حسين حمدان العسّاف - كلمة في رحيل السكرتيرالعام للحزب البارتي الديمقراطي الكردي السوري

2012-05-28

  

لم تكن معرفتي بالسكرتيرالعام للحزب البارتي الديمقراطي الكردي السوري الدكتورعبدالرحمن آلوجي المولود في عامودا عام خمسين وتسعمئة وألف حديثة العهد ، وإنماهي معرفة ضاربة بجذورها في عمق الماضي ، تعود إلى أربعة عقود ونصف خلت
 
وحين تلمع صورته في خاطري تتوارد في مخزون ذاكرتي صورالماضي البعيد والقريب ، لعل أقدمها يوم كنا طلاباً فتياناً أنا في ثانوية نورالدين الشهيد ، ثانوية الفارعة للمتفوقين حالياً والراحل في دارالمعلمين بالحسكة في نهاية ستينات القرن العشرين ، في تلك الأيام عرفه مدرّس التربية الإسلامية الأستاذ الحموي ماجد غريواتي ، ولمس فيه نباهة ورغبة في المطالعة وعشقاً للغة العربية وميلاً إلى الأدب والثقافة ، فحثه عليها ، وأخذ يتحدث عنه ، ويأخذه إلى المركزالثقافي بالحسكة ، ويدعو المدرسين إلى حث طلابهم لحضورأنشطته الثقافية ، ثم وقف إلى جانبه في بداية محاضراته ، وكان لأستاذه الحموي فضل في رعاية موهبته ، واحتضانها ظل الراحل يذكره، ويعترف له بالجميل إلى آخر حياته ، وتابع الراحل دراسته اللغة العربية في جامعة دمشق ، وتخرّج فيها عام اثنين وسبعين وتسعمئة وألف ، ثم تابع دراساته العليا ، فنال من جامعة القديسة تيريزا في أرمينية شهادة الدكتوراه الفخرية ، ربّى أجيالاً متعاقبة من الطلاب مُدرّساً لمادة اللغة العربية ، وتابع طريقه في الثقافة والأدب والشعر ، فكتب في الصحف والمجلات والدوريات العربية ، وأجريت معه المقابلات والحوارات حتى سطع اسمه في الحراك الثقافي على مستوى محافظة الحسكة ، وكان صوته يصدح في المناسبات المختلفة ، ولايزال الجيل الذي شهد أنشطته يومذاك يذكرقصيدته الرائعة في أبطال المقاومة التي يستهلها ببيته الشهير: ياضارب العِرنين ضربة لازب مني إليك تحية من غاضب ثم بدأ في تأليف الكتب ، له كتيّب ( الايقاع في الشعرالعربي )، ومجموعة شعرية ( مدمن النار) كما له بعض المخطوطات لم تطبع بعد ، غيرأنّ السياسة أخذته عن الثقافة والأدب والتأليف شيئاً فشيئاً حتى استغرقت جهوده فيها، فتدفقت مقالاته في الصحف، وكنا نقرؤها حيناَ ، ونستمع إليها تبث في إذاعة كردستان العراق حيناً آخر، وكانت تجمعني بالراحل هموم واحدة ، منها أننا كنا ندفع ثمن مواقفنا باهظاً حتى أوصد النظام السوري أبوابه بوجهينا في مسابقات انتقاء المدرسين أواخرسبعينات القرن الماضي بسبب رفضنا الاضطهاد والتمييز، وكلما التقينا كان ، رحمه الله ، يردّد الحكمة القائلة : ( إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس ، فتذكرقدرة الله عليك ) . كنا نختلف في بعض المسائل السياسية ، ونتفق في بعضها الآخر ، وكنا نحترم هذا الاختلاف ، ونراه صحيّاً ، ولم ننقطع عن بعضنا ، فكنّا نتواصل في مختلف المناسبات السياسية تواصلاً شخصياً أو عبرالأنترنيت أو من خلال موقعي الالكتروني ، وكان يتحدث طليقاً باللغة العربية الفصيحة السليمة كلما حضرندوة أو مناسبة أو مقابلة . عرفت الآلوجي رجلاَ حَيياً ، متواضعاً ، صادقاً ، وفيّاً ، نزيهاً ، متسامحاً ، نقي السريرة ، طاهرالقلب ، مثقفاً ، شاعراً، مسلماً حقاً ، ولاغرابة في ذلك ، فهو نشأ في أسرة متدينة مشبعة بروحانية الإسلام، وانطبع سلوكه بقيم الإسلام وتعاليمه السامية ، والده شيخ دين ، مشهود له بالورع والتقوى ، والمشكلة في حياته أنّه خاض معترك السياسة بعقلية الإنسان المسلم الذي يجسّد بسلوكه وبتعامله مع الآخرين الطهروالنقاء ، وهذا السلوك ينفرمن النفاق والتملق والانتهازالمتفشي في العمل السياسي ، وقد سبّب له سلوكه هذا متاعب جمّة ، وكان بعد المسافة الذي يفصله عن جماعته ثقافياً وفكرياً وخلقياً جعله بنظربعضهم عقبة بوجه طموحاتهم الشخصية دفعهم إلى التآمرعليه ، والغدربه ما أحدث له صدمة لم يحتملها جسمه المنهك بداءالسكرالمزمن ألقته طريح الفراش ، وأقعدته عن الحركة ، ثم انتهت به إلى الداء العضال الذي أطفأ شمعة حياته صباح يوم الخميس في 24 أيار /2012 م ، وهو يتعالج في مدينة أربيل بكردستان العراق . وكنت قد عُدته مع أترابي في منزله البسيط مرتين للاطمئنان عن صحته ، كان آخرها في عيد النوروز الماضي 2012م ، وحزّ في نفوسنا أننا وجدناه على فراش المرض في حال لاتسرّ صديقاً ، كان يشكو من غدرالانتهازيين وسهام المنافقين ، وأكاذيب المتملقين ، ودعونا له صادقين بالشفاء العاجل . وقلت له ممازحاً : يا أستاذ عبد الرحمن أنت تألقت في الثقافة والشعر والتأليف ، ثم آثرت عليها العمل السياسي ، فخسرت الثقافة والأدب والتأليف ، وهي مكانك الطبيعي ، وكان بوسعك أن تخدم قضيتك فيها ، وصدمك العمل السياسي الذي أقعدك في الفراش . ليتك بقيت في مجال الثقافة والأدب والدراسات والأبحاث لكنت برزت ، وأفدتنا فيه ، فأجابني : إنْ أذن الله لي بالشفاء فسأتفرغ للأدب والثقافة والكتابة مابقي لي من العمر. كان الآلوجي رجلاً متوازناً في فكره وقلمه ، يدعو إلى نبذ المغالاة والتطرف والتعصب عند الكرد والعرب، ويدعو إلى تعزيزالأخوة العربية الكردية ، لمسنا منه ذلك في كتاباته و حواراته في المنتديات العربية والكردية ، وفي زيارتنا الأخيرة له ، قال : إنني سعيت دائماً ، وسوف أظل أسعى إلى تعزيزالتآخي بين العرب والكرد، تعزيزاً يحفظ لهما خصائصهما ، ويوطد فيهما أواصر الروابط المشتركة . الآلوجي يمثل بنظري النموذج المعتدل للمفكر والمثقف والسياسي والأديب والإنسان . فهولم يكرّس حياته وفكره وقلمه خدمة لقضية الأكراد فحسب، وإنّما كرّسها أيضاً دفاعاً عن حقوق المواطن أينما كان ، ومهما كان عرقه أو دينه أومذهبه أو لسانه ، كرّسها لتحقيق الوحدة الوطنية ولوحدة سوريا أرضاً وشعباً وتاريخاً ، وكرّسها دفاعاً عن الإسلام . وبرحيل الصديق الأستاذ عبد الرحمن الآلوجي خسرنا شخصية سورية كردية وطنية هامّة ، نسأل الله له الرحمة والمغفرة ، ولأسرته وذويه ومحبيه الصبروالسلوان .