أنا كرديٌّ جَسُور....إلى دنيز لازكين

رد واحد [اخر رد]
User offline. Last seen 9 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 23/08/2006

لم اكن اعرفه لانني من طلاب جامعة حلب وهو من طلاب جامعة دمشق ولكن الذي اعرفه انه رحل وهو لازال في الربيع اثر حادث اليم , وكما تقول كوليت خوري " ما اقتل الصقيع في الربيع " .......رايت هذه القصيدة بالصدفة وهي مهداة الى روحه بقلم جولان حاجي...................

جولان حاجي

"أنا كرديٌّ جَسُور"، كان يقول عندما صدمتهُ الشاحنة في الثانية ليلاً.

إلى دنيز لازكين

لم أرَ وجهَهُ البهيَّ، مطلعَ تشرين الثاني الماضي،

شمسُ الخريفِ تنزّه شُقْرةَ نمورِها في شعره

على كتفيهِ قميصٌ بلونِ ندبةٍ قديمة

وبين أسنانهِ لبُّ خَسَّةٍ أصفر وغضّ.

لا أجرؤُ الآن أن أتنفَّس. لاأجرؤُ أن أتحرَّك.

وساوسي مبثوثةٌ كالجواسيس.

في هذا السكونِ الذي لطالما ارتقبتُه، بين أشجار فلفلٍ هرمة، وراء عكاكيزِ السرو، أنصتُ لهبوطِ الغسقِ الهادىء، أنصتُ لليلِ الذي يتراكمُ حولي. البرد. الظلام. النجومُ تلمعُ على الطحالبِ الناعمة.

***

كان ماسحَ أحذيةٍ مخمورا،

يتندَّر بقندلفتٍ يلازمُ الحانةَ الطينية، طوال جنون شباط ،

يثملُ بنقودِ القبورِ التي يحفرُها،

يُهرع سكرانَ - بالصَدَقات ـ إلى الجنوب

كلما كبَّرتْ حنجرةُ الأحدب في منارةِ الجامعِ الكبير

فيتسمّرُ العابرون هنيهةً في سوقِ الخضار

ويقرأ بعضهم الفاتحةَ على عَجَل.

***

لم أسمعهُ، بعد طولِ مكوثٍ هنا،

يقولُ: لطالما أحسستُ بأني لستُ هنا، لستُ من هنا ولستُ هنا.

في لحظةٍ حرِجة سأُتهَم بالسرقة.

لم أسمعْ خطواتِه في الفجر

تهبطُ إليّ درَجاً حجريّاً،

سعالَهُ المتقطّع،

تحرُّشَه بامرأةٍ سافرَ بعلُها إلى الخلجان.

لم أرَ يدَهُ التي نزفَتْ

حين سحبَ بالحبالِ جيب وازاً معطَّلاً.

لم أرَ الرضوضَ المصفوفة كالنظرات، مزقَ لحمه مسقوفاً بأرضٍ قصيّةٍ هناك،

الترابُ تنقشُه أظلافُ الماعز

المقبرةُ تستأنسُ بنُباحٍ ضالّ مديد،

وريحُ الليلِ تكوّمُ حجارةً خفيفةً بيضاء

كغيومِ الربيعِ فوق منزلٍ قذر.

***

عليَّ أن أصدّقَ، إذن، هذه هي الحياةُ الوحيدةُ الممكنة.

لأقلْ هذه المرة، ناهضاً عن الصخرةِ التي جمَّدتْ مؤخرتي

وعيناي أقربُ إلى النجمةِ من هذا الجبلِ الشاحب:

مايُثقِل كاهليَّ الخوفُ، لاالأسى ولا الحنينُ .

قُتِل الفتى. فماذا عنّي؟

مخالبُ الأفكارِ الغائصة في قحولةِ الأيام،

الأكاذيبُ التي أضنتني،

الوجوهُ التي احتكَرتْ، منذ سنين، كلَّ الكوابيس؟

لم يصادفْ - أينما سار ـ شيئاً ليحميه.

قُدّام أبوابِالأرض

همسوا في أذنيهِ: ياللقناعِ الغريبِ في متحفِ الجن!

لاشيءَ خفّفَ عارَ العودةِ إلى مسقطِ الرأس ـ العارَ الشخصيّ، الهزيمةَ الشخصية.

لاشيءَ فرَّقَ وجهَهُ عن وجهي؛

لاهذه القسماتُ التي تسِمُ لصّاً أو قاتلاً عديمَ الخبرة،

لاتجاعيدُ الشتاءِ حيث ننتظرُ الغيمَ، ننتظرُ الضوءَ والريح،

ولاهذا اللونُ الرماديّ كفأرٍ ميت

تأتي الكارثةُ وتنثره،

ثم يطويهما النسيانُ كمعطفٍ عتيق في نهايةِ شتاء طويل.

في غدٍ

ستواري الشمسُ ماتبقّى من ظلّهِ

حين أقفُ على هذا السفح، غريباً عن ضيائِها الرهيب.

ستحفظُه تلك الليلة بعيداً،

حيث تلمعُ عيناي قرب مخمورٍ ميت، هو الشابُ الذي قضى وحيداً،

جائعاً ومجهولاً، في بقاعٍ نائية، بين أنيابِ البرد.

لم يكُنْ ليستجديََ الغرباءَ في المواخيرِ والممرّات

إذا حلَّ ليلُ الشتاءِ ثقيلاً ولا ينتهي.

***

ربما استجدى السجائر، مثلي ، في صمتٍ،

دفتراً للتذاكرِ كي يستقلَّ الباصاتِ العملاقةَ من قلبِ العاصمة إلى غربها؛

حذراً في الصقيعِ يرتقي المنحدرَ إلى شاهقِ الضواحي:

من ذاك العلوِّ الخاطىء مراراً آثرَ المنزلَ البعيد.

ربما فرَّ من الاستراحاتِ التي تضيءُ البوادي

يلمحُ بناتِ آوى مُلْصَقةً بالدم إلى جنَباتِ الطريق

في الضبابِ الخطرِ الكثيف.

أول الآتين يتعثرُ

ومعهُ تعويذةُ العقارب

وبطاقةُ يانصيب طُويَتْ في جيبِ سترته

سيتناصفُها وأمَّه التي بغتةً هرِمَتْ.

نادلاً يتنقّلُ بين مطاعمِ بردى ومقاصفِ قاسيون

حيث يسوقُ الله قطيعَ عميانهِ

تحت قمرٍ بارد

ويتهاوى الشعراءُ تباعاً

بأجنحةٍ داميةٍ في مستنقعٍ طويل.

***

لم أستطِعْ، كلما مرَرْتُ قربه، سوى أن أُغضي.

يغسلُ الأطباق

يمسحُ رذاذَ الشمبانيا كنجومٍ من زبد

التصقتْ بزُجاجِ السيّارات، دافِشاً السطلَ بقدمه.

لم أعُدْ أراهُ حليقاً كطفلٍ في الثالثة

يتلصّصُ من فجواتِ الأشجارِ على الشبابيك.

لم أعُدْ أراه

حين تدنو الساعةُ الثامنة لتُسدلَ أبوابَ الحوانيت

ولامفرَّ أمام الخائفِ سوى الخروج من سجنِ حجرته.

أذكر مساءاتِهِ رائقةً كعيونِ الجواميس

سبابتي تعبثُ بالمفتاحِ في جيبي

والديونُ، حيثما وقفتُ، تثبّتُني بالدبابيسِ في حفيفِ معطفي.

***

كم فكّرَ بالارتماءِ في ماء هادىء أسود

و أصدقاؤهُ على جسرِ الرئيس

يقفون ويحدّقون بدوائرَ متّسخةٍ تتّسعُ كي تتلاشى.

لاأعرفُ كيف أو إلى أين شيّعوه

مَنْ رآه ُ في رواقِ المستشفى الحكوميّ؟

مَنْ سدَّدَ رشوةَ الشرطيّ؟

مَنْ أيقظَ الممرّضة؟

أيُّ الأيدي سجَّتْه ُ في ثلاجةِ الموتى؟

أيُّ فمٍ سينعيه؟

بأيِّ حنوٍّ سيفتحُ القبرُ جناحيهِ الدافئين؟

لكنّي الآن

في عزِّ هذا الليلِ الذي يترامى بغيرِ انتهاء

بعد ثلاثِ سنين قصارٍ، هنا في دمشق،

لم أدرِ كيف أزجّيها

لا أكبرهُ في السن،

وحيدٌ مثلُه، ركيكُ اللسان،

مفلسٌ وبعيدٌ عن البيت.

صورة  غيفارا's
User offline. Last seen 23 اسبوع 1 يوم ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 13/07/2006

لن أعودَ إليكم مرةً أخرى

سأمضي وأصفع الباب بعزمٍ ورائي

لن ألتفت للوراء أبداً

" مادامَ دمي نارٌ وتاريخي ركام "

فلتلتفح الأوراق الخائفة من الشتاء

الذي سيأتي...........

ولتعتزل الأزهار الربيع من بعدي

ولتعلن الرياح أنها بريئةٌ من الخريف

وليلعن الصيف شمسه الحارقة

ولكن اعلموا أني لن ألتفت للوراء أبداً

وراء كل غيمة سوداء شمسٌ ساطعةٌ حمراء