ابراهيم اليوسف : ما بعد الأدب

2012-06-21

أعترف،بداية، أن من شأن عنوان كهذا"مابعد الأدب"،. لعمود صحافي سريع، أن يكون استفزازياً، في نظركثيرين،لأسباب واقعية، تتعلق باعتبارالأدب، فضاء واسعاً، يتضمن أجناساً، محددة، معروفة، ولربما هوقادرأن يستوعب أشكالاً جديدة، ستظهر،

تبعاً لدورة الزمان، كما أنه قد احتضن بعد تبلورمفهومه، أشكالاً جديدة، ولوهلامية، في حدود اللحظة، حيث أن مفهوم القصة القصير جداً"ق. ق. ج" لم يكن معروفاً من قبل،وها قد أصبح فناً ذا حضورإبداعي، ولعلنا قدنجد، عما قريب  الرواية القصيرة جداً" ر. ق. ج" بل وإن الأدب نفسه ليتطور، باستمرار،على أيدي الأدباء المبدعين الجادين، في كل زمان ومكان.

وقد شهدت الساحة الثقافية، الدعوة إلى "الأدب التفاعلي" من قبل كثيرين،وعلى مستوى عالمي، في ضوء ثورة التقانة والمعلوماتية التي نشهدها، و إنه بغض النظرعن الإقرار بمثل هذه الدعوة أو رفضها، فإن مفهوم الأدب غيرمغلق، بل هومفتوح، على حركة الإبداع الإنساني، وإن هذه الأشكال الراسخة، المتفق عليها،والمألوفة، التي نجدها الآن، سواء أكانت شعراً أم قصة أم رواية أم مسرحاً، تظل دعائم أساسية في بناء الأدب، وأرومة تنطلق منها، حتى وإن تمت الاستعاضة عن الكلمة، الأداة التي تعد العمود الفقري للأدب،  العادية،أو الإلكترونية، اللتين قد تعززان الأدب، أو تنسفانه، لاسيمامن قبل هذه الأخيرة، وإن كانت لا تستطيع الاستغناء عنها البتة.
إن وضع أي تصور، عن مرحلة مابعد الأدب، لايدخل في مرحلة"الفرضية"وحدها، فحسب، وإنما هناك ثمة مؤشرات خطيرة، توحي بذلك، وهي جارية على قدم وساق، ممارسة تأثيرها الكبير، نتيجة دواع عديدة، بعضها يتعلق بتراخي العلاقة بين النص الأدبي ومتلقيه، وهامشيته، ولامركزيته، بعكس ما كان عليه من قبل، وبعضها يتعلق بحلول أدوات الاتصال في الحياة العامة، عالمياً، لما لها من غوايات خطيرة،لاسيما أنها تتكىء على مفردات اللحظة اليومية، وترتبط بها،على نحو وثيق، من خلال رصدها للمجريات التي تدور، على نطاق كوني، هائل، وهي-في التالي- تستهلك وقت وطاقات المتلقي، إذ لم يعد الأدب مثاراهتمامه، بالدرجة نفسها من الحظوة التي كان يحتلها، من قبل،  من أن وسائل ثورة الاتصالات، المشارإليها، باتت تكسرالحواجزالتي تدعوإلى عدم التواصل مع الأقنية التي تنشرالأدب، بل باتت  توزِّعه،على نحو مذهل، ليكون الأدب متوافراً، كما الهواء والماء، مادام أنه-في الحقيقة-هكذا، بالنسبة إلى المتلقي، وإن أي استغناء عنه، ليؤدي إلى خلل وفراغ روحيين، في ظلّ هيمنة الصورة الإلكترونية، ستلقي بظلالها على وعي الأجيال، وهوما ستكون له انعكاساته الخطيرة، على المستويات، الفنية، والإبداعية ، والمعرفية،و القيمية، والأخلاقية..!.

 ونتيجة استقراء، الخطوط العريضة، لهذه الوقائع، الثابتة، والأدلة الدامغة،التي تم التوقف عندها، في ما يتعلق بتحديد آفاق مصيرالأدب،في المديين القريب والبعيد، فإننا- وباختصار- أمام ثلاث احتمالات: أحدها يهددب"موات الأدب"،بيدأن ثانيها يروح أبعد من ذلك، مؤكداً تطوره، مستفيداً من تاريخه العريق، كحصيدللوعي الجمالي الفني والمعرفي الإنساني، وأن هناك احتمالاً آخر، يظل مفتوحاً، حول بزوغ وولادة أجناس أدبية، في عائلة الأدب، تجيب عن أسئلة اللحظة، وواقع إنسانهاإلكتروني الروح،جزئياً، أو شبه كلي...!.

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com