الشّعبُ الكردي متحضّرٌ ومسالمٌ أيضاً

2007-04-07

نارين عمرعندما دُعيتُ إلى حفل التكريم الذي أقامته مجلة نرجس بالتّعاون مع مسرح الرّصيفِ مشكورين للصّديق الأستاذ ابراهيم اليوسف في الثلاثين من آذار الفائت, طُلِبَ إليّ أن أقرأ قصيدة أو اثنتين, فقلت:إذاً سأقرأ قصيدة بالكردية والأخرى بالعربية؟ فقال لي أحد الأخوة: نتمنى أن تكون القصيدتان بالعربية, لأنّ الحفل سيحضره أخوة آخرون من غير الكرد/ عرب,آشور, أرمن.../ لذلك قرّرنا أن تكون الكلمات كلها وكلّ ما يُقرأ بالعربية لأنّها اللغة الأكثر فهماً ومحادثة بين جميع هذه الطوائفِ, وقد سُررتُ كثيراً بما سمعته, وفعلاً بُدِأ الحفلُ, وكانتِ العربية هي اللغة السّائدة على الرّغم من أنّ الشّاعر المكرَّم كان كردياً, ومعظم المكرّمين إن لم يكن الكل كانوا أكراداً, ومعظم الحضور كذلك كانوا من الكرد ,ولم يبدِ أحدٌ أيّة حسّاسيةٍ, أو اعتراض,ألا يُعتَبَرُ ذلك دليلاً حقيقياً وسليماً على مدى ما يتمتع به الكرد من روح المسالمة والتعايش الأخوي؟ وحضور الأخوة من غير الكرد كذلك ألايدل على التعايش الأخوي بين أفراد هذا الوطن. قبل أن أقرأ القصيدتين نقلتُ إلى الأخوة الحضور أمنية تتلخصُ: في( أن يلتفت كلُّ الكتاب والأدباء والمثقفين إلى بعضهم البعض, ويقيموا مثل هذه الاحتفالات التكريمية لبعضهم البعض, ويدعوا إلى نبذ الحقد والكره) ففوجئتُ بعددٍ كبيرٍ من الأخوةِ الحضور يتقدّمون نحوي, ويشكرونني على دعوتي تلك, بل وتلقيتُ العديد من الرّسائل والتلفونات التي تحمل معاني الشّكر والاستحسان على ما قلت, وأدركتُ حينها أنّ كلاً منّا كبشر يحملُ في نفسه بذور الطيبةِ والإنسانيةِ الحقة, وكلّ منّا ينتعشُ بالدّعوات الصّادقة إلى الخير, والحبّ, ونبذ الحقد والكراهيةِ, وأنّنا قادرون على التّعايشِ السّلمي فيما بيننا, أبناء الطائفة أو القومية, أو العشيرة الواحدة مع بعضهم البعض, أو أبناء كلّ هذه الملل والطوائفِ والقوميات معاً, لأنّ ما يجمعنا كبشر من المعاني والقيم والمبادئ الإنسانية والبشرية, أكبر وأكثر بكثير ممّا يفرّقنا .في الحقيقة كنتُ بصددِ نشر هذه العبارات التي نسجتها حقيقة شعوري وفكري تلك الليلة, لنفاجأ جميعاً بالشّجار الذي حدث بين بعضٍ من الشّبان الكرد, وبعض من شبان المسيحيين, والذي انتهى نهاية مأساوية لم نكن نتمنى حدوثها فعلاٍ, لأنّ نهايتها تفوقُ كلّ تصوّراتِ العقل والحسّ. السّائد والمعروف بين جميع البشر أن يحصلَ الخلافُ بين الشّبابِ في كلّ زمان ومكان,ّ فالشّاب في عنفوان شبابه يشعر بأنّه سيّدُ الكون بدون منازع , ويجدُ نفسه هو الأصحّ دائماً والآخرون يجهلون ما يعرفه هو, ومعروفٌ أنّ الشّباب يحملونَ السّلاحَ الخفيفَ, شاء الأهلُ أم أبوا, وأنّهم في خلافاتهم ومشاجراتهم يصيبون بعضهم البعض بجروحٍ طفيفةٍ وخفيفة كما حدث قبل أيّام بين بعض الشّباب في إحدى المناسبات ولكن أن ينتهي الشّجار أو الخلاف إلى حدّ القتل فهذا ما لم يتعوّد عليه أهل هذه المنطقة أبداً . لذلك كانت الصّدمة شديدة على الجميع, لأنّنا ومنذ عشراتِ الأعوام نعيشُ /كرداً وعرباً ومسيحيين بجميع طوائفهم/ حياة مودة وقرابةٍ وتفاهمٍ , ولم يحصل أن حدثت مثل هذه الحادثة البشعة, ولم يحدث أن أقدم كردي على قتل أحدٍ من الطوائفِ والملل الأخرى, بل إنّهم هبّوا هبّة الشّخص الواحد قبلَ أيّام حين أقدم شابّ من الأخوةِ العرب على قتل أخِ مسيحي     وهو الأستاذ /غازي يونان/ وجميعهم نددوا بهذه الحادثة وكتبوا عنها,وكذلك استنكرها الكثير من الأخوة العرب ودعوا إلى نبذ العنف وإلى التعايش الأخوي,  على الرّغم من أنّ الأخ العربي قد ادعى بأنّه أقدم على ذلك بدافع الثأر والانتقام , فإذا كنّا جميعاً      متفقين في مثل هذه المواقفِ, ومتفقين على أنّها يجبُ ألا تحدث فلماذا تحدثُ إذاً؟ لماذا يقدمُ شابّ مفعمٌ بروح النّشاط وحبّ الحياةِ والجمال على قتلِ قرينه وبتلك الطريقةِ البشعةِ جدّاً جدّاً؟؟ لماذا يحملُ الشّبابُ الحقدَ والضّغينة لبعضهم البعض؟؟ والعرفُ يقولُ أن تكون قلوبهم مليئة بالحبّ والصّفاءِ والصّدق؟؟!! أين دورُ الأهل والمجتمع في كلّ ذلك؟؟ ألا تقعُ المسؤولية الأكبر عليهم؟ أليسَ من الواجبِ أن ننشئ أولادنا على كلّ ما هو نبيلٌ وقيّمٌ وسامي و منذ الأيّام الأولى من ولادته؟؟ ألا يجدرُ بنا كآباء وأمهات ومربين ومربيات وفي جميع المؤسسات والأماكن التربويةِ والتّوجيهيةِ أن ندعو أولادنا إلى ما فيه خيرهم وخيرنا, وحياتهم وحياتنا؟؟!! وقبلَ كلّ هذا وذاك أليسَ من الهامّ جدّاً أن نتبرأ من كلّ ما هو سلبي ونتطهر من كلّ ما هو سيئ و لاإنسانيّ حتى يتعلمَ منّا أبناؤنا وبناتنا؟ ألا ندعو إلى حبّ الله ؟ ألا تُعتبر محبتنا لبعضنا البعض جزءاً من المحبةِ الإلهيةِ المطلقة؟؟ ألا نؤمن بشرائع الأديان ومعتقداتها وأقاويل وأحاديث الرّسل والأنبياء فلماذا لا نطبقها علينا كبشر بغضّ النّظر عن انتماءاتنا ومعتقداتنا وأدياننا وقومياتنا والله تعالى  أكد على أنّه خلقنا كبشر شعوباً وقبائل لنتعارف ونتواصل على الحبّ والإخاء.في الحقيقة ما حدثَ جريمة بشعة وعلى الجميع أن ينددوا بها وأن يتأهبوا لعدم حدوث غيرها, وألا يتبادلوا التّهم والشّائعات على بعضهم البعض وألا يُتهمَ الشّعبُ الكرديّ بالإجرام أو إثارة المشاكل لأنّه شعبٌ مسالمٌ وشهمٌ ويسعى للتّعايش الأخوي مع أيّ كان, ولم يحدث أن اعتدوا على غيرهم إلا دفاعاً عن النّفس, وإذا نالوا من خصمهم فكثيراً ما يبدون الرّأفة والرّحمة بهم, وتاريخهم القديم والحديث خير دليل على ذلك.                

MAS


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.