إبراهيم اليوسف : القصيدة و الكتابة الثانية

2012-06-18

بعد انتهاء الشاعر، من الكتابة الأولى لقصيدته، فإن العلاقة بينهما لاتنقطع البتة، لأن هناك وشائج قوية تربطه بها، وهي بمثابة المولود الحقيقي له، لأنها صدى لروحه، ورؤاه، بل إنها تمثل شخصيته، في عمقها، وماعلاقة أي منا-الآن- بالشعراء الذين عاشوا قبلنا

إلا من خلال القصائدالتي تركوها لنا، إذ تتبدى لنا ملامحهم من خلال تلك الإبداعات، لأنها تعكس خصالهم، وصفاتهم، وقدراتهم، وأنماط حياتهم، بل وعلاقاتهم بمن حولهم، اجتماعياً، ونخبوياً، وغيرذلك الكثير. وهذا يعني أن الشاعرالمبدع، يعنى بقصيدته جيداً، ولايمكن أن يقدمها لمتلقيه، إلا بعد أن يطمئن أن هذه القصيدة، قد استوفت شروطها الفنية، وأنها قادرة على حمل خطابه الرؤيوي، إلى متلقيه، انطلاقاً من أن للفن أكثرمن رسالة، جمالية ومعرفية، في آن واحد.

 
وعملية كتابة القصيدة، تتطلب من صاحبها، الجهد والوقت الكبيرين، ليتم  التفاعل الحقيقي،في مختبره الشعري، بين رؤيته الخاصة، وجمالية النص الذي يقدمه، وذلك لأن القصيدة، ليست مجرد شكل فني، كما أنها ليست مجردأداة معرفية،بل هي هذا وذاك، بالإضافة إلى أنها تجسد عالم الشاعر، وروحه،من داخلهما، عبرأدق تفاصيلهما، وهي فوق هذا وذاك، تحدد درجة رهافة موهبته، ومدى براعته في استخدام أدواته الإبداعية، بالإضافة حسن الذائقة،وغيرذلك من الشروط اللازمة لصناعة النص الشعري.
 
كما أن مواقف الشعراء، تختلف،عادة، من نصوصهم الشعرية، بعد عملية الانتهاء من كتابتها،حيث نجد شاعراً، يمت بوشائج قوية، مدهشة، تجاه نصه، ما أن يفرغ منه، يعودإليه بين الفينة والأخرى،على مداريوم أو أسبوع أوسنة، وربما أكثر،وتعتبرهذه العملية، دليل عافية، ضمن شرطها الطبيعي. ولقد كان هناك الشعراء الحوليون، الذين يكتبون قصائدهم، ويعالجونها لمدة عام كامل،وهي المسافة الزمنية بين مهرجاني حولين متتالين، كماهوحال سوق عكاظ،أوذي المجاز،والمربد وغيرها، من أسواق الشعرالتي سها عنها التدوين، وكانت موجودة،على مستوى البيئة الاجتماعية الواحدة، وضمن فضائها الخاص.
 
ولعلَّ النقاد، انتبهواإلى مسألة مهمَّة، وهي أن القصيدة، تكون ابنة الدفقة الأولى، وإن أو أي تدخل ولو طفيف، أو أي تماد من قبل صاحبها، في إعادة كتابتها، ، ليعدان انتهاكاً لبراءة القصيدة، وعفويتها، مادام النص الشعري نتاج تفاعل أدوات كثيرة،ضمن شرط زماني محدد، وإن الكتابة التالية للنص، لتعني المزاوجة بين نصين شعريين، كل منهما ينتمي إلى لحظته الخاصة التي لاتقبل أي إخلال بحرمتها.   
 
وإذا كان من شأن الكتابات التالية للقصيدة،أن تضفي عليهالمسة جمالية، فإن من شأنها أيضاً، وفي ظل تجارب الكثيرين من الشعراء،أن تسيء إلى القصيدة،لاسيما عندما يتعدى التدخل الجديد، في كتابة القصيدة، ماهوجزئي، ليكون ذلك بمثابة إعادة كتابة لها،ما يوصل الأمرإلى حد الإسفاف، بل والتشويه بحق القصيدة، لأن القصيدة التي تكتب،في أزمنة مختلفة،قد تحقق الرصانة، والجمالية،لأول وهلة، بالإضافة إلى أداء الوظيفة المعرفية التي تعد-في رأي بعضهم-شرطاً من شروط الأدب والفن، بيد أنها  تبدوأنى وضعت تحت مجهرالذائقة السليمة، مفتقدة إلى شيء مهم، ربماهوروح القصيدة، نفسها، وما أكثرمثل هذا الأنموذج..!
ولئلا نقسو-هنا-على من يعيد كتابة قصيدته، مرة أو أكثر، فإنه يمكننا التأكيدأن الخلق الأول، ربما يتعرض لتشوهات ما، نتيجة خلل معين، في أدوات الخلق، وإن إبقاء حبل هذه القصيدة،على غاربها، سيسيء إليها، و لابد من أن يستخدم الشاعرمبضعه، أمام ورم ما، أو استطالة ما، ظهرا في جسد القصيدة، أو أمام أونقص ما لوحظ فيه، على حين غرة ،ويتصرف كما يتصرف الآسي مع مريضه، إذ عليه بترماهوفائض، ومعالجة ضمورالعضوالذي بدا بعد ولادة الجنين، وأن يتم كل ذلك، وفق دراية، وحرص، وخبرة، من أجل ولادة قصيدة معافاة.
 
elyousef@gmail.com