سلمان بارودو : اللاعنف أعظم ما أبدعه الإنسان

2012-06-08

إن وجود وانتشار العنف في كثير من المجتمعات أصبح أمراً واضحاً ومخيفاً يهدد حياتها ومستقبلها ، رغم رفض هذه الظاهرة الخطيرة على الأقل بشكل نظري من قبل أوساط مجتمعية واسعة .

عندما نتحدث عن العنف والظلم، نتذكر فوراً شخصيات حقيقية ليست من نسيج الخيال، بل من العصر الحديث كشخصية هتلر وستالين وصدام وميلوزوفيتش ومعمر القذافي ، على سبيل المثال لا الحصر، لأن هؤلاء اتسم تاريخهم بالعنف والطغيان والدموية، وكذلك يتبادر إلى أذهاننا ونتذكرهم بإجلال أصحاب ثقافة ومبدأ اللاعنف في نضال الشعوب والمضطَّهَدين لأجل الانعتاق من الاستبداد ونيل الحرية وتأمين الحقوق العادلة ،  كشخصية الزعيم الهندي المشهور المهاتما غاندي، وقائد النضال السلمي في الولايات المتحدة الأمريكية مارتن لوثر كنج، والقائد الأفريقي نيلسون مانديلا، وكذلك تجربة النضال ضد العنصرية في أمريكا.
إن التخلص من ثقافة العنف والعنف المضاد واجتثاثها من عقلية وذهنية الأفراد والجماعات ليس بالأمر السهل، بل يحتاج لجهود سلمية وتوعوية ثقافية وسياسية اجتماعية كبيرة ، وإيجاد حلول ناجعة لكافة المعضلات تخلق بيئة سليمة يتكوّن فيها الإنسان العاقل السوي المحب لأخيه الإنسان ، وهذا لا يعني المسامحة غير المشروطة تجاه المعتدين على حقوق المجتمع.
إذ قال غاندي : ( العين بالعين تجعل العالم بأكمله أعمى )، أي أن مواجهة العنف بالعنف تعني تسميم الحياة وطمس أسس العيش المشترك وتقويض السلم الأهلي .
لذا أصبح واضحاً للعيان بأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش بسلام وازدهار دون تبني سياسة السلم وقبول الآخر المختلف واحترام رأيه مهما كانت ميوله واتجاهاته السياسية والفكرية، لذلك من واجب جميع المهتمين والمتخصصين إيجاد أدوات وآليات مناسبة لنشر ثقافة ومبدأ اللاعنف وأسسه وكيفية العمل به ، يقول المهاتما غاندي لدى مطالبته للشعب الهندي باعتماد مبدأ اللاعنف: ( اللاعنف هو القوة العظمى لدى الإنسان وهو أعظم ما أبدعه الإنسان من أكثر الأسلحة قدرة على التدمير ). مع الأسف، ما زالت فيروسات العنف تعمل في ثقافتنا بشكل عام  وتجد لها البيئة الخصبة ، لم يتم معالجتها بشكل صحيح ومدروس، ويبدو أننا مقبلون على مآسي وويلات وكوارث لا تحمد عقباها .
العنف لا يحل المشكلات، بل يزيدها تعقيداً، كما أنه لا يحرر المجتمع، بل يقيده ويأسره، كون العنف يعتمد على منطق القوة وليس قوة المنطق.
إن التغيير الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الحديثة لا يتحقق بتغيير النظام أو السلطة وشخوصها، بل بتغيير العقول والنفوس والبنية الفكرية والثقافية والتنظيمية للدولة والمجتمع نحو قبول التعدد والآخر وصون الحقوق خدمةً لكل فردٍ إنسان – مواطن .
لذا أرى أنه يترتب على كافة السياسيين والإعلاميين والكتاب والمثقفين أن يقدموا لمجتمعاتهم نموذجاً لثقافة اللاعنف من خلال برامجهم وكتاباتهم ونضالاتهم المستمرة بين الجماهير، لأنه لا يمكن أن نتصور مجتمعاً تعمُّ فيه ثقافة اللاعنف إذا كان قادته وسياسيوه وإعلاميوه ومثقفوه يمارسون العنف والإقصاء أو الإرهاب بأشكال مختلفة. وهنا لا بد من الإشادة بمواقف وسياسة حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا بخصوص انتهاجه ثقافة اللاعنف وترويجها من خلال عمله النضالي والسياسي وأدبياته ومواقفه المنشورة. إن هكذا سياسة وثقافة لا بد أن تنتصر في النهاية، لأنها تبغي التسامح والمحبة والسلام وتأمين حقوق الإنسان والشعوب وخلق الثقة وتعزيزها بين جميع مكونات المجتمع، من أجل الانتقال إلى غد أفضل لا مكان فيه للعنف والعسف والاضطهاد.