ابراهيم اليوسف : أدباؤنا الراحلون كيف نخلد ذكراهم؟

2012-05-12

لا ماء يبلل روحي
بعد هذه الغيابة 
مادمت قد عشت ظامئاً بينكم
إلى الحب والرغيف والهواء

 
" كتابة على شاهدة قبرافتراضي لشاعر"
 
 
بعد رحيل أي مبدع، سواء أكان شاعراً، أو روائياً، أوقاصاً، أو حتى ناقداً، سرعان ما ينتبه إليه من حوله، مؤسسات ثقافية رسمية، أوأفراداً معنيين بتراثه الإبداعي، كي يحسوا بتأنيب الضمير،و"عقدة الذنب" تجاهه، في ما لوكانوا مقصرين بحقه، طالما كان حياً يواصل عطاءه بينهم، محاولين الاستعاضة عن ذلك، من خلال جملة إجراءات، منها ما هو موقوت، انفعالي، ومنها ما يكتسب صفة الديمومة، وهوما يأتي-عادة- في سياق الاعتراف بأهمية هؤلاء، والعرفان بالدورالإبداعي الذي لعبوه في حيوات شعوبهم، سواء أكان من خلال إرثهم الإبداعي، وحده، أو من خلال المواقف الحياتية التي قاموا بها، في سبيل خدمة أهلهم، ومجتمعاتهم، أو الإنسانية.
 
إن درجة الإحساس بالتقصير تجاه المبدعين الراحلين،تصل ذروتها، لدى من حولهم، في الحالات الطبيعية، العادية، في ما إذا كانوا منصفين لأبسط  حقوق سواهم، أسوياء، في معادلة ارتباطهم الاجتماعية، والثقافية، والإبداعية، مع مجرد الإعلان عن موت أحد هؤلاء، وهويدفع بعضهم للتكفيرعن تقصيره تجاه الراحل، بالكتابة الفورية عنه، بيد أن مثل هذه الكتابة المتأخرة، في غير وقتها، لاتبرىء ذمة هذا الكاتب، في ما لو كان داخلاً ضمن دائرة الذين تقصدوا إهماله، أو الإساءة إليه، لدواع تتعلق بنسبة الغيرة الإبداعية التي تؤدي إلى العمى، والتهور، تجاه الناجحين، والمتفوقين، من قبل هذا الصنف، وهو سلوك موجود، للأسف، على نطاق واسع في مجتمعاتنا، حتى الآن....!.
 
وبعيداً، عن سلوك ردود الفعل، من قبل بعض المبدعين بحق غيرهم، وهو غيرلائق، أنى وجد، فإن هناك مواقف سلبية، تبدوتجاه بعض المبدعين، نتيجة آرائهم، إذ يتم تقويم شخوصهم، في مجتمعاتهم، من خلال تلك الآراء، بل تصل ردة الفعل، إلى مقام العدوانية،عندما تمس" لقمة رغيف"أطفال المبدع، كما في بعض البلدان المعروفة، بعدائها لحرية التعبيروالرأي. 
 
باستعراض آراء، أعداد كبيرة، من المبدعين، في مناطق شتى من العالم، فإننا نجد، أن أكثرهؤلاء المبدعين، يركِّزعلى مسألة ضرورة تكريم المبدع في حياته، وليس بعد رحيله، وراح بعض هؤلاء يقول: أية فائدة سأكتسبها من تكريمي، بعد رحيلي عن هذا العالم، في ما إذا كنت أعيش في مجتمعي، مهمشاً، محاصراًبإساءات الآخرين، مجوعاً، يمارس التعتيم الإعلامي على ما أكتب، بينما يتم التركيز الإعلامي على كتابات من هم أقل موهبة إبداعية، أو ممن هم خاملو الإبداع. وحقيقة، فإن مثل هذا الرأي من قبل أي مبدع أصيل، مسكون بحب أهله، ووطنه، هومصيب، بل إنه يطرح الأسئلة الكثيرة التي تطرح نفسها، عادة، أثناء الفجيعة بأية قامة إبداعية، يعد عطاؤها الإبداعي كنزاً وطنياً، وإنسانياً، بل إن اسم هذا المبدع سيظل مدعاة افتخارشعبه به، وإن من كان  يغلق في وجهه الأبواب، ويقصيه، بل ويمارس عليه كل أنواع الضغوطات، سيذهب في مهب النسيان، وفق سنة الحياة والتاريخ، وتجارب حيوات الشعوب.
وإذا كان من المسلم به، أن يتم تكريم المبدع في حياته، فإن في ذلك ما يخدم الإبداع نفسه، لأن من يتم تكريمه وهوحي، سيجد في نفسه كل محفزات الإبداع الأكبر، ناهيك عن أن تكريمه سيلاقي صدى طيباً لدى أقرانه من المبدعين الذين سيحثون الخطا، ماداموا يجدون أن جهود المبدعين الحقيقيين، لن تذهب سدى، وهوما سينعكس-في التالي-على الحالة الإبداعية، كما أنه-في المقابل-سيتأثرالمشهد الإبداعي، على نحو سلبي، في ظل ممارسات الجحود الفردية، أو المنظمة بحق المبدعين، في أي فضاء جغرافي، في العالم.
وإذا كنا، نشدد-هنا-على ضرورة تكريم المبدع في حياته، نظراً لمجمل الأسباب والدواعي المشارإليها، اعلاه، فإن تكريمه بعد رحيله، يبقى حقاً أعظم له، بذمة أهله، وإنه لمن أولويات هذا التكريم، إحياء ذكراه، وإعادة طباعة إبداعه، وحمايته، ووضعه بين أيدي الأجيال، في الكتب المدرسية، وإصدارجائزة باسمه، وقبل كل ذلك دراسة إبداعه، ناهيك عن الاهتمام بأسرته، لاسيما عندما يكون هناك قاصرون ميتمون، تركهم "لا ماء ولا شجر" وهم بحاجة إلى الرعاية، وألا يكون هذا التكريم مجرد"طفرة" انفعالية،تظهروتختفي، مع هول وشدة وقع صدمة غياب هذا المبدع....أو ذاك..!؟.