ابراهيم اليوسف : عزلة المثقف الكبرى

2012-07-09

لايزال هناك فهم خاطىء، ينتشربين أوساط ثقافية واسعة، مفادها أن تخصص المثقف العامل في مجالات الإبداع، يفرض عليه تصومعه في حدود هذا الاختصاص،  من دون أي خروج عنه، وهويعفيه عن الانخراط في المهمات الأخرى التي تهم مجتمعه من حوله، ويذهب آخرون إلى أن  درجة تدخل هذا المثقف في قضايا أهله يجب ألا تتجاوز حدود تناولهاالإبداعي.

طبيعي، أن المثقف الذي يعمل في عالم الإبداع، مطالب بأن يكون وفياً مع محيطه، بل مع الإنسانية، بشكل عام، يتبنى هموم وآلام وأحلام الناس، ويكون لسان حالهم،  من دون أن يكون ذلك على حساب الجانب الفني في إنتاجه، لأن كل جنس إبداعي، له وسائله في تناول ماهومعرفي. حيث أن الفنان التشكيلي ، أو الروائي، أو القاص،أو الشاعر،أو المسرحي،أو السينمائي، قادرون على تناول أشد الموضوعات التصاقاً بالحياة اليومية للإنسان، ولكن، بعد إعادة خلق ذلك، في المختبرالإبداعي لكل منهم،على حد سواء، وبعيداً عن الترجمة الحرفية للواقع التي تجاوزتها الفنون الإبداعية، وذلك من خلال توجهها إلى الخلق الثاني لهذا الواقع..!.

إن اشتغال المثقف، في مجال إبداعي خاص،  يجعل مهمته مضاعفة، تجاه من حوله، فهوفرد، ومواطن، وإنسان، أولاً، كما أنه مبدع ثانياً،وإن هذه الثنائية، لايمكن فصلها عن بعضها بعضاً، وفق الترتيب المتداخل نفسه، لأن الشرط الإنساني سابق على الشرط الإبداعي، وإن كان أي تجزيء لهما،في حالة المثقف المبدع، تعد غيرممكنة البتة..!
ولعله من المعروف جداً، إن بعض النتاجات الإبداعية-الروايةوالمسرح-قد لايمكن أن تواكبا لحظة الحدث المهم في حياة المحيط، وذلك انطلاقاً من طبيعة كلا الفنين، وحاجة بنائهما إلى مزيد من الوقت حتى يتم استكمال بنائيهما، بعكس القصيدة التي قد ترافق الحدث، في الحالات العادية وتكون تجسيداً فنياً له.
والمثقف-ملح مجتمعه- بل هو ضميره اليقظ، والمسؤول في المحطات والمفاصل الأكثرحرجاً أمام التاريخ، حيث تناط به مهمة نقد الواقع، وتقديم رؤيته، في الخلاص، إلى برِّالأمان،بل وأنه المطالب بأن تكون له رؤيته الستراتيجية المعلن عنها، لتكون صمَّام أمان ومرجعا،ًيستعان، ويهتدى به، في السراء والضراء..!.
لقد سقطت-تماماً-تلك المقولات التي كانت تروج،إلى حين، مقولة ضرورة التزام المثقف المبدع، ببرجه العاجي، وعدم التنازل بالانشغال بقضايا العامة، لأن وظيفته الرئيسة تكمن في إنتاج ماهوجمالي، ديدنه السمو، بعيداً عما يخل بهذه المعادلة  من خلال إقحام قضايا صغيرة-ولو كانت عذابات شعوب كاملة-لأن جوهرالفنِّ الخالص هوانصرافه لوظيفته المثلى..!؟.
مؤكد،أن المثقف/المبدع الذي يتهرَّب من أداء وظيفته، بات مدركاً-الآن-في ظلِّ استبانة الأمور، ومعرفة طبيعة المهمات المنوطة به،أن في إدارة ظهره لمن هم في أمس الحاجة إليه،للإدلاء بشهادته، ما يضمن له تجنب المتاعب، والمساءلة، ودفع الضريبة، بالإضافة إلى أنه يكفل بمثل هذا"اللاموقف"،وهو"موقف" صميمي،في النهاية، استمرارية مكاسبه المستحصلة،أو المفترضة،بيد أن ذلك يزلقه إلى حفافي خسارة ثقة الآخرين به، بل وخسران نفسه أيضاً..!.

إن الموقع الحقيقي للمثقف الغرامشي، العضوي، هو أن يكون في لجَّة القضايا المصيرية واليومية، لإنسانه، دونما أي انفصام عنهما، حتى يحقق شرطه الإنساني، والوطني، والاجتماعي، إلى جانب شرطه الثقافي الذي لاقيمة له خارج منظومة الشروط الأخرى..!.

elyousef@gmail.com