روني علي : سياسة القوالب الجامدة ‏

2012-06-16

ثمة ما هو كامن في اللاشعور، يدفعنا نحو الخوض في قضايا، باتت بحكم نمطيتها وسكونيتها، مصدر الملل، إن لم نقل نوعاً ‏من ضياع الوقت، ودخول في مواجهات مع طواحين الهواء، وذلك ليس من باب الترفع عليها، بقدر أن الاقتراب منها، هو دخول ‏في قضايا أكثر إشكالية

نكتشف أننا لم نمتلك بعد مفاتيح التعامل معها، مهما حاولنا أن نكيف ذواتنا مع تحويراتها وعمليات المد ‏والجزر فيها، حتى لو أردنا من أجلها أن نتمدد على سرير بروكوست، لأنها ببساطة لها مقاساتها التي إذا ما أتينا عليها من باب ‏المنطق، كنا وإياها في حالة تناحر وتصادم، وإذا ما تناولناها من باب السذاجة والعفوية، كانت لها شكلها التي لا تنسجم مع البناء ‏العفوي لأية حالة تكون خاضعة لمبدأ العفوية .. وعليه نقف من حيث شئنا أم أبينا، حائرين ومكتوفي الأيدي تجاهها، لأننا لا نود ‏الهلاك لها، كما لا نحمل بشأنها، ولو مجرد مقدمات، نجعلها في حالة تكيف مع الوسط والمحيط، بمعنى آخر، إن هذه القضايا ‏التي نقف على تخومها، والتي تراكمت على مر عقود من الزمن، وترافقت مع الأداء السياسي للحزب الكردي، لها في المنطق ‏والتعامل طبيعتها الخاصة بها، وتستمد ديمومتها من إرهاصات المشاريع التي تستهدف القضية الكردية من جهة، ومنطق أولي ‏أمرها والدائرين في فلكها، أو بالأحرى المخططين لها، من جهة أخرى .. ‏ ‏ ولعل الدافع الأساسي الذي يقف وراء تلمسنا لهذه الإشكالية، يكمن بالدرجة الأساس في الإحساس بمسؤولية ليست لنا شأن ‏بها، لا من قريب أو من بعيد، وإن كنا نشكل جزءً منها، أو قد يحملنا البعض – وهو محق – البعض من إفرازاتها، لكن وبما أن ‏الحزب الكردي هو ملكية خاصة، وأن من يرسم ويقرر، هي تلك الآفة المتأصلة في البناء الحزبي، والذي يتجسد في النزعة ‏والهاجس والرغبات الشخصية، أي أن منطق تناول الأمور يخضع لمسارات العبثية أولاً وأخيراً، فلا مجال معها للحديث عن ‏المنطق والفكر والثقافة كي تأخذ بقسطها من تلك الحالة التي نتجنى عليها، حينما نسميها رغماً عنها بالحراك السياسي / الثقافي ‏الكردي، وإن كنا ندرك بأن مجرد تناول المسائل بهذا الشكل، ورفع الغطاء عن بواطن الأمور، قد تكون لها وقعها اللامستحب، ‏خاصةً وأن رسالتنا تحمل دلالات الاشتغال على الأمل، ومد جسور التفاعل والتواصل بين الحركة الحزبية والجماهير الكردية، ‏إلا أننا نرى أن اللوحة القائمة وفق تشكيلتها وسياقاتها، تجعلنا في مواقع الخيانة مع ذواتنا وقناعاتنا، إذا ما شجعنا على السير في ‏المنوال ذاته، حتى لو أدى بنا ذلك إلى الظهور بمظهر المتناقض مع ذاته، حسب ما قد يذهب البعض إليه، وقد يكون محقاً في ‏تصوراته .. ‏ ‏ فمع احترامنا لمشاعر الكثيرين من المنخرطين في الأطر الحزبية، والذين يعتبرون هذه التشكيلات بمثابة أدوات أكثر فاعلية، ‏وقد يكونوا محقين في تصوراتهم، بحسب درجات الحساسية التي ينطلقون منها، تجاه الحزب والموقف والقرار، وامتلاكهم لرؤى ‏قد نختلف عليها، أو أننا لم نصل بعد إلى اكتشافها، لا بد لنا أن نطرح قضايا إشكالية هي برسم الذين يعتبرون هذه التشكيلات ‏حواضن نضالية – وقد أكون من ضمنهم –، ترى كيف يجسد الحزب الكردي قراراته على أرض الواقع، وهل ينطلق في ذلك ‏من ما يتم إقراره في المحطات الشرعية أم من منطلقات أخرى، وإذا كان الجواب محصوراً في الشق الأول، فلماذا يقرر الحزب ‏شيئاً ويمارس نقيضه ...؟. ولعل ما يجري بخصوص إشكالية الإجماع والمجموع والإطار الشامل، وإفرازات كل منهما، خير ‏دليل على ما نذهب إليه، خاصةً لو أدركنا أن الكل الحزبي الكردي يتصارع ومنذ مدة على تمسكه بهذه المصطلحات، وأن كل ‏بلاغ أو بيان يصدر عقب أي اجتماع، سواء أكان يخص الحزب ذاته أو ثنائية المصدر أو أكثر منها حجماً، يؤكد وبقوة على ذات ‏المنحى.؟. ثم لماذا يترنح الحزب الكردي ويتخبط بشأن القضايا التي هي تدعي بمصيريتها وأولويتها، وأنها تشكل وفق الكم الهائل ‏مما هو منشور في مناشيرها وأدبياتها، الركائز الأساسية في بناء مقومات الفعل السياسي / النضالي.؟. وإن كنا ندرك تمام ‏الإدراك، بأن ما تقدم عليها الحركة، هي في مجملها تخضع لمفهوم المربع المحدد من حيث الأبعاد والزوايا، وأن الخروج من ‏الأسر لا يمكن له أن يتم بالترافق مع ما هو سائد ومسيطر ضمن الآليات التي تتعامل على ضوئها هذه الحركة مع محيطها ‏واستحقاقات القضايا التي تدعي بأنها تناضل من أجلها، ثم لماذا يحاول الحزب الكردي من افتعال المشاكل والخلافات ‏والحساسيات البينية، سواء داخل الأطر التجميعية، أو في الجسم الحزبي حينما ترتقي الأمور وتأخذ القضايا طريقها في التفاعل ‏نحو سكة تلاقي الشارع مع ما كانت تدعيه الحركة منذ عقود من الزمن.؟. وهنا نتساءل؛ هل يكمن احترام عقلية المتلقي ومشاعر ‏الإنسان الكردي في هذه السلوكيات، وهل لنا أن ندفع بالقضية الكردية ضمن المعادلات السياسية السائدة في المنطقة إلى أن تأخذ ‏مكانتها ونحن على ما نحن عليه، أضف إلى ذلك كيف لنا أن نطالب المثقف الكردي ليشد من أزر الحركة ولم تبق فيها ما يدل ‏على الحركة والحراك، أم أن كل هذا مفروض بحكم مترتبات المربع الآنف الذكر..؟. ‏ ‏ قد يفهم كل منا السياسة من زاوية معينة، لكني منحاز إلى فهمها في الحالة الكردية بمدى انسجامها ومواكبتها للقيم والأخلاق، ‏لأنني ببساطة، أرى أن التعامل مع السياسة في واقعنا الكردي، هي رسالة للبناء، وعليه فلا بد أن نتساءل، وكل من جانبه، ماذا ‏نبني، وما هي أدواتنا في البناء، وعلى أي منطق وذهنية نحاول التأسيس لمفهوم البناء، وهل أن اللعبة الدائرة ضمن الأنساق ‏الحزبية والتي تفعل فعلها في النخر والترهل، هي ذاتها من مقومات البناء، أم أننا لا نستطيع سوى الانحياز إلى مثل هذه ‏السلوكيات بحكم افتقادنا إلى خياراتنا وعدم امتلاكنا للرصيد الذي يؤهلنا كي نتمكن من البناء عليه، وبالتالي نكون مجبرين ‏ومنقادين إلى اختيار أقرب الطرق التي تؤكد فقط على وجودنا، بغض النظر عن المضمون والهدف، وكون هذه الطرق هي التي ‏تنسجم مع مراكز القرار الحزبي، لأنها تنأى بها عن الدخول في قضايا هي بغنى عنها، وخاصةً تلك المتعلقة بالفكر والمنطق ‏والثقافة، كون الشغل الشاغل لنا، وحتى نتمكن من إدارة المحميات الحزبية، هي مسائل القيل والقال، وقضايا الطعن والتشكيك ‏والتخوين، إلى جانب الاشتغال على مسائل الشللية، كونها لا تحتاج سوى إلى ما هو فطري في تكوين الإنسان، وعليه فإن ما ‏ننتظره من آفاق وآمال، وما نطمح إليه من خيارات نضالية ستكون رهن الانزواء والسكون ..‏ ‏ وانطلاقاً من قناعتي بأن الحركة الحزبية الكردية هي نتيجة عمل تراكمي، وبالتالي هي ملك لكل من يحاول أن يساهم في دفع ‏القضية الكردية نحو استحقاقاتها، حاولت مجدداً فتح هذا الملف، أملاً في أن نساهم سوية في عملية البحث عن البوصلة، بغية ‏الكشف عن حقيقة الرسالة التي نود أن نحدد ملامحها وعناوينها ..‏