إبراهيم اليوسف : مشروع غسان تويني التنويري

2012-06-13

يحارالمرء، وهويريد الإحاطة بكل جوانب شخصية غسان تويني"1926-2012" الذي رحل منذأيام قليلة، وذلك لأن الرجل الذي عرفناه إعلامياً بارزاً،وهو الأكاديمي، والمحاضرفي مجال العلوم السياسية

كما أنه النائب في البرلمان، والوزير، والكاتب الذي أصدرالعديد من الكتب التي هي خلاصة رؤيته،في قضايا كثيرة، ومن بين كتبه"اتركوا شعبي يعيش-نزهة العقل- سرالمهنة..وأصولها-قبل أن يدهمنا اليأس-حوارمع الاستبداد-الجمهورية في إجازة" حيث اتخذ أكثرهاطابع الكتاب الخاص، وإن كان من بينهابعض الكتب التي تضمنت مختارات من مقالاته التي كانت لفترة طويلة، افتتاحيات جريدة النهاراللبنانية التي يملكها، ولها حضورها الخاص، لبنانياً، وعربياً، في محاولتها، أن تكون ساحة للحوار، بين مختلف الآراء، وإن كان صاحبها قد اختطَّ لها مسارها الخاص.

 
وفي ما إذا تناولناهنا، شخصية تويني الإعلامية، فإن في ذلك ما يعطي صورة كاملة عن عالمه، ورؤاه، لأن هذه الشخصية-تحديداً-كانت تعيش بين الناس،بأكثرمن غيرها، قريبة من نبضهم، وحلمهم، وإن كان للوزيرالذي عمل في أكثرمن حقل ومن بين ذلك الإعلام،و للبرلماني دورهما الكبيران- وهوالذي عرف عالم البرلمان أكثرمن مرة أيضاً-بل إنه دوره كان جد مهم،في الفترة الأشدحرجا ًفي حياة لبنان،عندما كان سفيراً لبلده لدى الأمم المتحدة، وهي الفترة مابين عامي 1977-1982،التي بلغت المؤامرة، على وطنه، أشدَّها.وكان أن دفع ثمن موقفه، وجريدته، الكثير،وهل أصعب عليه- من أن يتم اغتيال نجله جبران-في حادث سيارة مفخخة، وهوفي ذروة عطائه، ليشكل ذلك ذروة الألم عنده،إلى جانب فجيعته برحيل زوجته الشاعرة نادية تويني، وابنه مكرم، وابنته، ولكل ذلك أثره الأليم على في حياة الرجل الذي كرس قلمه، من أجل خيرلبنان،وفق وجهة نظره، بل إن مالفت انتباه العالم الذي هزَّه نبـأ اغتياله نجله،وهوالصحافي،وعضوالبرلمان، ذلك الموقف الذي أبداه الرجل، وهوينصرف للدعوة إلى عدم الانجراروراء ثقافة الانتقام،حيث تتجلى،هنا، عظمة روح هذا الإنسان، وهويسوِّي بين طرفي معادلة هي: لوعة الأب في المصاب الجلل،نتيجة التآمراللئيم على حياة وموقف نجله، من جهة، والحرص على مصيربلده الذي أنهكته الفرقةالمصطنعة،وفق خطط دخيلة على طبيعته،كفضاء للحب، والسلام، والحرية، من جهة أخرى..!.
ولعل رؤية تويني، كإعلامي كبير، و"عميد الصحافة اللبنانية" كمالقبه المعنيون،بشؤون هذه الصحافة،وهو-بحق-أحد أعمدة الصحافة العربية الحرة،على الإطلاق،تجسدت في ترجمته لثنائية"الرأي والرأي الآخر"، حتى وإن كان هذا الرأي، مخالفاًلرؤاه،وهويدخل في إطارنزعة الولع ب"الديمقراطية"، ومواصلة الدعوة لشيوعها، وتثبيت دعائمها، وتأصيلهافي ثقافة أهله، ووطنه، وإن كان يعرف في قرارة نفسه،أن للأمرضريبته الباهظة، وإن أقرب مثال إليه،في  التنكب بدفع أغلى ثمن لهذه القناعة،عبر اغتيال نجله، وذلك بعد اغتيال قطب آخر، من أقطاب جريدته، وهوسميرالقصير، الذي يعد أحد رموزالشهادة من أجل الموقف،إذ قتل نحوفجائعي تقشعرّله الأبدان.
 
وإذا كان تويني قد قضى، بعد رحلة ستة عقود مع الصحافة والكتابة، كأحد المقاومين من أجل قناعاتهم ب"الكلمة"وهي أعظم أدوات المقاومة، طرَّاً،فإن ما يخفف من أثرصدمة خسارته، هوأن كلمته لاتزال تدوي بيننا، وأن أفكاره التي طرحها، من أجل مستقبل إنسانه، ووطنه،لاتزال تتفاعل، بل إن نهاره،لايزال يواجه عتمة الليل التي لابد منها، في قانون أزلية الكثيرمن الثنائيات، بل إن إدراك مسألة مهمة،من قبلنا، تكمن في الإقراربأنه كان صاحب مشروع تنويري، يجعلنا نتلمس أثرروحه بيننا، باستمرار، وهوأعظم ما يمكن أن يتركه الإعلامي، أوالمفكر، عادة...!.
elyousef@gmail.com