بورتريت: محضُ صباحٍ آخر

 إيهٍ أيتها المدينة البعيدةَ النائية.. القريبةَ الدانية 

آتيكِ يُقِلّني الشارعُ المتشبّثُ برصيفِ الميناء
تُظلّلني السماءُ الملبّدةُ بغيوم ٍ تتباينُ ألوانُها بين أبيضٍ وداكن
الريحُ عاتيةٌ 
والميناءُ تجثو على صدره السفنُ والمراكبُ المتوقفة باصطفاف
 
صامتةٌ كعصافيرَ على الأسلاكِ تجاهدُ العاصفة
..تلمّ أجنحتَها إلى جنوبها بحثاً عن دفء
سرتُ إليكِ بمحاذاةِ الساحلِ على الرصيف
أتلقّى هبوبَ الريح بصدرٍ مشرعٍ كمن يستقبلُ حبيبتَه العائدة
 
مرّت فوقي على مرمى أملٍ من قلبٍ نورسةٌ بيضاءُ ناصعة 
 
كانت تحلّق صوبَ البحر 
 
..تعترضها الريح ولا تدعَها تمرّ
 
كانت أمامي غير بعيدٍ ساكنة كأنها وإيايَ في لحظةِ زمنٍ متوقف
 
الريحُ تسوقُ الأمواجَ لتضربها برصيف الميناء
 
رذاذ ُ ارتطامها يرتفعُ عالياً ويرشّ أرضَ الرصيف
 
يرشّني، وأنا أمرّ مولّياً وجهي صوبَ البحرِ والمراكبِ والموج
 
عبقٌ من ريحٍ ورذاذِ موج
 
..ربما كنتِ ساعتها نائمة 
 
ربما كنتِ تلوذين بأحلام مساءٍ يتوسّلُ الصمت 
 
أحلامٌ يطاردها عناءُ نهاراتكِ ذوات المطارق
  
المسرعاتُ الصاخبات
 
 أيامُـكِ ولياليكِ قطارٌ شاردٌ لا يتريّث آونةً من زمن كسكون تلك النورسة 
 
لأتبيّنَ من خلال نوافذه حلميَ الأثير
 
ذلك الذي رسمَـتْ ملامحَهُ لحظةٌ خاطفةٌ من جنون
 
الذي وشوشَتْ بهِ عرّافةٌ تتقنُ حكاياتِ العذاب
 
  ذلك السادرُ في غيابهِ
 
...ذلك المستحيلُ الإياب