إبراهيم اليوسف : حوارية الكتابة والصورة

2012-05-14

تعدُّ الكتابة، منذ أولى انطلاقتها، لدى الإنسان القديم سجلاً للكائن البشري، ومرجعاً لأثره على وجه البسيطة، يضم  كنوزالنصوص التي تركها، ولايزال، على امتداد الخطّ البياني للزمن، وهي أصداء جملة علاقاته، مع الطبيعة، وأبناء جنسه

لتكون بين قوسين يدخل في فضائهما،حزنه، وفرحه، وحلمه، ومجمل تفاصيل يومياته، وتغدو هذه الكتابة صدى صادقاً، لكل ذلك، بعيداً عن أي تحويرأو تزوير.

 
وقد اكتسبت الكتابات الأولى، احترام قارئها، وأصبحت جزءاً من ذاكرة التاريخ، نتيجة تعبيرها عن واقعها، وليصبح التدوين رمزاً للحقيقة، يحتكم إليه الباحث، أنى التبست ترجمة أي حدث عليه. وقد ظلت الكتابة محافظة على صورتها-وهي الصورة أصلاً-عند متلقيها، لاسيما أن صيرورة دورة الوقت، تدأب على محوالحدث، إثرسواه، ليظل الراهن المتحوِّل ماثلاً في لحظة الرؤية، وهويلغي ذاته، لئلا يبقي منه إلا ماهوموثق في قرطاس، بوساطة حبر، ومدون أمين.
 
   وظلت الكتابة الحكم الأصدق، أنى اصطدمت ذاكرة واهية بسواها، أو تهاوت في درك النسيان، كي تنهض ذاكرة الكتابة، رافعة راية حجتها التي لاتدحض، في رداء اليقين الذي لايساوره الشك، من أية جهة، وهوما يجعل الكتابة نفسها حامل النص المقدس، كي يزيد من طهرانيته، ناهيك عن أنها البوابة إلى حديقة الأثرالتي دونهاالأقدمون،آباءاً، وجدوداً، وهم يستخلصون تجاربهم، وحكمهم، ومأثوراتهم، وفنونهم، وآدابهم، وحضاراتهم، لتصير ضالة المرء،المتبوعةأبداً ، كلما اشتعلت روحه بغواية اقتفاء أثر المعرفة، للإحاطة بها، وهي الأكثرسعة من حدود ظفره المنظور.
 
-هكذا هي الكتابة..!
هكذا ألقها، وجمالها..!
هكذاشأن مضامينها الهائلة..!
هكذا دلالاتها، وأفقها، وعوالمه..!
هكذا فيصل تفاصيلها المفردة على طاولة اللحظة..!
 
يقول ذلك كله، وسواه، المدون، وهو يقود جيش ذرائعه، ليدكّ معاقل الشك، يواجهه باليقين المرام، إلى أن يجد شريك مدونته الإلكتروني، وهويشيرإلى الصورة، في تفاصيلها الأكثردقة، ونبضها المتماهي بالحياة، وسطوتها الأكثرانتشاراً،رامحاً في اللحظة المعيشة، قائلاً:هي ذي براهيني الأكيدة، لاتساورحبرها الإلكتروني شائبة،أو شائنة، مادامت العدسة تقرأ ما هوممتدأمامها، تنقله،طافحاً برائحة الأصل المستنسخ، كي يكون الحدث ذاته، والواقع ذاته، دون أي شطط، أوبلاغة تحطّ من قيمة الدليل المقدم، في أشكاله، المتواردة.
 
-أنا الأكثرصدقاً..!
 
تقولها الكتابة، وهي تشيرإلى خطواتها الجديدة، في فضاء روزنامة المرحلة، ثم تستشهد بإرثها الهائل، منذ أولى ولادة لحروفها الأولى، وحتى أواخرمعطياتهااليومية، مادامت تعدم المسافة بين عالمين، هما الواقع وصورته المكتوبة، وهوتاريخ شاسع، كافي الشفاعة..!
 
-أنا الأكثرصدقاً...!
تقولها الصورة، وهي تسرد وقائعها الجديدة، منذ أولى صورة، هزمت فلول المفردات، مادامت آلة التصويرمجردة الأهواء، ولم تتعلم لغة الزيف، في مدرسة، ولم تتلوث مساحاتها بالمنفعة العمياء، هذه المنفعة التي هي أم كل أكذوبة، صنعت كل هذا البون الشاسع بين الفعل والقول، وبين الدال والمدلول، في سياق البلاغة المترفة.
 
تستجمع الكتابة كل حبرها، وإرثها النصي،  مدلية ببرهانها الأعظم، في وثبة الحسم المطلق لتؤكد  أن الصورة كانت بذرة الكتابة الأولى، وأداتها العاجزة الأولى،  قبل أن يقلع عنها الإنسان، صانعاً إبداعه، ومجده ، أن من يزورالكلمة، لقادرأن يزورالصورة، كما أن الصورة، منذ أول باب كهف، عرفها، وحتى آخرلقطة توثق، الآن،لايمكن لها أن تفسردون الكتابة، التي هي خزان الحضارة، وصانعتها العظمى..!
 
elyousef@gmail.com