إبراهيم محمود : داخل التاريخ.. خارج التاريخ «إلى أصدقائي التاريخيين حيث هم، وخلافهم طبعاً»

2012-06-14

أحدهم يلخّص التاريخ، ويفصل بين الغث والسمين، وقد تعتعه السكر . أحدهم  يصدر أحكاماً، دون أن يستثني أحداً، غير أنه يستثني نفسه من كل حُكْم. 

أحدهم لا يتوانى في إلصاق التهم بالمحيطين به، فقط لأنهم يعتمدون لغة الصراحة، وهو خلافهم. أحدهم لديه استعداد أن يمد يده إلى أي كان، 
فقط ليمد في يده كما يريد، وتكون له اليد الطولى زيفاً. أحدهم يحوز ألقاباً،
ممتطياً نفوساً ورؤوساً، وهو متباهٍ بكرديته وتأكيد فرادتها. أحدهم يسمّي
من يريد، أي ويغفل من يريد، كأنه هو ذاته معلوم الاسم ومجهوله. أحدهم
يفضّل الحديث عن الصرَّة وما دون، ورغم ذلك يشدّد على المثل العليا،
داعياً إليها في الوقت نفسه.
 
 
 
 أحدهم يحاول الطعن في الآخر فقط لأنه يتهيأ له أنه مختلف عنه، فما بالك
لو كان مخالفَه . أحدهم ما زال يعتقد أنه الأفضل والأتم كرديانيةً، لأنه
سليل عائلة، أو ممثّل أرومة، أو لسان حال طرف ما. أحدهم ينقلب على نفسه
بمجرد أن يشعر أن ثمة ما يتهدده من على مسافة ألف ألف ميل وبمنطق عاطفي.
أحدهم يشطب على اسم ما، لحظة الشعور أنه في موقع الغريم له دون السؤال عن
حقيقته. أحدهم غير عابئ بما يجري، ويزعم أن لديه الخبر اليقين. أحدهم
يقسم بالأيمان المغلظة، بكرد وكردستان، والسموات السبع الطباق كردياً،
فقط ليوحي أن الذي لديه لا نظير له، وفي أمر عابر. أحدهم يدرّب نفسه على
الكذب ليلاً، وفي النهار يطبّق ما درَّب نفسه عليه دون أن يرف له جفن.
أحدهم يطعن حتى في ظله، ويدوس ظل المجاور له، بدعوى أنه ظل الجميع في
أكثر من موقع. أحدهم يمارس حرباً بالوكالة باسم من لا يريد تسميته ويزعم
الأصالة في نفسه. أحدهم يعطي دروساً في محبة الكردايتي وهو يفتقر إلى
ألفبائها. أحدهم يحيط نفسه بمعجبين على شاكلته، ليختفي في وسطهم، غير
مدرك أنه يمحو نفسه بنفسه.. أحدهم يحتكر حججاً ومسوّغات لضرب الجميع
بالجميع، ويدعو إلى ضبط النفس والوحدة. أحدهم لا يتوانى عن مصافحة أي
لئيم أو زنيم أو متاجر بدماء كرده، ويعتبر ذلك سياسة. أحدهم يمدح الآخر
صباحاً، ويهجوه ظهراً، ويرجع إلى مدحه مساء كأن شيئاً لم يكن. أحدهم
يصادر على كل شيء، فقط لأنه ينطلق من موقع حدَّده لنفسه، وهو أن يبقى في
الواجهة. أحدهم يسمّي في سواه ما يشتهي دون أن يعلم عنه شيئاً دون أي
شعور بالمحاسبة الذاتية. أحدهم ينكر وقوعه في أي خطأ طوال حياته، لأنه –
ببساطة- غارق في الأخطاء، حال كرديّنا القدوة! أحدهم يتهرب من أي مسئولية
في أي مواجهة، ليكون الآخرون في موقع اللوم والذم. أحدهم يفتقد أي شعور
بالمكان والزمان، لأنه ببساطة، ينعدم فيه وعي المكان والزمان. أحدهم
مهيَّأ لأن يحرّف أو يزيّف أو يشوه أي كلام فقط ليكون هو ممن يشار إليه
بالبنان. أحدهم يعتبر أن المبدأ الأول في الحياة هو كيف يمكنك العيش دون
مبدأ كامتياز خاص جداً. أحدهم يطنب في الأخلاق القومية، ووحدة الشعب، وهو
ليس أكثر من سمسار ومنزوع الذمة. أحدهم يمارس دور شاهد زور حتى على أمته
وشعبه، طالما أن ذلك يفيده شخصياً، ويعتبر كل نقد له تشهيراً! أحدهم يحيل
إليه التاريخ والاجتماع والسياسة شعوراً منه أنه الأكفأ من سواه دون أي
دليل. أحدهم يعتبر أن الحكمة هي في انتهاز الفرصة دون إعطاء أي قيمة
للعمر والثقافة والعمل المضني. أحدهم يزعم بصورة ما، أنه مخلوق من أبوين
نادرين، وأن جينته لا تشبهها جينة أخرى إطلاقاً. أحدهم همُّه أن ينال من
أي كان منبّهاً المحيطين به أنه" استزلامي"، فالضعة ضالة الانتهازي.
أحدهم يرى أن الأهم في كل مهم هو كيف تضرب ضربتك وتحقق بغيتك، حيث تكون
النجومية المثلى. أحدهم يقاطع أياً كان، ويقطع الطريق على أي كان، فقط
لحظة الشعور أنه يغلق عليه الطريق، لأنه بلا طريق. أحدهم لازال يقسم
بالطلاق وبرأس أولاده طالما أنه يقتنع أن لدى الآخرين استعداداً لتصديقه
وهو مراوغ. أحدهم يرى- ببساطة- أن العدل هو في كيفية البقاء في الصدارة
حتى إن ظهر أمياً بين آخرين. أحدهم، هو كل هذا الذي تقدَّم ذكره في
المعرَّف به أو الموسوم كردياً، على أنه أحد أحد( أي لا نظير له). أحدهم
هو أحدُّهم، يكون في مواجهة هذا النموذج المعدِي ومتعدد الأشكال كردياً،
وليس أحَدهم هذه المرة، إنما يكون له اسمه الثلاثي وموقعه وتاريخه
الفعلي، ولا يعبأ بكل ترَّهات أحدهم لأن هذا أولاً وأخيراً: أحدَهم غير
معرَّف به! بطريقة أخرى أيضاً أحدهم لا يرى أبعد من أرنبة أنفسه، وهو
يتحدث في العولمة والمثل والثقافة الجادة. أحدهم يفصّل كلامياً في
المنازعات، ولا يدَّخر جهداً في تنمية الانقسامات هنا وهناك. أحدهم لم
يصدّق قولة كاتب من أحدهم ليجعل من لسانه منشاراً هنا وهناك. أحدهم يدفع
بكرده وكردستانه إلى البازار المحلي والدولي طالما أن ثمة صيتاً يكسبه من
ورائه. أحدهم ينافس العقرب إلى جانب الثعلب فملتوي الذنَب في تحقيق مآربه
دون التفاتة إلى الوراء. أحدهم لا يكف عن تهجئة كردستان بمناسبة ومن دون
مناسبة وهو في أمان، بعيداً عن الملاحقة. أحدهم يدّعي تمثيل الفكر
والثقافة والحقيقة، وهو أحوج ما يكون إلى فتح دورة لمحو الأمية. أحدهم لا
يمانع أن يضع نفسه في خدمة أي متنفذ فقط ليتم التذكير باسمه. بطريقة أكثر
تقريباً أيضاً وأيضاً أحدهم يتباهى باسم عشيرته وشرف عائلته، ويسمّي نفسه
مدنياً من الطراز الأول. أحدهم يذيّل بتوقيعه مقالات نارية، متجاهلاً
تاريخه المشين حتى الأمس القريب. أحدهم يتحدث عن الاستقلالية وحرية الرأي
وهو مفوَّض أمره إلى من يحرّكه هنا وهناك. أحدهم مسمّي نفسه لسان حال
مشيخياً أو عشائرياً، وهو ليس أكثر من شخصية هلامية. أحدهم يمدح تاريخه
النضالي الطويل، ويخشى النظر ولو في عيني طفل خشية افتضاح أمره. أحدهم
يدعو إلى صيد النمور والأسود وهو يرتعد خوفاً من رؤية ابن آوى. أحدهم
يوسّع دائرة نشاطه التحزبية كلما استشعر أماناً أكثر، ودائماً باسم تفعيل
الديمقراطية الخاصة به.. أحدهم يتوسل أو يكلف هذا أو ذاك بالكتابة عنه
ليعلم المحيطين به أنه شخصية كاريزمية.. أحدهم يصوّب أخطاء الآخرين بصيغ
شتى، معتبراً ذلك نوعاً من التكيف، ودخولاً في التاريخ الحي. لكن ثمة
أحدهم ليس أحدهم إذاً، إنما هو: أحدهم يرى أن لا بد من قول الحقيقة ولو
كلَّفته حياته. أحدهم يشعر أن الإنسانية بكاملها وكرده ضمناً داخله.
أحدهم يفترش الأرض ويلتحف السماء، سوى أنه يتنفس الهواء النقي، وملؤه نبض
الحياة. أحدهم مهيأ لأن يضحي بأغلى ما يملك عند الضرورة عملاً بمبدأ
يتمسك به ذاتياً. أحدهم يكره القواعد طالما أن ثمة من يراقبه باسمها،
معتبراً تجدده الطبيعي في الحياة هو القاعدة المثلى. أحدهم يعيش الآخرين
وهو على مبعدة عنهم حيث يعيش حرارة أنفاسهم على مدار الساعة. أحدهم يظل
مجهول الاسم باعتباره يكره الألقاب الطنّانة، ساخراً ممن يكثر من
پَروزاته دونما تعليق. أحدهم يعيش ويأكل، يقرأ ويكتب، ينأى بنفسه عن
الصغائر لأنه يضم في روحه حياة كاملة. أحدهم لا يعدم طرقاً شتى كلها تقود
إلى الحياة، فتلك خياراته الأجمل. أحدهم يكون وطنُه: جمرة في القلب، كما
يقول عرَقه الذي ينز منه، ارتفاع درجة حرارته في عز الشتاء. أحدهم يفضل
العراء حين يعلم أن ذلك أسلم له، طالما أنه يفوز برؤية نجوم السماء
ومصادقتها. أحدهم يعلم جيداً جرّاء ذلك أنه ضمناً ليس كأحدهم لأن عنوانه
المميَّز بالعلامات الجادة يدل عليه.. في صحبة "أحدهم .. أحد"، أمد إليه
يدي صحبة قلب ينبض حياة، فلا يعود أي أحد كان. في مفارقة" أحدهم" قد أمد
يدي، ويدي الأخرى على قلبي، لأنه يبقى أحدهم غياباً دون حضور.
 
 
 ذلك هو الفرق بين أحدهم الذي عايشته حتى الآن، وأحدّهم، حين يهبني سراً
حياتياً، إنسانية تنوّر عالمي.. الرهان الكبير إذاً: كيف يمكن لأحدهم أن
يثبت أنه ليس أحدهم " ذيلياً" ويعيش الحياة وشرف الانتماء المجتمعي!