زكريا تامر : حكومة بلا شعب

2012-06-23

لم تنزل الحكومات من السماء، فالناس هم الذين أوجدوها لتخدمهم لا ليخدموها.
ومن المرحب به أن تتدخل الحكومة لإنصاف مظلوم، ونصرة الحق على الباطل، ومن المستنكر أن تنسى الحكومة ما أنشئت من أجله، فتغدو فاسدة، مفسدة، راعية للظلم والنهب، حامية للمسيئين.

ومن المفجع أن تحاول الحكومة الباغية المتسلطة الهيمنة على كل شيء في بلادها كي تتحول رب عمل يعمل الشعب لديها أجيراً، وأجره الحقيقي نصيب من الهوان أقل من نصيب غيره من المواطنين. والمهمة الأولى لمثل تلك الحكومة الحفاظ على بقائها فقط لا بقاء الوطن.
والمهمة الأولى لها أيضاً كسب المزيد من الأتباع الذين لا غاية لهم سوى الاستمرار في الحياة أحياء ولو أساءوا.
حين يصبح الكاتب موظفاً لدى الحكومة الباغية، يضيع ما تبقى من حريته، ويكتب ما لا يشاء بحماسة من يشاء، ويحكم على الكلمات بأن تزغرد في الجنازات، وتولول في الأفراح.
وحين يصبح الممثل موظفاً، فهو يمثل علينا، ويمثل بنا.
حين تصبح الراقصات موظفات عند الحكومة، لا تبدر منهن أية حركة إلا بعد درسها دراسة متأنية من قبل وزارة التخطيط.
وحين يصبح المغني موظفاً له رؤساء ومرؤسون، لا يفتح فمه إلا بمقدار ما تحدده له وزارة الخارجية ووزارة الداخلية وما بينهما.
وحين يصبح الجزار موظفاً، لا يستطيع فرم قطعة لحم إلا إذا ما أثبت قدرته على فرم مستقبل أمته.
وحين يصبح لاعبو كرة القدم موظفين، لا يجوز لأحد سواهم أن يلعب، وعلى الآخرين الاكتفاء بالحملقة والتصفيق.
وحين يصبح المعلم موظفاً، فهو سيلقن تلامذته الخنوع والطاعة، ويرى أن واجبه القومي يقضي بامتداح صور المسؤولين بوصفها تاريخاً يمشي على الأرض مرحاً.
حين تصبح الجرائد حكومية رسمية، تتحول من ورق بغير سوء إلى ورق ذي سوء.
حين يصبح سائقو الباصات موظفين، فستهتريء أحذية المواطنين.
حين يصبح القلم والمطبعة والمداد موظفين حكوميين، فلا بد من أن نقابة الخدم ستحظى بأعضاء جدد ذوي ماض أبيض وحاضر أسود.
حين يصبح الشاعر موظفاً، لا ينظم بيتاً من الشعر إلا بعد أن ينشد الهداية من كل ما صدر عن الحكومة من قرارات وبيانات.
حين تقوى الحكومة، يضعف الشعب.
حين تغنى الحكومة، يفقر الشعب.
حين تكبر الحكومة، يصغر الشعب.
وحين يصغر الشعب، فهذا دليل على أن الحكومة آن لها أن ترغم بالقوة على الترجل عن ظهر الشعب.