إبراهيم اليوسف : المقدِّمة الخاطئة

2012-05-24

ثمة إنجازات كبيرة، قدمتها الفلسفة، وسائرالعلوم الرياضية، للفكروالثقافة الإنسانيين، لتغدوبدهيات لابد منها، لكل من يلوذ بخصيصة الوعي لديه، يحاكم ما حوله، من خلالها، ليستغني عن تكرارالتجارب، في ما يخصُّ هذه الواقعة، أوتلك

في إطار تأكيد مثل هذه الأمورالمسلم بها،من باب الترف، أو الشك، إلا إذا كان ذلك لداع يخص الاختبارالمدرسي، كأن يشرح مربٍِ لتلامذته" المقدمتين الكبرى، والصغرى، والنتيجة، على ضوء أمثلة مشخَّصة، لتترسَّخ، في أذهانهم، وليس بدافع غوايات التكرار،غيرذي النفع، رأفة بالكنز العظيم الذي يمتلكه الإنسان، ألاوهووقته..!.

 
ولابدَّ من الاعتراف، أن المقياس الأرسطي،هنا، بحدَّيه، ونتيجته، قد بات إرثاً إنسانياً خالداً،بل جزءاً من منظومة الوعي والمعرفة، لدى كل إنسان، كي يوفرلنفسه المزيد من الجهد،واستهلاك الوقت، وعدم إضاعته، كما تمت الإشارة، قبل الآن، بيد أنه لايزال هناك، ومن مواقع من يقدمون أنفسهم على أنهم الأنتلجنسيا، من لما يزل يضع المقدمة الكبرى الخاطئة، ويحشربعد ذلك، سلسلة مقدمات صغرى، كي يستخلص نتائج، مبتغاة، من قبله، أومرسومة له، من قبل غيره، وليت الأمر، يبقى في حدود التلوث الذاتي، من جهة ممارسه، بل إنه ليسعى من أجل توسيع دائرةالتلوث،في كل الجهات،مادام أنه ليس قطب هذه الدائرة، وحدها، في لحظة تضخم للذات، بل إنه مركز العالم كله.
 
هذا العمى المعرفي، تستفحل خطورته، على نحو جدَّ كبير، إذا كان صاحبه، يقدِّم نفسه في جلباب المثقف،ذي الموقف، مماحوله، وهوما يقود إلى خلخلة المعايير، وأسس الاحتكام التي لابد منها،ما يشكل، إثرذلك، حاجزاً، في وجه الحقائق،  لينفِّر جمهرات المتلقين، أينما كانوا، من تلقي المادة المعرفية، لاسيما في ظل حالة "اختلاط السم بالدسم"، وقلب الأمور، رؤوساً على أعقاب، كأن يصبح الجاهل عالماً، ويظهر الحاقد آية للحبّ، والمجرم منقذاً، واللص أميناً، والمنافق مخلصاً، والجبان باسلاً،والقبيح جميلاً، والكذاب صادقاً، والمنبوذ،الكريه، طهرانياً. وكل هذه المتناقضات الصارخة، ليست إلا مؤشرات حالة وبائية، تدعو إلى أن يتنطع غيارى المعرفة، لوسم السم والبلسم، كل باسمه، والتركيز على حرمة وقداسة الحدود، لئلا تتداخل تزويراً، وهي من أهم المهمات المنوطة بالمثقف العضوي، المتفاعل، مع قضايا أمته، والإنسانية، لأن الأخطارالداهمة، في ميادين الثقافة، لها مفعولها، السيروري، لاسيما وأننا لما نزل، علاوة على هذه الأخطارالمحدقة، التي تستفيد من معطيات ثورة التكنولوجيا والاتصالات، آخذة مداها الأوسع، أمام مهمات إضافية،أخرى، تتعلق بسؤال كيفية التعامل مع ماتمّ  دسه، من سموم الكراهية، واللؤم، والحض على قتل الإنسان، معنوياً، أومجازياً، أوحقيقياً، ولن نزيد-هنا-في رصف التوصيفات، مادام مثل هذا القتل، أبا كل جريمة معرفية.
 
إزاء مثل هذا الواقع الأليم، الذي بتنا في مواجهته، ولا مناص منه، لأن يد التلويث، بكل مستوياته، ستظل مواصلة مهمتهاالمدنسة، وإن قدمت نفسها، خلاف ذلك، في إطارالمقدس، فإنه لابد من أن يتم وضع النقاط على الحروف، والإشارة بالبنان، والحبر، إلى صنيع هؤلاء البهلوانات، والمهرجين الرخيصين، أينما كانوا،وهي عموماً، مهمة غيرسهلة البتة، إلا أن تضافرجهود جميع الشرفاء في حقول المعرفة، والفكر، والثقافة، والأدب، والفن- وإن كنا هنا إزاءدمج التفاصيل بالأرومة- لكفيل أن يضع حداً، لأعظم انتهاك، نشهده، في ظل الفلتان المعياري، وما يتركه الكلام المنمَّق، المخادع، من أثربليغ وفتَّاك..!. 
إبراهيم اليوسف
 
elyousef@gmail.com