[=blue]

كل فرد منا يحمل شيئاً من أفكار" نيتشه "رغم معارضته لمجملها , انه الفيلسوف الذي جسم إرادة القوة وفكرة الإنسان الأعلى / ليس النوع البشري , بل السوبرمان هو ما أريد , وهو ما سأخلق / ويرجع البعض تقدم علم التحليل النفساني الى نيتشه .

ولد " نيتشه " في 15 تشرين الاول من عام 1844 في قرية روكن في سكسونيا , وكان والده مربياً لكثير من أبناء الاسرة المالكة , واسرة " نيتشه " بولندية الاصل هجر أسلافها الى ألمانيا هرباً من سيف ليوزنسنكسي الجبار . وكان والده وجده قساوسة بروتستانتيين , أما عائلة أمه فقط كان بعض أفرادها من رجال الدين . ومن غريب المصادفات ان نيتشه نشأ بفلسفة معادية للدين حتى انه سمى نفسه عدو المسيح .

توفي والده عام 1849 فأصبح يتيماً وهو في الخامسة من العمر , أخذته والدته من روكن الى نومبورغ , حيث أدخلته مدرسة داخلية / Pforta / فظل فيها الى سنة 1861 وقد أتم دروسه الابتدائية والثانوية . أما علاقاته مع رفاقه في المدرسة أو جيرانه فانه كان يمقت أبناء السوء منهم – اذا ما سرقوا أوكار الطيور وحرموها من فراخها , أو أغاروا على البساتين وجردوها من ثمارها , أو تحدثوا كذباً ... مما جعل أترابه في المدرسة يطلقون عليه اسم / القسيس الصغير/ . ووصفه أحدهم بأنه / كالمسيح في المعبد / حين بلغ الثامنة عشرة فقد إيمانه في اله آبائه وأمضى بقية حياته في البحث عن اله جديد , وأعتقد انه وجده في السوبرمان }الإنسان الأعلى [
وفي عام 1864 تخرج من جامعة بون حيث درس اللغات اللاتينية واليونانية والعبرية والفرنسية , علاوة على لغته الألمانية , ثم عرج على جامعة ليبرغ حيث تعمق في درس الأدب الإغريقي . وقد انصرف نيتشه عن دراسة اللاهوت بعد أن كان في الأصل ينوي التخصص فيه . وكان رائدي نيتشه في تفكيره الفلسفي / شوبنهور و فاغنر / .

وفي الثالثة والعشرين انخرط في سلك الخدمة العسكرية , وكان يسعده ان تعفيه الحكومة من الجندية بسبب ضعف بصره , ولانه الابن الوحيد لامه الأرملة . لكن الجيش أصر على بقائه . و في أثناء وجوده في الجيش هوى مرة من على ظهر جواده , أصيب إصابة بالغة في عضلات صدره , اضطر قائد فرقته إلى تسريحه . وقد لازمته هذه الإصابة البالغة طيلة حياته .

وانتقل من حياة الجندية الى نقيضها وهي الحياة العملية وعين استاذاً في فقه اللغة القديمة في جامعة بال بسويسرا وذهب الى بال عام 1869 واصبح من الرعايا السويسرين وراح من ذلك المكان الأمين البعيد عن أهوال المعارك يعلن إكباره وتقديره لاعمال بسمارك
وكان يتمنى لو انصرف الى مهنة عملية تتصف بالنشاط كالطب . وفي الوقت ذاته بدأت تجتذبه الموسيقى , وكتب بعض الالحان ومن أقوله / أن الحياة خطأ بغير موسيقى / وهناك في عام 1870 وصلته أخبار الحرب بين ألمانيا وفرنسا . فلبى نداء الوطن والواجب .وعندما شاهد في فرانكفورت فيلقاً من الجنود الفرسان يسيرون عبر المدينة في موكب عسكري وسط قعقعة السلاح قفزت الى رأسه فكرة كانت أساساً فيما بعد لفلسفته كلها: / شعرت للمرة الأولى ان أقوى وأسمى إرادة للحياة لا تجد تعبيراً لها في الصراع البائس من أجل البقاء , ولكن في إرادة الحرب , إرادة القوة , إرادة السيادة / ولكن ضعف البصر أقعده عن الاشتراك في القتال فاكتفى بالتمريض.

لقد عافت نفسه النساء والخمر والتدخين , واعتقد بعجز المدخنين أو المقبلين على شرب الجعة , عن صفاء الإدراك ووضوح الفكر

[=] [/]من أعماله / ميلاد المأساة من روح الموسيقى , تأملات لا معاصرة , أمور انسانية .. انسانية الى اقصى حد , الفجر , العلم المرح ,
هكذا تكلم زرادشت ... وهذا الأخير دررها . /

انقطع نيتشه عن التدريس بعد ذلك وأخذ يطوف بأرجاء ايطاليا وسويسرا وبعد هذه الرحلات بدأت فترة أخرى في حياة نيتشه آلا وهي التأليف والكتابة . وكان كل كتاب يؤلفه يعد نصراً على تردي حالته الصحية من حالة العمى والصداع وغيرهما من الأمراض الكثيرة التي أصابته , وتنتمي أعماله الكبرى الى هذه الفترة .

والباحث في فلسفة نيتشه يرى أمورا يستحيل تحقيقها ذلك انه ذهب بعيداَ في محاولة تقديم نفسه , لكن لا يسعنا الا أن نحبه على الرغم من نقدنا له . يشبه وضعنا مع فلسفة نيتشه بالنسبة لنا كدواءٍ مقو وهواءٍ طلق وريحٍ منعشة بعد صلاة طويلة في كنيسة مكتظة . أما عند دراسة أفكار نيتشه فإننا نجدها متوازنة ولكنها بعيدة عن الدقة وتشوبها المبالغة . لقد بالغ في إطراء نفسه عندما قال : إن المستقبل سيقسم الماضي ما قبل نيتشه وما بعده . ولكنه افلح في تقديم قيمة لم تكن معروفة علمياً في الأخلاق آلا وهي الأرستقراطية . فكتب أجمل النثر وأعظمه في أدب القرن الذي عاش فيه وقد جاء تقدير الناس لنيتشه متأخراً .
ولقد كانت لاراء نيتشه دورها الهام في الأحداث التاريخية ما بين الحربين العالميتين وما تلاهما من سقوط أو صعود لأيديولوجيات شتى. واستغلها هتلر في تعبئته للشعب الألماني وإثارة نار الحرب العالمية الثانية . لان نيتشه هو الداعي إلى فلسفة القوة والإنسان الارقى , والكاشف عن أعمق أغوار النفس البشرية في جرأة وخسارة . وهو مقسم الأخلاق الإنسانية الى أخلاق سادة واخلاق عبيد .

وتنتهي كتابات نيتشه بولوجه في ظلمة الجنون , وعلى ذلك لا يمكننا تسمية مرض نيتشه بالجنون الا اذا أخذنا بعين الاعتبار ان هذا الجنون ما هو الا تعبير عن النمط النفسي الخاص المعروف بين العظماء والعلماء والمفكرين . كما لا يمكننا ان نستبعد ان يكون للانفعالات التى تردى بها قد أدت في بعض الأحيان الى المرض أو الصحة , وفي هذه الحالة يكون المرض نتيجة لفكره الواعي . أذن يمكن تفسير حياة نيتشه بالجنون وذلك حين وصل بتفكيره الى المنطقة التي لا يكاد المرء يتصور بعدها مزيداً بالنسبة اليه . وعلى هذا يبدو الجنون نتيجة منطقية لتطور لا بد منه .حتى تنتهي حياته أخيراً في عام 1900 بعدما يقرب من اثني عشرة سنة من ضياع عقله .

من كتاب / هكذا تكلم نيتشه / بقلم / سمير عبده /

وسأرد قريباً بعضاً من أفكار فلسفته وعبقريته ..[/]