلغة النقد الأدبي القديم..!.

 من هنا، فإنه وفي أي تدقيق، في سبب ولع الشاعربقصيدته التي لما تكتب
بعد،و وتوقه إليها، ومحاولاته الحثيثة لكتابتها، فإننا لنجد مرد ذلك
هوارتباط الإبداع ب"دورة الزمان"، حيث التوق الأزلي إلى التجدد، وفق شرطه
الإبداعي، لأنه لابد من تبيان أنه ليس كل جديد إبداعي، و إنه ليس كل قديم
غيرإبداعي،بل غيرجديد، فما أكثرهؤلاء الشعراء والمبدعين الذين عاشوا قبل
آلاف السنين!، بيد أنهم أكثرجدة وتجديداً ممن هم الآن معاصرون، ولعل سبب
ذلك جد واضح، ويكمن في أن الإمساك بناصية الإبداع يمكن للمبدع ملازمته
للحظة الزمانية الجديدة، وكأن الإبداع الحقيقي، بمثابة"جواز سفر"لصاحبه،
كي تحضرإبداعاته،باستمرار، ويكون مواطناً في مملكة الإبداع الأزلية.
وأخيراً، فإننا لونظرنا إلى عظماء شعراء العالم، ممن لانزال
نستظهرقصائدهم، ونحن نبصرها وكأنها تحمل رائحة مشيمة ولادتهاللتو،فلأن
هؤلاء استطاعواأن يحتلوا مقاعدهم في الصفوف الإبداعية الأولى، لأنهم
أجابوا عن سلسلة أسئلة الإبداع، بكل ما يستلزم ذلك من جهد، وتعب،
ومسؤولية، وحرص، فصاروا-على هذا النحو-قمماً وعناوين إبداعية متجددة..!
elyousef@gmail.com