إبراهيم اليوسف : عبدالرحمن آلوجي: لاترحل الآن..!

2012-05-25

كان علي، أن أكتشف، أن المكالمة التي وردتني، باكراً، في صباح هذا الخميس الأياري ماقبل الأخير،  والحزين، تحمل نبأ الفجيعة، برحيل شخص عزيز، وهوما تترجمه لي خفقات قلبي، حيث تستعجل الأذن الخبر الموغل في الألم:مات عبدالرحمن آلوجي...!

لا أعرف، كيف أقفلت خطَّ الهاتف، مودعاً صديقي، وأنا أقول له: لاتقلها!..لا..أرجوك..!، ربما كان الخبر، غيرصحيح؟، الذريعة التي نلجأ إليها-عادة-في هذا المقام، من رحيل الأحبة، والأهلين، في محاولة، خلق اتزان ما للروح، وهوما فعلته، أكثرمن مرة، خلال السنتين الماضيتين، في هذا المكان البعيد، وأنا أخسرمن روحي، أجزاء، باهظة، مع الغياب الصافع لكل واحد، من هؤلاء، وهم من عدادأسرة روحية، باذخة البهاء، شكلتها، على طريقتي الخاصة، ويدخل الصديق أبو شيارفي عالمها بامتياز، لما أعرفه عنه من خصال، ومناقب، ومآثر، ومواقف.
دون أن أعلم، لم؟، وما السبب؟، تكثفت اتصالاتي بأبي شيار،عفوياً، خلال الشهرين اللذين سبقا سفره إلى الإقليم،  حيث رحنا نتناقش، في قضايا جدَّ حسَّاسة، تتعلق بالثورة،ولم لا؟،  وهومن أوائل الذين انخرطوا فيها، وكان صوت تيارالمستقبل، أولاً، وصوت مشعل تموفي مابعد، يأتياني: أمنوا لو سمحتم اتصالات تلفزيونية، مع د. عبدالرحمن آلوجي، ذو الموقف المشرّف من الثورة..!-وهوما لم يتم لسبب فني- أو كنا نتحدث في ما يتعلق برابطة الكتاب، وهو من أوائل أعضائها القدامى الذين جددوا مبايعتها، من خلال توكيدإرسال طلب انتسابه، وصورته،  أو  في ما يتعلق بالمجلس الوطني الكردي، أوغيره. أتذكر، أنه في يوم أربعين الشهيد نصرالدين برهك، قلت له: بلغ تعازينا، إلى الأصدقاء في البارتي، لأن هواتف أحد منهم لا تجيب، وكنت اتصلت بالأخ فؤاد عليكو، بعدها، وعلمت أنه هو الآخر، لم يتمكَّن من المشاركة لأسباب ملحَّة، بل تم تكليف بعض رفاق حزبه، بذلك، ليقول لي أبو شيار ولا أعرف لم: بلغ فيصل يوسف سلامي، ولينقل تعازينا المشتركة إلى أسرة برهك، ورفاقنا؟، فأنا على سريرالمرض..!، ولم أرد أن أقول له: وفيصل أيضاً أكمل  يتمه  بأمه قبل أيام، فحسب..!..
أتذكرسألته: سلامتك، عزيزي، مابك؟
طبعاً، كنت أعرف من قبل، أنه يعاني من مرض السكري، بيد أنني لم أكن لأعلم، ما جرى له، في الأشهرالأخيرة، وهل يستطيع المرض أن يقعد أمير الخطابة الكردي، وبليغها، الفذَّ، في منزله، وهو الذي ذهب لاستقبال وتشييع أكثرمن جنازة شهيد، في ما مضى ، إلى مثواها الأخير، وربما  حتى قبيل سفره، بقليل، ومشاركاً في مجالس عزاء بعض شهداء الحسكة،  وهوما كان يطمئنني، وهماً، فقال:
-أنا مصاب باعتلال سكري..!
أعرف، من خلال مثال قريب مني، أن هذا المرض صعب، بيد أنني لم أكن أفكرالبتَّة، بأن هناك مرضاً آخر، يعانيه، وهولايعلم به، لأن أسرته، ورفاقه، أخفوا عنه الحقيقة، وهوالشاعر، رقيق الأحاسيس، ما جعلني أعطيه، أسماء ما، ليتواصل مع أصحابها، ممن لهم معرفة بأطباء يعالجون المرض، بشكل جيد .
صدمتي كانت كبيرة، عندما وجدت صورة لأبي شيار، وهوعلى كرسي المرض، ينقل من المطارإلى المشفى، لإجراء الفحوصات له، في خبرسريع نشرته مواقعنا الكردية عنه، وعن البطلة المناضلة زاهدة رشكيلو، بيد أن معرفتي، بشراسة الاعتلال السكري، جعلتني أبقى، في دائرة وهمه، دون أن أشطَّ، بعيداً، لأعرف، أن هناك مرضاً، آخر، مبيتاً، كما سيعلمني بذلك د. حكيم بشار، صباح هذا اليوم..!
 ثمة أسئلة كثيرة،لاتزال تراودني، وأنا في مقام حضرة روح أبي شيار منها: ترى ما الذي أراد أن يقوله لنا عبدالرحمن آلوجي، وهويغمض كلتا عينيه، في هوليرالتي أحبها، ودفع ضريبة حبه لها، اعتقالاً، وسجناً، وتعذيباً، ضمن سلسلة اعتقالاته..!؟، كي أظل في دوامة، من الاضطراب، والوجوم، والحزن.
الأسئلة تتناسل
والألم يتناسخ
أتصل برفاقه، لاسيما من أشارهو بالتواصل معهم، لدواع تتعلق، بالمشتركات التي تجمعنا، وخاصة، في المرحلة الأخيرة، لأستلم هاتفاً من أحدهم، وإذ به، برفقته، في الإقليم، ليعزي كل منا الآخر، وفي حلقينا الغصص، لاسيما وأن  مكالمي،هوبدوره صديق مشترك قديم، ويبدو أنه سيضطرللبقاء في الإقليم لدواع معروفة.
محطات، ومواقف كثيرة، وهائلة، عرفت خلالها أباشيار، ولعل أولاها، عندما سمعت باسمه، لأول مرة، وأنا طالب في الصف الرابع الابتدائي، عندما كان والدانا الاثنين يتحدثان عن تفوق عبدالرحمن، وربما كانا يتحدثان، عن تأليفه المبكرلنص أدبي، أو تمثيلي، عن أحد الخلفاء الراشدين، أوأحد الصحابة، وهوطالب، على مقاعد المدرسة، بل تناقلا همساً أن هناك، من كان يلاحقه، لمواقفه، وغيرذلك، مما سأعرفه، حين أكبر، وكان والدي معجباً به، فهويجمع بين الدنيا والآخرة، النبوغ، والوطنية، والدين..!.
أتذكرأباه، عندما كان يزوروالدي في القرية، وإحدى أولى الأراجيز الساخرة التي استظهرتها عن طريقه، وهي:
Xirb ê  qeplo birincine  y ê n……….. al ûcine
بل بعض "حزازير"النحو وغيرها التي كان يداعبني، باستذكارها، وهويسألني عن مدلولاتها، فأعرف بعضها، وأخيب في الإجابة عن بعضها الآخر، فيرافع عني أبي قائلاً: ملا حسن، إبراهيم، في عطلة الصيف، ومدرسته، أغلقت أبوابها، كي يضحكا، ومن حولهما، وغيرذلك الكثيرمن الذكريات، التي سيأتي، نجله إبراهيم آلوجي، معلمي الأول حقاً، وأتلقى  على يديه، بعض ما لم يقله لي أبوه، عندما درسني، في قرية تل أفندي في العام 1972، وأنال على يديه الدرجة الأولى، على زملائي، في الصف السادس، ولاتزال شهادتي المدرسية تحمل رائحة أصابعه، وتوقيع معلم آخر، هو الشاعرسليمان طاهر، حبيس درباسيته، وكان أستاذي إبراهيم، يقرأ علي بعض رسائله الغزلية، فأعجب من عباراته، وأحاول أن أستفيد منها، وأنا أواصل كتابة أراجيزي الساخرة، عن أبناء قريتي" تل أفندي" ..!.
 
علاقتي، وعبدالرحمن آلوجي، توثقت في ما بعد، على دروب الكلمة، والموقف، وكان يجمعنا، صديقنا الثالث" أخي في الرضاع" محمد حاج سليمان، جاره، في الحي الحسكاوي،يوطد العلاقة، أنى غاب كل منا في خصوصياته،  ونتبادل الزيارات،الاجتماعية،بين حين وآخر،  وأكون ممن تم اختيارهم من قبل بعض أطراف البارتي، لرأب الصدع، بيد أني  وأحد أنجال الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي، ووالد الشهيد فرهاد، وآباء شهداء آخرين، لم نفلح في ذلك، آنئذ، بعد أن فوضنا هو والأستاذ نصرالدين إبراهيم ،عندما كان يرئس أحد أجنحة البارتي المناضل المرحوم نذيرمصطفى، ولكم كنت وأصدقاء آخرون، نتدخل، في قضايا تخصه وأسرته، في بعض الأحيان، لنجده بدوره إلى جانب أي مشروع نعلنه، حقوقياً كان، أم ثقافياً، وكان ذلك سيظهرأكثر، في رابطة الكتاب التي باتت تدخل عهد ترجمتها، فعلياً،وأبدى موقفه المبدئي و الجبارمنها، بيد أن يد المنون التي اختطفته، وضعت حداً لمشاركته، إيانا، في  إطلاق جريدة الرابطة، كعضواستشاري، في هيئتها، وهوما سنثبته، بكل تأكيد، تخليداً لذكراه العطرة.
 
غداً، صباحاً، ستستضيف الحسكة عن بكرة مناضليها، وشرفائها، ووطنييها، أبا شيار، لتحضنه أرض مقبرة، كم زارها وهو يشيع سواه، إلى مثاويهم الأخيرة، ليكون ضريحه، عنواناً، من العناوين الأكثربروزاً، لمناضل فذ، في هذا المكان الغالي، بذل كل ما بوسعه، من أجل قضيته، وإنسانه، وها هويوارى الثرى، في المكان عينه، المكان الذي أحب، دون أن يرفع يديه، ويستسلم، بالرغم من كل أنواع العداء الذي واجهه به، أعداء الشمس والحرية، وكان من بين ذلك، محاربته، في لقمة أولاده، بيد أنه كان مؤمناً بغد جميل، ينتظرأبناء شعبه الكردي في سوريا، كما هو ينتظرسورياه التي أحبها، ضمن معادلة المثقف، والمفكر، والشاعر الأصيل الذي لا يخطأ..!.  
الشارقة
24-5-2012