مصطفى البارزاني....خلاصة التاريخ....

4 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 13 سنة 41 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 05/07/2006

--------------------------------------------------------------------------------

ليس من السهل ولوج حياة رجل اختزل تاريخ شعب عبر أكثر من ألفين وسبعمائة عام، لكنه ببساطة الحكماء أوحى لنا جميعا بأن الحياة رغم تعقيداتها أصغر من أن تعترض إرادة الإنسان وتحدياته الصادقة. لقد شق طريقه عبر قساوة الطبيعة والحياة واتجه نحو الشمس، حاملا راية الحرية لشعب يمزقه ظلام التخلف والاضطهاد.
لم يكن البارزاني مصطفى مجرد ثائر يقود شعبه للأنعتاق، بل كان سلسلة من حقب الأزمان منذ كاوه الحداد وحتى انتفاضة آذار، لقد أختزل تاريخا وأختزن سلوكا أصبح فيما بعد نهجا ومدرسة للتربية والأخلاق، وفلسفة في التعامل والتعاطي مع مستجدات وثوابت الحياة،
لقد أدرك منذ البداية بأن شعبه أرق من نسمات الصيف في أعالي هورمان وأصلد من جبال كاره وحصاروست، وأن وطنه تشكيلة من التضاريس الحادة والمتناقضة بين تخوم حمرين وشنكال جنوبا وحدود آسيا الصغرى شمالا، فأندفع بكل ثقل التاريخ وأرثه باتجاه الشرق عله يجد ضالته بين أحضان مهاباد، فكانت خطوته الأولى باتجاه الشمس.
هناك كان المخاض الأصعب والولادة الأعسر والقرار المستحيل، اجتمعت فيه كل وحوش الشرق المفترسة حاملة معها جوع العنصرية وفقر الشوفينية وانتهازية الرفاق الحمر آنذاك، متربصة تلك الولادة لتنقض على الوليد افتراسا وتمزيقاً.
في قلب هذه التراجيديا كان البارزاني مصطفى قد أدرك استحالة ديمومة الوليد في طوفان من الهمجية والبربرية، فتداعت الأحداث واندفعت قطعان البهائم الهائجة لتفترس وتسحق فرسان الشمس، ولأنه أدرك كل ذلك فقد حمل الوليد بين أضلعه وأندفع مع ثلة من رجال الشمس في كل اتجاهات الأرض من حوله شاقاً طريقه المعروف في رحلته الأسطورية إلى وطن الرفاق الحمر، ليستقر هناك في استراحة الثوار وليمنح ذلك الوليد فرصة النمو والحياة.

لم تكن سنوات الأبعاد إلى ( الاتحاد السوفييتي ) إلا مرحلة للتأمل والتهيؤ لحقبة خطيرة في تاريخ هذا الشعب الذي سيبتدا أولى خطواته نحو تحقيق ذاته في خضم عالم مليء بالتناقضات والأستقطابات في دنيا الحرب الباردة التي جاءت على أنقاض حربين قذرتين لتقاسم ( العبيد ) و ( الغنائم ) من إمبراطوريات ودول القبائل والعشائر. وكان أهم نتاجات تلك الحرب الباردة ما أطلق عليه في أدب شعوب الشرق بالثورات والانقلابات التي جاءت بأنظمة إما مصنعة بالكامل في دهاليز ودوائر المتصارعين الكبار أو تم احتوائها لاحقا من قبلهم.
وقد أدرك البارزاني هذه الحقائق قبل عودته إلى بغداد عاصمة ( الجمهورية الخالدة ) التي عاد إليها بعد تغير الشكل وبقاء المضمون، وكان يعرف جيدا إن إقامته في الجمهورية الأولى ليست طويلة وإنه ذاهب إلى حليفه الأبدي وحضن وليده الذي خرج به قبل اثنتي عشر عاما.

يقينا كان البارزاني في تأملاته يرى كاوه الحداد في وجوه أولئك الذين يحتضنون جبال كوردستان باحثين عن طريق إلى الشمس، وقد أدرك بحسه التاريخي وتحليلاته العميقة إن الخطوة الأولى ستكون حتما من قلب كوردستان وليس من بغداد التي ما أن وصلها حتى اكتشف إنها واحدة من نتاجات الحرب الباردة التي أفرزتها حروب العبيد والغنائم وكان ( الوليد ) ضحية من ضحاياها.

وكانت ثورة الخريف ( 11 أيلول 1961 ) بعد أكثر من ( 2661 ) سنة من ثورة كاوه الأول التي أزاحت ظلام العبودية والتي تبعتها مئات الثورات وأنتجت العديد من الأمارات والمشيخات لكنها لم تحدث خرقا تاريخيا وتحولا اجتماعيا كما أحدثته ثورة كاوه الثاني مصطفى البارزاني.
كان البارزاني مصطفى رجلا ميدانيا ينتج الفلسفة ولا يؤلفها ويطلق عنان الثورة ولا ينظر لها، كان بحد ذاته نوعا من السلوك والتربية والتعامل الإنساني الذي يقترب في تفاصيله من زهد الزاهدين وصوفية الناسكين، كان يعمل جنديا وقائدا في آن واحد دونما أن يُثقلَ على حركة وقانون الحرب، ويتحسس مشاعر العدو وأفراده ويفترض دائما أنهم ضحايا مجبرين ويوصي بجرحاهم وأسراهم حتى من كان منهم قاسيا في أدائه الواجب أثناء الحرب.
ومنذ البداية أقر الفصل بين الأنظمة والشعوب وبشر الآخرين بأن مفتاح الحل هو الديمقراطية في تحقيق أهداف الشعب سواء ما كان منه في كوردستان أو في العراق ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، مؤكدا بشكل دائم بان العرب والكورد ضحايا الدكتاتوريات وأنه لا خلاص إلا باحترام حقوق الآخرين والاعتراف بهم.
كان قائداً عنيدا ولكنه لم يوصد الأبواب في عناده أمام من كان يصارعهم حينما يرى مرونة في سلوكهم أو تغييراً في مواقفهم، فهو لم يصارع من أجل إسقاط نظام سياسي واحتلال مواقعه، كان يحمل آلام وآمال أمة، وتاريخ وطن، وجغرافية أرض مقطعة الأوصال، لم تكن لديه أحقاد أو عقد شخصية تجاه نظام أو شخص ما بقدر تعلق الأمر بقضية شعبه، ولأجل ذلك كنا نراه مقاتلاَ صلبا وعنيدا وفي نفس الوقت حينما يتطلب الأمر الجلوس مع العدو كان كريما ورحيما بما لا يلغي العلاقات الإنسانية التي تدفع باتجاه تقنين الخسائر حتى لدى أعدائه.
لقد أنتج مؤسسة قومية لا تقوم على أساس التنظير والأدلجة ووجهات النظر الفكرية وأرستقراطية الثقافة وصراع الطبقات بل تعتمد أسساً وثوابت عملية تتضمن الإخلاص للمصالح العليا للثورة والوطن وسلوكا أخلاقيا رفيعا ينحاز للأكثرية ويحترم الأقلية، وأنتج قاسما مشتركا يجمع كل المنظومات الفكرية حوله ذلك هو النضال من أجل الشعب ومستقبله دونما أن يلغي دور الفرد وخصوصيته على حساب المجموعة. كان إنسانا واقعيا يدرك ويتحسس ويحترم مشاعر الأغلبية الأعظم من الأهالي وينحاز لهم على طول الخط وهو القائل أبدا ( إنني فقير وسأبقى مع الفقراء دوما ) والذين كانوا الأكثر في كوردستان دائما.
لم يكن حزبيا بمعنى التحزب الضيق، رغم كونه رئيسا للحزب، فقد كان يترجم في سلوكه إبناً بارا لشعبه وخادما أمينا لمصالحه وكان يوصي دائما بأن الشعب أكبر من الحزب مهما بلغ، وأن قوة أي حزب ليست في أعضائه بل في مؤيديه من المستقلين.
البارزاني مصطفى لم يكن قائد ثورة فحسب بل كان تاريخا من الحكمة والفلسفة والزهد ومنظومة من السلوك والتربية والأخلاق.
البارزاني مصطفى لم يكن رئيس حزب فقط، بل كان مؤسسة قومية اكبر بكثير من أي حزب أو تنظيم سياسي فغدى بذلك رمزا تاريخيا لشعبه ولشعوب البشرية.
كان بسيطا متواضعا أبعد نفسه عن هالات وبروتوكولات ( الرئاسة ) وبيروقراطيتها ومظاهرها وشخصية فذة ورئيسا قديرا حينما يتطلب الأمر وضع النقاط على الحروف.

لقد أخترق أدق مشاعر وأحاسيس شعبه حتى حسبه الناس أبا وعما وأخا كبيرا.
حقيقة لقد أقتنع الناس تماما بكل مشاربهم وشرائحهم وطبقاتهم واتجاهاتهم وأديانهم إنه خير ما يمثلهم ويعبر عن آلامهم وآمالهم.
واليوم بعد أن أصبح رمزاً ونهجاً وعنواناً لتاريخنا المعاصر وحكاية شعبنا منذ كاوه الحداد وحتى يومنا هذا:
هل وفينا الرجل حقه ؟
حقيقة : هل وفينا البارزاني مصطفى حقه ؟

منقول من منتدى شان...

User offline. Last seen 17 سنة 33 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 30/08/2006

سلاف جبو قامشلو باجاري كردايا

User offline. Last seen 12 سنة 2 أيام ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/04/2006

ألف شكر جكر جان على النقل الرائع ....................... تحياتي يا غالي

User offline. Last seen 16 سنة 26 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/08/2006

ألفين شكر أخ جكر

واله ما في متلو حتى في الأحلام

User offline. Last seen 13 سنة 41 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 05/07/2006

شكراً لمروركم الجميل

zebary,

shergo bejo,

Darios007,

:D