الصحابي الكردي جابان

7 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 13 سنة 25 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/08/2006

الصحابي جابان الكردي

(رضي الله عنه).

1- شيء من التاريخ.

كي نفهم التاريخ على حقيقته لا بد أن نعرف الجغرافيا أولاً.

ولعل من المفيد أن نلقي نظرة سريعة على الخريطة السياسية لغربي آسيا، سواء أكان ذلك قبل الميلاد، أم قبل الإسلام، فقد كان العصر بشكل عام عصر الإمبراطوريات، واستطاع بنو ساسان الفرس تأسيس إمبراطورية واسعة الأرجاء في بداية القرن الثالث الميلادي، وامتدت تلك الإمبراطورية من أفغانستان الحالية شرقاً إلى تخوم شبه الجزيرة العربية غرباً، بل كانت مناطق نفوذها تتوسّع في مواجهة الإمبراطورية البيزنطية (الرومية)، فتسيطر أحياناً على بعض مناطق آسيا الصغرى (تركيا حالياً) وعلى بلاد الشام، ومصر، واليمن، وبعض الأطراف الشرقية من شبه الجزيرة العربية.

وهكذا كان الكرد قبيل ظهور الدعوة الإسلامية تابعين للإمبراطورية الفارسية، وكذلك كان العرب الذين استقروا حينذاك في جنوبي العراق، وأسسوا إمارة (الحِيرة) بقيادة المناذرة، أو الذين كانوا يقيمون في السواحل الشرقية من الخليج، ويقتضي منطق الواقع أن تنشأ علاقات، من نوع ما وبدرجة ما، بين هذين الشعبين (العرب والكرد) على صعيد الأفراد، كما هو شأن أبناء الشعوب التي عاشت مدداً طويلة في إمبراطورية واحدة.

والحقيقة أننا لم نجد إلى الآن وثائق تاريخية عن تفاصيل العلاقة بين الكرد والعرب قبيل الإسلام، أو مع بدء ظهور الدعوة الإسلامية، لكن وجود صحابي كردي هو (جابان) بين صحابة الرسول محمد عليه السلام دليل قوي على وجود نوع ما من العلاقات بين الشعبين قبيل الإسلام بوقت قريب، أو مع عهد بدء انتشار الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية.

فمن هو الصحابي جابان؟

2- التابعي ميمون الكردي.

الحق أن المعلومات المتعلقة بحياة الصحابي جابان قليلة، بل قليلة جداً، ولا تتحدث عنه المصادر التراثية- ولا سيما كتب التراجم- إلا بأسطر قليلة، لكن ما وصلنا من معلومات حول ابنه التابعي (ميمون) هي التي تنير لنا الطريق إلى حقيقة ذلك الرجل، فالكتب الخاصة برجال الحديث النبوي تذكر تابعيًا اسمه ميمون الكردي، وجاء في كتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) للحافظ الذهبي أن كنيته أبو بَصِير، وقد ذكر كل من الحافظ المِزّي والحافظ الذهبي تابعيًا آخر اسمه ميمون بن جابان، وكنيته أبو الحَكَم، روى عن أبي رافع الصائغ، عن أبي هريرة مرفوعًا: "الجراد من صيد البحر".

وقد روى ميمون الكردي عن أبي عثمان النَّهْدي، وعن أبيه، عن النبي محمد عليه السلام، وروى عنه جماعة منهم الزاهد الشهير مالك بن دِينار، وعدّه أبو داود من الثقات، وقال أحمد بن حنبل في مسنده: حدّثنا يزيد، حدّثنا دَيْلم، حدّثنا ميمون الكردي، عن أبي عثمان؛ سمع عمرَ يخطب، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن أخوفَ ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان ".

وقال اليماني صاحب (الأنوار الكاشفة) عن ميمون الكردي:

" لم يُعزَ ولم أعثر عليه، ووالد ميمـون الكردي لا يكاد يُعرف. وقد ذُكر في أسد الغابة والإصابة باسم (جابان)، ولم يذكروا له شيئاً. وسأل مالكُ بن دينار ميمونَ الكردي أن حدّثْ عن أبيه الذي أدرك النبي وسمع منه، فقال: كان أبي لا يحدّثنا عن النبي مخافة أن يزيد أم ينقص".

ولم تُذكر السنة التي توفّي فيها التابعي ميمون الكردي، لكن المصادر تشير إلى أن مالك بن دينار الذي روى عنه عاش في البصرة، وتوفّي سنة (123، أو 127، أو 130 هـ)، وإذا أخذنا بالحسبان أن متوسط عمر كل جيل يتراوح بين (35 – 40) سنة ، فذلك يعني أن ميمون الكردي كان على الغالب حيًا في العقد الأخير من القرن الأول الهجري.

3- معلومات حول جابان.

ومهما يكن فإن ما يهمّنا في الدرجة الأولى هو جابان والد ميمون، وقد جاء في (أسد الغابة) لابن الأثير، وفي (تجريد أسماء الصحابة) للحافظ الذهبي، اسم صحابي يدعى جابان أبو ميمون، سمع من النبي محمد عليه السلام حديثًا يفيد أن أيّ رجل تزوّج امرأة وهو ينوي ألا يعطيها الصداق لقي الله عز وجل وهو زان. أما في (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حَجَر العَسْقلاني فجاء الخبر عنه كما يأتي:

" جابان والد ميمون: روى ابن مَنْـده، من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم، عن أبي خالد: سمعت ميمون بن جابان الصردي، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، حتى بلغ عشرًا، يقول: من تزوّج امرأة وهو ينوي ألا يعطيها الصداق، لقي الله وهو زانٍ ".

ولم يذكر ياقوت الحموي في (معجم البلدان) مكانًا أو بلداً أو مدينة باسم (صرد)، ولم ترد النسبة إلى هذا الاسم في كتاب (الأنساب) للسَّمْعاني (ت 562 هـ)، ولا في كتاب (اللُّباب في تهذيب الأنساب) لابن الأثير عز الدين (ت 630 هـ)، لكن ورد في كتاب (معجم البلدان) اسم (سَرْدَرُوذ)، وهي من قرى همذان، وقد يكون النسبة (صردي) محوّرة من (سردي) نسبة إلى (سردروذ)، ومثل هذا كثير في العربية. وإذا صحّ ذلك فالأرجح أن جابان الصردي هو والد ميمون الكردي، لأن همذان تقع في إقليم الجبال، وهي من بلاد الكرد، بل هي نفسها (أَكْبَتانا) العاصمة القديمة للميديين (أجداد الكرد) قبل سنة (550 ق.م).

وجاء في كتاب (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان) للمؤرخ محمد أمين زكي، نقلاً عن العلامة الآلوسي في تفسيره الشهير (روح المعاني) أن جابان كردي، وروى حديثاً نبوياً أو أكثر يدور حول النكاح.

4- نتائج وحقائق.

وتقودنا هذه الأخبار جميعها إلى الحقائق الآتية:

- أولها أن جابان كردي، باعتبار أن المصادر نصّت على كردية ابنه ميمون، ومن المحال أن يكون الابن كردياً ويكون الأب من قومية أخرى.

- وثانيها أن جابان كان من الصحابة، فقد لقي النبي محمداً عليه السلام، وسمع منه، وروى عنه، وكان الرجل شديد الورع، إلى درجة أنه كان غير متحمّس لرواية الأحاديث عن النبي محمد عليه السلام، مخافة الزيادة أو النقص، ومعروف أن بعض الصحابة كانوا يحجمون عن رواية الأحاديث عن النبي محمد عليه السلام خشية السقوط في خلل عند الرواية، وأن بعض سهام النقد وُجّهت، في عصر صدر الإسلام، إلى الصحابي أبي هريرة، لأنه كان يكثر من رواية الأحاديث.

- وثالثها أن سماع جابان من النبي محمد عليه السلام لم يكن مرات قليلة، بل كان متكررًا؛ أي أن لقاءه بالنبي لم يكن لقاء عابراً، وإنما كان يلتقيه مرارًا عديدة، وإلا فلماذا يطالب الناس ابنه ميمونًا بأن يروي لهم ما سمعه عن أبيه، عن النبي محمد عليه السلام؟!

- ورابعها أن العرب في أواخر العصر الجاهلي، ومع ظهور الإسلام، لم يكونوا يجهلون الكرد، إنهم كانوا يعرفون أن الكرد شعب قائم برأسه، وكانوا يعرفونهم بهذا الاسم تحديداً، ويميّزون بينهم وبين الفرس والروم والترك والأرمن، رغم تبعية الكرد للدولة الفارسية حينذاك، ولذلك لم يُقولوا: (ميمون الفارسي) مثلاً، كما قالوا عن الصحابي الشهير (سلمان الفارسي)، والصحابي (بلال الحبشي)، بل قالوا: ميمون الكردي.

5- تساؤلات واحتمالات.

وبعد هذا يبقى ثمة تساؤلات مهمة:

- أولها: متى قدم جابان إلى منطقة الحجاز؟ هل وفد إليها بنفسه؟ أم أن أسرته كانت قد وفدت قبل الإسلام بفترة طويلة؟!

- وثانيها: أين كان جابان يقيم تحديداً؟ هل كان من سكان مكة، أم من سكان يثرب، أم من سكان الطائف؟! فهذه هي أشهر المدن في الحجاز حينذاك.

- وثالثها: ما الذي جعل جابان ينتقل من بلاد الكرد في الشمال الشرقي إلى الحجاز في أعماق بلاد العرب؟!

ها هنا لا تسعفنا المصادر بشيء.

وليس لنا إلا نحدس ونظن ونرجّح.

لكن ليس بعيداً عن منطق التاريخ، وليس خارج التحليل الموضوعي.

ولعل جابان كان من المقيمين في مكة، فهاجر إلى المدينة بعد إسلامه مع من هاجر من المستضعفين؛ إذ المعروف أن جاليات من الفرس والروم والصابئة والأحباش كانت تقيم في مكة، لأغراض تجارية أو تبشيرية أو سياسية، هذا إضافة إلى عدد كبير من الأرقّاء والموالي المختلفي الجنسيات، وقد يكون جابان أحد أفراد تلك الجاليات، أو أحد أولئك الأرقاء؛ على أن نأخذ بالاعتبار أن الكرد كانوا حينذاك معدودين في التبعية الفارسية سياسيًا وثقافيًا.

ولعل جابان كان مقيمًا أصلاً في مدينة يثرب (المدينة المنوّرة)، وهناك التقى الرسول محمدًا عليه السلام بعد الهجرة.

ولعله كان من الجاليات الأعجمية (غير العربية) المقيمة في الطائف، وسمع بظهور الدعوة الإسلامية، فالتحق بها في مكة أو في المدينة المنوّرة.

هذا عن المكان الذي كان يقيم فيه جابان.

ولكن كيف وصل جابان إلى الحجاز؟!

6- احتمالات أخرى.

حقاً.. أمامنا ها هنا أيضاً عدد من الاحتمالات.

فقد يكون جابان ممن وقعوا في الأسر خلال الحروب الفارسية – البيزنطية الكثيرة، ثم بيع في أسواق النخاسة، وانتقل خلال ذلك من بلد إلى آخر، وانتهى به الأمر إلى مكة أو الطائف أو يثرب أو غيرها من المراكز التجارية، ولا ننس أن مكة ويثرب كانتا مركزين تجاريين هامين بين العراق والشام وبين اليمن (بوّابة العرب على إفريقيا وجنوب آسيا).

وقد يكون جابان من العاملين في التجارة حينذاك، وكان يتولّى بعض الشؤون التجارية في مكة أو المدينة أو الطائف، أو غيرها، شأنه في ذلك شأن كثير من الفرس والروم والأحباش وغيرهم، وسمع بالدعوة الإسلامية، فانضم إلى صفوفها.

وقد يكون جابان من الكرد الناقمين على الحكم الساساني الفارسي، ومن الثائرين في وجهها، واللاجئين إلى أعماق شبه الجزيرة العربية، هرباً بنفسه من البطش الساساني . وقد يكون من المثقفين والمتنوّرين الذين كانت الدولة الساسانية توفدهم إلى المراكز الحضرية العربية، بغرض التبشير للثقافة الفارسية وللدين الزردشتي؛ العقيدة التي كانت تتخذها الدولة الساسانية ديناًرسمياً.

- - - - -

ومهما يكن فإن جابان لم يكن حديث عهد بالإقامة في الحجاز، وإلا فكيف أجاد اللغة العربية، إلى درجة أنه كان يفهم بدقة ما يسمعه من الرسول محمد عليه السلام، وكان قادرًا على توصيله إلى الآخرين بدقة وبلسان عربي فصيح.

وإن الجزء الأعظم من صحبة جابان للنبي محمد عليه السلام كان بعد الهجرة، فالأحاديث التي رواها تتعلق بقضايا التشريع التي تنظّم شؤون المجتمع، والمشهور أن النبي كان منشغلاً في مكة (قبل الهجرة) بأمور الدعوة، ومقارعة المناوئين له على الصعيد الإيديولوجي (العَقَدي)، وانصرف بعد الهجرة إلى تبيان القضايا التشريعية التنظيمية وترسيخها.

User offline. Last seen 11 سنة 30 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 25/08/2006

شكرا اخي العزيز على المعلومات المهمة

User offline. Last seen 13 سنة 25 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/08/2006

أشكرك اخ zewar على مرورك

User offline. Last seen 13 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 15/09/2006

شكرا اخي والله حلوووووو كتير

User offline. Last seen 13 سنة 25 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/08/2006

شكرا على مرورك eivan

User offline. Last seen 14 سنة 4 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/09/2006

شو هدا خال
والله اتحفتنا وامتعتنا
بس الله يخليك شوي شوي

User offline. Last seen 9 سنة 47 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 10/06/2006

سباس على هذا المعلومة المهمة

User offline. Last seen 13 سنة 25 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/08/2006

هذا واجبنا ياخالو :lol: