مهام جديدة أمام الثورة السورية

2012-04-30

تبعا لمعالم ومعطيات خصوصية الثورة السورية في اطار العام المشترك مع ثورات الربيع العربي والحقائق المستجدة التي أفرزتها بعد أكثر من ثلاثة عشر شهرا لقاء ثمن باهظ من دماء الآلاف من الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمخطوفين والمشردين

 

ومن ملامحها البارزة المدعاة للتأمل والبحث والتي تختلف مع حصيلة نتائج تجارب تونس (بهروب الرئيس زين العابدين بن علي منذ بداية الأحداث وتخليه عن السلطة من دون مواجهات) ومصر (باستقالة الرئيس حسني مبارك وتسليم السلطة لآخرين في منتصف الأحداث) وحتى اليمن (حيث رضخ الرئيس علي عبد الله صالح في نهاية الأمر لمطلب التنحي عن السلطة) اصرار الرئيس الوريث بشار الأسد على البقاء في أعلى سلم عرشه الذي بدأت أعمدته تتهاوى والاستمرار في الامساك بكامل مقومات سلطته الأحادية الآيلة للسقوط مهما طالت ساعة الصفر

 
 
حتى لو كان ذلك على حساب الدم السوري المراق كل يوم وأحيانا كل ساعة أو على أنقاض المدن والبلدات والأحياء والضواحي والمنازل التي تحولت الى هياكل أشباح متحديا بذلك ارادة الشعب السوري أولا ورافضا على الصعيد العملي وليس النظري عبر التصريحات والبيانات الفاقدة لأية مصداقية منذ اختباره في التعامل مع المبادرة العربية وقصة المراقبين كل المقترحات والمشاريع المستندة الى الحلول الوسط المطروحة من المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة بمافيها خطة المبعوث الدولي – العربي السيد – كوفي عنان - مما يضع الثورة وجها لوجه أمام مهام كبرىوشاقة  وضرورة حسم التباينات في المواقف على عدة جبهات لاعادة التوازن من جديد الى عملية الصراع وتحقيق قفزة ثوريةاستثنائية مدروسة ضمن الثورة في الدائرة الوطنية الأولى والأساس وتجسيد وترسيخ نتائجها في الدوائر الأخرى : 
 أولا – الدائرة الوطنية كقاعدة ومنطلق : ومجالها المحدد حركة المعارضة السياسية التقليدية – (الهيئة – المجلسان – المنبر الديموقراطي ..) جاءت وقامت بعد الثورة بأشهر وجل عناصرها ومكوناتها من القوى والتيارات والمجاميع التقليدية التي لم تنجح في تحقيق أي تقدم طوال عقود ولم تخرج من أحشائها بل كرد فعل عليها (استعادة الدور المفقود واعادة الصدقية الزائلة  من الفشل تلو الفشل) بمحاولة عرقلتها ومزاحمتها اما بتسمية تنسيقيات موازية أو استغلال ظروف الثوار المعيشية واحتياجاتهم المختلفة أو محاولة السيطرة عليها تسلقا واجهاضها من الداخل بحرفها عن الأهداف الأساسية في الاسقاط والتغيير واعادة البناء   والضغط باتجاه التوافق مع الارادات العربية والاقليمية والدولية أي ارضاخها لمصالح خارجية بدلا من تجيير الخارج لصالح الثورة وأهدافها أو الالتفاف على الجيش الحر بمحاولات شقه وتأليبه على البعض الآخر ومحاولة اختراقه حزبيا وآيديولوجيا وخاصة من جانب جماعات الاسلام السياسي وبخصوص مسالة تفكيك سلطة الدولة الأمنية المستبدة وهي العنوان الرئيسي في عملية الشد والجذب بين أطراف المعارضة وما يحاوله البعض في الالتفاف حولها والتغاضي عن حقيقة الفرق بين دولة قوية ونظام قوي فالنظام المستبد يقوى على حساب ضعف الدولة بمفهومها الديموقراطي الراسخة دستوريا وقانونيا والمتوجة شعبيا وسلطة الاستبداد الحاكمة في دمشق تجسيد لتلك المعادلة المختلة  .
 ثانيا – دائرة المحيط العربي والاقليمي بتغيير القاعدة التي تسير عليها الجامعة العربية المستندة الى خيار أولوية سيادة النظام من دون سيادة الشعب الثائر والمساواة بين الضحية والجلاد كما تظهر أداءات الجامعة في مبادرتها وتحركاتها اسوة بالمؤسسات الأخرى مثل (منظمة التعاون الاسلامي والتعاون الخليجي...) فهي ليست من حيث الجوهر مع ثورات التغيير الديموقراطي وملتزمة بالأوضاع القائمة من سيادة نظم ودساتير وحكومات وماتمارسه غالبية وسائل الاعلام – الخليجية – ومن بينها قنال " العربية " و صحيفة " الشرق الأوسط " خير مثال وذلك عندما تبرز بالصوت والصورة والمادة الكتابية سوريين من صلب النظام المستبد أو موالين لفكرة الحفاظ على مؤسسات السلطة القمعية مع – رتوشات – صغيرة لاتتعدى تغييرا حكوميا أو اصلاحات سطحية لاتتعدى القشور .
ثالثا – دائرة العالم من حلف الناتو وأوروبا وروسيا والصين وهيئة الأمم هي أيضا لاتختلف عن دائرة المحيط العربي – الاقليمي من حيث التقييم النهائي وهي تواكب ثورات الربيع العربي بمفاهيمها الخاصة في ضوء مصالحها قد تلتقي - كما هو الحال مع المحيط العربي – الاقليمي – في بعض الجوانب مع الأهداف العامة للحراك الشعبي وليس مع كل أهدافه القريبة والبعيدة  وخطة عنان صورة معبرة عن فهم الدوائر الثلاث الأخيرة للقضية السورية الذي يختلف أساسا ومن حيث الجوهر عن مايريده السورييون لبلدهم وما يرمون اليه لتفكيك سلطة الاستبداد بنى ومؤسسات ورموزا وقاعدة اجتماعية وما يطمحون اليه لبناء دولتهم الديموقراطية التعددية الجديدة القادمة وفي نهاية الأمر فان سبل حل الأزمة ونتائج تطبيقه ومدى تجاوبه مع أهداف الشعب والثورة أوفشلها متوقفان على العامل الداخلي أولا وأخيرا وخاصة مدى قدرة الثورة على حسم قضايا الخلاف في الدائرة الوطنية برفع الغطاء الشرعي عن من منحوا الثقة في الخارج خصوصا وبشكل أخص القيمون المتننفذون في – المجلس الوطني السوري – الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الثورة وبينهم من مازالوا يدعون تمثيل بعض تنسيقيات الثورة وهم في واد والحراك الشعبي الوطني في واد آخر والتناقض يتفاقم حول جملة من القضايا الاستراتيجية (الحماية الدولية والتدخل الخارجي والمقاومة ودور الجيش الحر والموقف من دولة الاستبداد في مسألتي الاسقاط والتغيير والاسلام السياسي والقضية الكردية وقضايا الأديان والمذاهب وتعريف سوريا المجتمع والتاريخ ...) ولنا في تجربة بعض التنسيقيات الكردية مثالا يمكن الاحتذاء به عندما أزيح عدد من ممثليها في الخارج بقرارات داخلية بعد أن فشل في تجسيد الأهداف والسلوك المطلوبين ,  ومن المهام الأساسية المطروحة بالحاح ولايقبل التأجيل ضرورة خوض عملية اعادة تشكل نواة حركة معارضة سياسية جديدة مؤتلفة ومؤطرة بصيغ وبرامج جبهوية – تحالفية واسعة بجمع ممثلي وشرائح معظم الطبقات والقوى والفئات والمكونات التي لها مصلحة في التغيير وهي الغالبية الساحقة من الشعب السوري من رحم الثورة كحل للأزمة وبديل لمعارضات الخارج تمثلها وتعبر عنها وتكملها وتوفر لها شروط الديمومة بتلبية كل احتياجاتها المتنوعة والمتبدلة باستمرار وتعكس ارادتها وتلتزم باستراتيجيتها وتدير عملية الصراع السياسي باتقان آخذة بعين الاعتبار امكانية أن تطول الأزمة السورية لعوامل داخلية وخارجية باتت معلومة وهناك الآن على الساحة الداخلية أكثر من مشروع بهذا الخصوص قيد الدراسة والنقاش في أوساط الثوارمن بينها مثلا فكرة انتخاب لجان على أساس المحافظات ومقترح انتخاب برلمان وطني ثوري ومقترحات أخرى مازالت قيد الدراسة وبذلك وحده يمكن تجديد البرامج وتطوير العمل الثوري وتوفير عوامل الصمود وتحقيق أسباب الانتصار على نظام الاستبداد مهما طال الزمن .