ابراهيم اليوسف : ركائز الحوار

2012-05-30

ليس جديداً، أن تتمّ الإشارة-هنا-وفي أيِّ مكان آخر، على أهمية الحواربالنسبة إلى الإنسان، بشكل عام، في ظلِّ توافرحالة الوعي، هذه الحالة التي تحقق شروطه، في صيغته المتوخاة، على اعتباره أحد أهمّ شرايين الحضارة، والتقدم، بل و الحياة، في مجالاتها الهائلة، ليكون له فعله التحولي، وفق سيرورة الزَّمان، وصيرورته المعروفتين..!.

وللحوار، ضمن مثل هذه الرؤية، أبجديته المسلّم بها، والتي لابد من معرفتها، من قبل طرفيه، أو سائراطرافه، المتحاورين، في حال تعددهم، وهوأمرجد عادي، وقد يدخل ضمن معادلة الأطراف العالم  كله، أو مجموعة الحضارات المتعاقبة على وجه البسيطة، حتى ينتقل من خانة الخطاب، أو الحكي، إلى عالم الحوارالجدلي، ولئلا يكون جسداً بلا روح، لا طائل منه البتة.

 وإذا كانت للحوار-عادة-مفرداته التي لابد منها، كي يستقيم، ويفعل فعله، فإن انتقاء مثل هذه المفردات، يأتي كنتاج للحالة المعرفية، والدُّربة، والمران، كي يؤدي المهمات المطلوبة منه، في مجال تفعيله، لأن هناك، في المقابل، مفردات متطفلة، لا طائل منها البتة، تشتت بؤرة النقاش، اللازم تأطيره، وتحديده، ومن الضروري أن تكون هذه المفردات معروفة، من قبل الأطراف التي تخوض غماره، واقعية، ممكنة التناول، بعيدة عن الاستيهام، والفنتازيا، والرجرجة، والزئبقية، التي تجعلها -وهي الأداة-عصية على الإمساك بها، لأداء وظيفتها المبتغاة، ضمن المختبرالحواري.

ولعلَّ الإقدام على الحوار، لايكون في منظورطرفيه، أو أطرافه، على قدرواحد من العناية والاهتمام، حيث لابد من توافر الحب، و صفاء النوايا، أثناء خوض غماره، وأن يكون محقِّقاً لمصالح المتحاورين على حدِّ سواء، وإن بدرجات متفاوتة من النتائج،  إذ طالما هناك من يلجأ إليه، لدواع لا تتعلَّق بالحرص  على أهميته العظمى في حياة البشر، وذلك إما لما له من خلِّب شكلي، براق،لأداء غرض آني، موقوت، فيكون بذلك مدعاة إلى اللاحوار، أولنسف بنيانه، وتقويض أركانه، والدخول في  فضاء طاحونة تدور رحاها،عبثاً، لإضاعة فرصة الحوارالحقيقي، والإجهازعليه، على اعتبارأن للحوارزمانه ومكانه اللازمين، ومن بين شروحات  ذلك أن لافائدة من الحوارمع الضحية، بعد تصويب الرصاص عليه، وزهق روحه، ولا يمكن له، أن يبرِّىءطعنة الجريح ، بعد أن يتم انتهاك الجسد أوالروح، باسمه، تاركاً خلفه ندبة مشوَّهة، وهوأقلّ آثارالطعن،في بعده المرئي..!.

  إن في توافرلغة الحوار بين  أفراد الأسرة الواحدة، ما يكفل نجاح أفرادها في تحقيق مهماتهم،  كما أن في توافرها في مدينة ما، ضمانة لتعيش في طمأنينة، وسلام،وتقدم ، وأن في توافرها بين أبناء شعب وآخر، أو بين شعوب العالم،  ما يكفل انتفاء الأذى والحروب وثقافة الضَّغينة، بل إنها لتشيع التوادد والتلاحم، وتحقق الشرط الحياتي،أنى وجدت، ناهيك عن أن الحوارلهوأرقى مافي أبجدية الأفراد، والأمم، والشعوب، لتحقيق كل ماهوسام وإنساني، ونبيل، ولعل أي طرف سها عنه، وتجنبه، في حياته اليومية، لن يكون أمامه إلا الندم العظيم، في ساعة صحوه، وتعقله..

ومادام الحوار، على هذا القدرالكبيرمن  الأهمية، فهوليرتقي إلى مقام الهواء، والماء والرغيف، بالنسبة إلى الإنسان، و لابدَّ من أن يعنى به، على نحوخاص، بدءاً من البيت و الشارع والمدرسة، وانتهاء بالمؤسسة،  دون القفزعلى المنولوج الذاتي، الواعي،  وذلك ضمن سلم الأولويات في عالمه، لنعرف جميعاً: ماذا، ولماذ،ا نتحاور؟، وكيف نتحاور، وبم نتحاور، ولم نتحاور، وهي  ركائز مهمة، من أجل حوارأكثرأهمية، حواردون نوافل وترَّهات وثرثرات، حوارفيه منجاة مركبتنا الإنسانينة الكبرى، إلى ضفة الأمان والسلام..!؟
إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com