سليم بركات..... رحلة حياة

5 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 14 سنة 34 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/09/2006

سليم بركات

رغم أن الروائي والشاعر الكردي السوري سليم بركات لم يحظ في سوريا والعالم العربي برواج يناسب المستوى المتميز لنتاجه الإبداعي، غير ان أعماله وجدت صدى طيبا لدى النقاد العرب والغربيين، وهو استطاع ان يحتل مكانة مرموقة في عالم الأدب دفعت بالشاعر محمود درويش إلى وصفه بأنه «أفضل من كتب باللغة العربية خلال العقدين الأخيرين»، وهذه الشهادة الصادرة عن شاعر كبير ليست الوحيدة التي تشيد بأعمال هذا الكاتب، فثمة شهادات مديح كثيرة تقال في إبداعه الذي نال الاستحسان لدى النقاد دون القراء الذين يلاقون صعوبة في العثور على مفاتيح تخولهم الدخول إلى عالمه، الشعري والروائي، الغني والمعقد بعض الشيء.ولد سليم بركات في قرية «موسيسانا» القريبة من مدينة القامشلي (شمال شرق سوريا)، أتم تعليمه الثانوي في المدينة المذكورة ثم ترك مسقط رأسه لتبدأ رحلة المنافي الطويلة التي لم تنته حتى اللحظة، إذ سافر بركات نهاية السبعينات إلى بيروت، وهناك بنى صداقات وطيدة في الوسط الإعلامي والثقافي وتعرف على بعض الفلسطينيين، فعمل معهم في بعض الصحف والدوريات الفلسطينية، ثم سافر إلى قبرص ليعمل في مجلة «الكرمل» الفصلية الفلسطينية إلى جانب محمود درويش، وفي نهاية التسعينات غادر العاصمة القبرصية نيقوسيا، متوجها إلى السويد التي يقيم فيها حتى الآن، وهو اصدر خلال هذه المحطات ما يربو على العشرين كتابا إبداعيا في الشعر والسيرة والرواية. من مؤلفاته الشعرية: «كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضا»، «هكذا أبعثر موسيسانا»، «للغبار، لشمدين، لأدوار الفريسة وأدوار الممالك»، «الجمهرات»، «الكراكي»، «بالشباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح»، «البازيار»، «طيش الياقوت»، «المثاقيل»، «المعجم». وفي مجال السيرة أصدر بركات (الجندب الحديدي) وهي تتناول سيرة طفولته، و(هاته عاليا، هاتِ النَّفير على آخره) وهي سيرة الصبا. وصدرت له روايات عدة منها: «فقهاء الظلام»، «أرواح هندسية»، «معسكرات الأبد»، «عبور البشروش»، «الكون»، «كبد ميلاؤس»، «أنقاض الأزل الثاني»، «الأختام والسديم»، «دلشاد..فراسخ الخلود المهجورة»... وغيرها، فضلا عن رواية «الريش» التي نتناولها في هذا المقال، والتي صدرت طبعتها الأولى عن دار بيسان (بيروت 1990). يمكن القول بان رواية «الريش» هي سيرة روائية فنية لمؤلفها سليم بركات، ففيها نجد تقاطعات بين حياة بركات وحياة بعض أبطال الرواية، لكن ما يفعله بركات، إلى جانب توثيق الأمكنة والمدن والأسماء والقرى الواقعة في منطقة القامشلي، هو انه يمنح لنفسه الحرية في ترتيب المصائر وتبويب المصادفات بحيث لا تغدو الرواية سيرة ذاتية محضة بقدر ما هي سيرة نموذجية لبطل يمثل الكثيرين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وكي يبعد الرواية عن أن تكون سيرة ذاتية فانه يستثمر طبائع الخيال إلى أقصى حدودها بما يتناسب مع حكاية تتحدث عن قومه الكرد الذين لا يمل سليم بركات، في كتابته، من الحديث عن حقولهم، ودجاجاتهم، وجنونهم، وحنينهم وعشقهم، ولا يكل من التجوال في تضاريس أرض لم تمنح لساكنيها الكرد سوى الخيبة والألم فكان تاريخا تراجيديا تنتهي فصوله دائما إلى العدم وهو مشرع أبدا على مجهول مخيف. بين هذا وذاك يجتهد الروائي الكردي في تدوين الفجيعة المنبثقة من تلك البقاع رغم كونه لم يعش فيها سوى سنوات طفولته وصباه. «مم آزاد»، وتوأمه «دينو» هما بطلا الرواية، ومن خلالهما يستحضر بركات أجواء مدينة القامشلي وملامح سكانها الكرد وطبيعة أيامها العصيبة، القلقة وهي تصغي إلى أخبار الثورات الكردية الخائبة في تركيا، وإيران حيث أسس القاضي محمد أول جمهورية كردية في مهاباد عام 1946 ، وهو يمضي مع بطله «آزاد» في الحقول الواسعة، وفي العراء المفتوح على أفق غامض وحزين باحثا بين جنباته عن القطا والكراكي. يتحدث عن نهر «جغجغ» الذي يعبر مدينة القامشلي، وعن أصوات ابن آوى، عن السهرات الليلية التي كانت تقام في باحة منزل «حمدي آزاد» بائع القماش (والد بطلي الرواية) حيث لفائف التبغ لا تنطفئ وكؤوس الشاي تضفي على الثرثرات ألفة عابرة، يتحدث عن «شيرو بابان» صاحب حصادة «جون دير» المنكود، عن إسماعيل سمكو آغا صاحب إحدى الثورات الكردية، وعن حسين مُقرياني صاحب أول مطبعة كردية، يتحدث عن الأشجار والمطر والريح والسماء والأسرّة الخشبية الضخمة ليرسم لوحة بانورامية غنية لمدينة لم تزل مضيئة ويانعة في خيال الكاتب. وهو إذ يسرد حكاية هذه المدينة وحكاية أبنائها وبناتها، وطيورها فانه يتوسل في ذلك لغة عربية صافية جزلة، ومحكمة أدهشت الكثيرين من الكتاب العرب الذين تساءلوا في سرهم: أنى لكردي، لم يعرف حرفا من العربية حتى ربما شكلت اللغة العربية، في مرحلة مبكرة، تحديا وامتحانا لطفل أهانته هذه اللغة في طفولته الغضة حين خرج من كنف الأسرة الكردية المقيمة في الجزيرة السورية ودخل المدرسة، فسمع رطانة عصية على الفهم والنطق والدلالة، فلم يقدر ـ هو الطفل ـ أن يستوعب هذا الانقلاب اللغوي، ولم يستطع إدراك ما يجري من نكران للغة الأم! شعر كأترابه من أطفال الكرد أن ثمة حيلة ينبغي عليه الحذر من الوقوع في شراكها، فاقتحم ـ بمقاييس طفولته الكردية البكماء ـ الأسوار العالية لهذه اللغة مقتنصا أسرارها، وجمالياتها، وألوانها، ومجازاتها، وموسيقاها، وسلاستها تماما كما يقتنص القطا المزركشة يعتني به?? ويتباهى في تلك الأنحاء المنذورة «للطيش والهباء» بتعابير الكاتب . السادسة (سنة دخوله المدرسة)، أن يطوع اللغة العربية بهذا القدر من الرشاقة والمهارة والعمق حتى غدت هذه (أي اللغة) لا الحكاية هاجسه الأوحد في الكتابة؟
أوغل بركات بعيدا للإمساك بلآلئ هذه اللغة، وظل يمتح من نسغها وجذورها الأكثر عمقا ليعثر على لغة منحوتة نحتا ومستمدة من مسالكها الوعرة، والرقيقة في آن، حتى تجاوز الأمر حدود الأداة أو الحامل لقصيدة يكتبها أو لحكاية يقصها، فهو يعتني باللغة مثلما يعتني بمجريات الأحداث ليسرد في هذه الرواية، بضمير الغائب حينا وضمير المتكلم أحيانا، أصوات حيوات غامضة ومصائر موجعة وشخصيات غارقة في مآزقها لا تني تبحث عن معنى لوجودها. إنها حكاية قوم لم يجدوا يوما ملاذا آمنا، فكردستان التي يرد ذكرها مرارا في هذه الرواية توصف بـ «بلاد الألف ثورة، والألف حسرة» كدلالة على ثوراتهم الكثيرة التي انتهت بالفشل بعد «تواطؤات هائلة ضد شعب يحاول إيجاد مكان مريح لأبقاره، وماعزه، وحنينه، وعظامه أيضا».
لا يمكن للقارئ المجازفة باستخلاص حكاية بعينها أو مقولة محددة من الرواية وهذه ربما غدت هوية تسم مجمل أعمال سليم بركات فهي قبل أن تكون جوابا، هي سؤال حائر يهرب منه الكاتب بالغرق في لغة تدوّن تناقضاته ومفارقاته ومشاكساته لتختلط على القارئ الواقع بالمتخيل، والحقيقة بالوهم، والماضي بالحاضر، والغرائبي بالمألوف فتغدو الكتابة، بهذا المعنى، ضربا من التمويه أو التخفي لما ينبغي إظهاره وتجليه، وكأن الكاتب ينكفئ على ذاته التي لا تبوح إلا بالقليل فيما القارئ يلهث وراء هذا السراب اللغوي الفاتن وأساليب السرد الساحرة.

صورة  rojava's
User offline. Last seen 8 سنة 10 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/08/2006

أشكرك على هذا الموضوع و أنا من أشد المعجبين بالكاتب سليم بركات و أنا من أحد قرائه أيضاً..............

رغم تعاستنا مازلنا نملك إبتسامة تخفي آلامنا..جراح قلوبنا..تشّرد أرواحنا..
 http://www.facebook.com/hesen.rojava

User offline. Last seen 17 سنة 27 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 11/09/2006

زور سباس بلند

Him
User offline. Last seen 13 سنة 23 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 04/05/2006

الحقيقة انا كتيييييييييييير معجب بكتابات سليم بركات
وشكراااا بلندوووووووووووووووووووو
:wink:

User offline. Last seen 12 سنة 32 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/09/2006

شكرا لك بلند على هذا الموضوع

User offline. Last seen 17 سنة 22 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 22/10/2006

شبكة العنكبوت هذه الشبكة التي تتخبط فيها فراشات الأبد الثقيلة ليست نسج طاهٍ بل نسج حكيم يتذوق الغيب كما يتذوق الحساء
سليم بركات
كل الحب و التقدير