عبدالرزاق عيد……..الأخوة الأكراد وسهولة تفريطهم بأصدقائهم!

2012-05-08

قررت اليوم السبت 06/05 /2012 بعد عودتي من جنيف أن أختم الحوار بيني وبين اخواني وأصدقائي الأكراد ،وأن أرجئ الحديث عن لقاءاتنا البارحة في جنيف في اطار اللجنة التحضيرية لإعادة هيكلة المجلس الوطني السوري،حتى يوم غد.

كنت أعتبر نفسي صديقا للشعب الكردي وبحصانات تسمح لي أن أنتقدهم حتى ولو بالدعابة التي 

تريد أن ترسل رسالة ،فحواها ببساطة كما استنتج الأخ الشاب الدكتور(هوزان بهلوي) في تعليقاته على الحوار المطول الأخير الذي كان لا بد له من تعليقي هذا

،وهي لفتي لانتباه الشباب الكردي المتحمس من خلال بعض الكتابات الكردية ،أي من خلال النخب الكردية ،وليس الشعب الكردي الذي ليس بحاجة لنصيحتي لأنه تمثلها وعاشها بصميمية وطنية عبر تاريخ سوريا الطويل الذي لم تشهد تنازعات وصراعات تناحرية شعبية بين (الأكراد والعرب) ،أي أن المواجهة كانت دائما للأكراد والعرب محكومة بقانون التناقض بين (السلطة ضد الشعب).

كنت دائما أنبه الأصدقاء الأكراد أنهم عليهم أن ينتبهوا من الخلط بين الخلاف والصراع مع النظام البعثي الشوفيني الفاشي، ومن ثم الطائفي الأسدي، وبين أشقائهم ومواطنيهم السوريين العرب، فنحن كشعوب لسنا مسؤولين عن الجغرافيا وعن تاريخ التمازج التاريخي والثقافي والديني بين شعوب المنطقة ومن ثم الصراع الدولي على التقاسم الوظيفي الإقليمي كـ (سايكس بيكو أو غيرها).. ولهذا أردت أن أنبه إلى أن أطروحات مثل (تقرير المصير) وغيرها مما على شاكلتها في هذا الظرف الدموي مضر ومسيء، وذلك بغض النظر عن رأيي بها وبمشروعيتها، فلا بد من أن تكون مقبولة من كل الشعوب التي تتعايش في ظل أي كونفدرالية، وهذا أمر لا تستطيع أن تفرضه لا سلطة ولا معارضة. فالسويسريون أو البلجيك، لا يتعايشون اليوم بفرمانات السلطة الرسمية أو قرارات الأمم المتحدة بل بإرادتهم الحرة من خلال مبدأ التوافق على العيش المشترك وفق شكل هذا النظام أو ذاك. وحيث كل الدعم الدولي لإسرائيل واعتمادها على شق الصف الفلسطيني، لم تستطع فرض إرادتها على الشعب الفلسطيني، لأنها راهنت على اقناع نخبه السياسية لكنها فشلت في إقناع الشعب نفسه.. ولهذا فالمراهنة إذن على مبدأ خيارات شعوب الشرق الأوسط: الأكراد والعرب والأتراك والفرس هو الرهان الديموقراطي السلمي العقلاني الوحيد.. وليس المراهنة على خيار كسب هذه السلطة أو تلك، هذه المعارضة أو تلك، ومن ثم اللعب على التناقضات من خلال إظهار حيادية مقيتة ومضرة ومسيئة (للكردي والعربي) تجاه السلطة وشعبهم السوري.

وكم كانت كثيرة هذه العبارات من مثل (نقف مع قضاياكم.. تقفون مع قضايانا) وكأننا لسنا شعب يعيش على الأرض التاريخية التي توافقنا على أنه سوريا كوطن نهائي للجميع.. وهذا ما يفترض أنها تجمع عليه كل الأحزاب الكردية.. ولذا أردت تنبيه بعض النخب (الكردية المتشنجة) أن لا تقوم بردود فعل متشنجة على بعض بقايا العرب (القومجيين) الذين هم في طور الانقراض نعم في طور الانقراض وإلا (ماذا بقي من القومية الناصرية أو البعثية) في سوريا أو العراق؟ كما وأردت أن أنبههم إلى أن حديث “نحن وأنتم”، واعتبار أن أحداث 2004 هي مأساة الأكراد، وليست مأساة وطنية سورية، ومن ثم القول “لا نقف معكم عندما لا تقفون معنا” واعتبار أن الثورة السورية هي ثورة العرب، فهذا تفريط بدماء مشعل التمو وكل الشهداء الشباب الأكراد الرائعين الذي وحدوا بدمائهم الطاهرة إرادة الشعب السوري بكل قومياته ومذاهبه أنه ضد النظام المافيوي (الفاشي العائلي الأسدي).

إنها الفرصة التاريخية التي تنخرط الكتلة السكانية الأكبر في معركة الحرية التي هي حاجة مزدوجة للأخوة الأكراد كما يتحدثون -دائما- محقين عن اضطهادهم المزدوج المركب من قبل السلطة الفاشية المافيوية، فكيف للأكراد الذين قدموا كل هذه التضحيات في سبيل حريتهم أن يضيعوا هذه الفرصة الذهبية التاريخية وهي انخراط الأكثرية ليس العربية فحسب، بل ومعظم شرائح الشعب السوري مع ثورة الحرية والكرامة التي كان الأكراد أول وقودها.. إن تجاهل واقع أن هذه الثورة هي ثورة كل السوريين لن يستفيد منها إلا النظام الدموي الذي يكتفي اليوم باعتقال الأكراد وقتلهم مرجئا يوم الذبح ( القومي الأكبر) إلى اليوم الذي يتمكن من استفراد شرائح الشعب السوري: مدينة فمدينة، شعبا فشعبا، دينا فدينا، مذهبا فمذهبا…

وعلى هذا أردنا أن نداعب بعض المتشنجين الصادقين بتشنجهم العاطفي القومي، وكشف البعض الآخر من شبيحة المخابرات الذين يلبسون لبوس (التشنج القومجي الكردي)، أردنا أن نداعبهم بمثال (قبقاب) زوجة سقراط.. بأن الحديث المتطرف والحالم عن المطالب في الفيدرالية وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.. سيبدو في عين الشعب السوري كمن يستهين بدمائه ودماء أطفاله وشرف أعراض نسائه ويطالبهم أن تكون تضحياتهم هذه في سبيل مطالب بعض المتشنجين الأكراد، قلنا أن ذلك سيبدو، حماقة وطيشا يشبه حماقة وطيش زوجة سقراط .. وهذا فلكل المتصيدين من المتشنجين صدقا عاطفيا ساذجا أو دورا تشبيحيا مكلفا به، نؤكد على أننا لسنا بحاجة لمن يذكرنا بالحقوق القومية المشروعة لأخوتنا الأكراد في حقوقهم الثقافية واللغوية وتقاليدهم وأعرافهم الشعبية والفولكلورية بوصفهم شعبا يعيش على أرضه التاريخية، وهذا ليس منة أو هبة من أحد، بل نعتبر ذلك أثراء للهوية الوطنية السورية، ومن ثم النص دستوريا على هذه الحقوق. فهذا من حقوق الأكراد ومن حقنا وواجبنا جميعا أن نبدي رأينا بالمشروع السياسي المستقبلي لسوريا، أما ليس من حقنا جميعا أن نفتي بمستقبل الكيان الجغرافي والعضوي لسوريا، فهذا من حق الشعب السوري أن يتوافق عليه دستوريا تحت قبة البرلمان، وليس لهذا الفصيل أو ذاك من الأحزاب والقوى السياسية، عربية كانت أو كردية أن تقرر تغيير كيان سوريا السيادي. ولهذا قلنا للحالمين قوميا كرديا كأحلامنا نحن العرب بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وتهوسنا لذلك في الخمسينات والستينات.. نقول لهم إذا مازلتم تعيشون هذه الطوبى، فما عليكم سوى تقديم مشروع مدني ديموقراطي قادر على اقناع كل الفئات والشرائح والاثنيات القومية بمشروعكم. فهذا لا يتم فرضا أو بالابتزاز ولعبة الحيادية بين الثورة والنظام.. مستقبلكم بين أيدكم، وهو المستقبل الذي يصنعه الشباب العربي والكردي الذي لا يصيخ السمع لحكمة الأجداد من الأحزاب التقليدية (العربية والكردية ) التي لو تم انتظارها فلن تصنع ثورتكم ولو بعد آلاف السنين، إذا لم نقل أنها تصنع الثورة المضادة اليوم التي لا تختلف بنيويا عن مشروع السلطة بوصف هذه التكوينات جميعا، هي تكوينات “شمولية”، ترعبها كلمة (الحرية–الديموقراطية– واسم الشباب المثقف ثقافة مغايرة ومختلفة).

إخوتنا الأكراد الأعزاءلا تطالبوا بحقوقكم وكأنكم غرباء عن وطنكم سوريا، بل تقدموا كما يفعل الشباب (العربي والكردي اليوم) بأنكم أنتم جميعا تنتمون إلى صدر أمومة سوريا، أنكم أنتم شباب الحرية (أم الصبي)، أي تصرفوا وكأنكم في أبيكم (الوطن السوري للجميع)، والأمر هو كذلك حقا. حيث وفق حضوركم ومشاركتكم في الثورة تنتزعون حقوقكم المشروعة بدون منة من أحد أو تعاطف وتضامن من أحد.. فأنتم أعزائي الشباب الأكراد الذين أحببتكم وبادلتموني حبا فائضا بحب أكبر وأشد، أشعر أنه دين في عنقي نحوكم أيها الشباب العظيم، لقد كان حبكم وتضامنكم معي ما كان كافيا لينسيني كل ما حدث معي في مطار كردستان، الذي يحاول بعض الشبيحة أن يصطادوا بالماء العكر للإيقاع بيني وبين الشعب الذي أحب وأومن شديد الإيمان بأنه جدير بالحرية.

لكني مع ذلك سأختم حديثي القلبي هذا مع أخوتي وأبنائي الأكراد، وأرجو أن يتفهموا أني أستخدم حقي القديم عندهم، وهي وسام (صديق الشعب الكردي) بعد موقفي مع الراحل الكبير هادي العلوي المندد بالجريمة ضد الإنسانية في حلبجة، وذلك في مؤتمر للأحزاب الشيوعية العالمية التي أحيت آخر عيد عالمي لثورة أوكتوبر.

سأختم حديثي القلبي هذا بحكاية معاصرة وموثقة وليس بحكايات وأساطير الأولين كحكاية سقراط. فقد كنت في زيارة للكويت بدعوة من اتحاد الكتاب الكويتي، بعد تحرير الكويت، وكان من الطبيعي أن التقي بالجالية السورية وأصدقائي السوريين.. قال لي أحد أبرز أساتذة الجامعة السوريين يومها، ولن أذكر اسمه الآن لأني لا أعرف موقفه اليوم من الثورة السورية رغم أنه كان حينها من المثقفين النقديين للنظام الأسدي، لكن دون أن يكون محسوبا على المعارضة، رغم أن هؤلاء المثقفين النقديين ظهروا أيام الثورة اليوم أنهم أكثر أصالة وجذرية في رفض النظام من المسماة المعارضة الرسمية اليوم.

قال لي الصديق بعد أن سألته عن الأحوال في الكويت: يا عزيزي لو أننا مدحنا البعث وحافظ الأسد في سوريا بقدر ما مدحنا آل الصباح وديموقراطيتهم التي اجتاحها صدام حسين، لكنا في مواقع ومناصب في سوريا ما أجبرتنا للغربة والبعد عن أوطاننا في الكويت.. تذكرت قول هذا الصديق الجميل وأنا أقرأ بعض الشتائم المتشنجة ضدي –وأنا أقصد الشتائم الصادقة وليس شتائم الشبيحة التي كثيرا ما تتداخل مع شتائم المتشنجين حتى تضيع الحدود بينهما- لأن البنية العقلية واحدة (بين البنية القومجية العربية أو الكردية، بل وكل الإيديولوجيات القومية).. لأخلص إلى ما يشبه ما خلص له صديقنا في الجامعة الكويتية لأقول: لو أننا أشدنا بجماعة العصبية (القومية العروبية) ومدحنا البعث والأسدية، كما مدحنا (القومية الكردية )، بل وحتى مدحنا وأشدنا بالبرزانية ودورها في اليقظة القومية الكردية.. ووقفنا بإعجاب وتنويه بالدور الكبير لأوجلان.. وذلك في مقالات وأبحاث مكتوبة وليس أحاديث شفوية، نقول لو أشدنا بالأسدية كما أشدنا بالبرزانية والأوجلانية، لكانت العصابات الأسدية كافأتنا ووضعتنا في (سؤدد عليين) بغض النظر عن نوع هذا “العليين” الذي لن يكون إلا أسفل سافلين قيما وأخلاقا ومعنى من منظورنا.. ونحن لسنا آسفين على ذلك.. بل أسفنا يتوجه نحو الأصدقاء الأكراد الذين تجاوزنا ايديولوجيتنا القومية العربية قناعة معرفية تامة.. لكنا –مع ذلك- تفهمنا الخطاب الإيديولوجي القومي من منطلق سياسي يستوعب ضغط اللحظة التاريخية.. ولهذا نقول: مهما حاول المتشنجون الأكراد الصادقون في تشنجهم العصبوي، أوشبيحة النظام الفاشسي العائلي المافيوي الأسدي الذين يستخدمون بعض الأكراد والأطراف الكردية، أن يوقعوا بيني وبين أصدقائي الأكراد، فإنهم لن يحصدوا سوى الشوك لأن علاقتي بقضية الشعب الكردي هي علاقة مبدأية معرفية وسياسية، وهي أن الأكراد مهما دفعتهم ظروف التطرف القومي للأنظمة المعادية المحيطة بهم (عربية كانت أم فارسية أم تركية)، فإن خيارهم سيكون خيارا ديموقراطيا مدنيا لهم وللشرق الأوسط.. بل وإني أراهن دائما أن يكونوا طليعته وبوابته.