جان كورد : أكذوبة "إسرائيل ثانية!" الغوبلزية

2016-07-08

أكذب... اكذب... اكذب... حتى يصدقك الناس، هذا ما قرأناه وسمعناه من أقوال وزير الدعاية النازيغوبلز، الذي خدم أدولف هتلر ورفعه إلى قمة الشهرة عن طريق تسخيره إعلاما كبيرا وقويا وحديثا له، اختلط فيه الخيال بالحقيقة والكلام الكاذب بالصادق... وهكذا هو إعلام العنصريين في كل مكان. 
وإن إحدى أكاذيب العصر، هو وصف طموح الشعب الكوردي في الحرية والاستقلال بالعمل من أجل إقامة كيان "اسرائيل ثانية على أرض الوطن العربي!"، في حين أن كوردستان "وطن الكورد" مقسم بين العرب والترك والفرس، وليس العرب وحدهم، وهذه الحقيقة لا تذكر من قبل العنصريين العرب حتى لا ينفضح كذب الكاذبين.
وعبارة "أرض الوطن العربي" الذي لم يتفق العرب حتى اليوم على اسم له، مثل فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بلغاريا... خاطئة أصلا، فالكورد يعيشون على أرض وطنهم منذ فجر التاريخ، ولا يمكن لأحد اثبات العكس، وهذا ما سنتطرق إليه بعد قليل.
وتشبيه الكيان الكوردي الذي لا يخالف إنشاؤه مع مبادئ المجتمع الدولي المتفق عليها بين مختلف الأمم والشعوب، أي مع حق تقرير المصير، بالكيان الإسرائيلي خاطئ أصلا، رغم أن كثيرين من الإسلاميين والعلمانيين والذين يتأرجحون بين الطائفتين، من العرب المثقفين وأشباه المثقفين يرددون هذا التشبيه الذي لا يطابق الحقيقة، صباح مساء، من على منابر الجوامع وعبر أقنية التلفزيون والراديو، ومن خلال كتاباتهم وطلعاتهم العنترية في مواقع التواصل الاجتماعي، فالكتب المقدسة الأخيرة (التوراة والانجيل والقرآن) تذكر لنا في أكثر من موضع أن الشعب الإسرائيلي عاش في الأرض المقدسة مثل الشعب الفلسطيني، وكانت بين الشعبين جولات وصولات، كما حاربا جنبا إلى جنب ضد الغزاة الأجانب أيضا في بعض مراحل التاريخ، وإذا كان ما ذكرناه هنا غير صحيح، أي أن ما ذكرته الكتب المقدسة بلا أساس، واليهود جاؤوا إلى أرض الميعاد من شتى بقاع العالم، فكيف يتم تشبيه وضعهم بوضع الشعب الكوردي الذي لم يفد إلى وطنه كوردستان من أي مكان آخر؟
نحن نعلم من الوثائق التاريخية العديدة بأن العرب قاموا بغزواتهم تحت اسم "الفتوحات" بدءا من الجزيرة التي لا ننكر أنها عربية، وانتشروا شمالا إلى بلاد الشام التي كانت تحت حكم الرومان والعراق الذي كان تحت حكم الفرس ومصر الفراعنة وحتى مراكش التي سموها فيما بعد بالمغرب "العربي"، رغم أن غالبية سكانها كانت "آمازيغية". ولا نجد في التاريخ من سمى تلك الفتوحات باسم "حروب التحرير!" للوطن العربي.
كما نعلم أن القوم التركي قد جاء من أقصى آسيا على موجات متلاحقة نتيجة الضغط المنغولي عليه، ومن تلك الموجات البشرية الغازية ما تم بعد انتشار الإسلام في بلاد الشام والعراق.
وهل ثمة من ينكر أن آثار بصر الشام وتدمر وبعلبك وغيرها في سوريا ولبنان ليست آثارا عربية، فكيف تكون بلاد الشام والعراق عربية والآثار الحضارية فيها رومانية واغريقية؟ أم أن العرب كانوا بدوا رحل لا ارتباط لهم بالأرض، ويتنقلون من هنا إلى هناك سعيا وراء الماء والكلأ؟ 
كما نعلم أن الكورد في مصر وفلسطين وأطراف دمشق وفي جبل الأكراد بالقرب من اللاذقية قد جاؤوا واستقروا هناك إبان الحكم الأيوبي الكوردي، بل إن للكورد علاقات عريقة مع مصر الفراعنة، اثناء عهد المملكة الميتانية التي كانت عاصمتها "واشوكاني" على شاطئ نهر الخابور، حيث تزوجت أخت الملك الميتاني "توشراتا" مع فرعون مصري، كما تزوجت ابنته "دوتى خيبا" أيضا من الفرعون تحوتمس الثالث، وبعد وفاته تزوجها ابنه الشهير الصيت "أخناتون" المعروف عنه أنه سعى لهدم ديانة "آمون" المصرية الشهيرة. ولكن هل هناك اثبات تاريخي واحد يدل على أن الشعب الكورديالميتاني قد نزح إلى موطنه ذاك من بلاد أخرى؟ 
ومعلوم أن الميديين الكورد امتدت مملكتهم الكبيرة قبل الميلاد من الأناضول الحالي إلى أفغانستان، وكانت عاصمتها "آكباتانا"أي "همدان" الحالية، وتمكنوا بالتحالف مع البابليين من القضاء المبرم على الدولة الآشورية، إلى الأبد. 
كما نعلم أن الآريين قد جاؤوا من الشمال وامتزجوا بالكوردوخ والميديين ومن قبلهم بالهوريين، ولذلك فإن اللغة الكوردية الحالية تعتبر لدى أصحاب الخبرة والمعرفة باللغات البشرية لغة "إندو-أوروبية" وليست سامية أو من العائلة التركية. فمن أين جاء الكوردوخ الذين قاتلوا العشرة آلاف مرتزق اغريقي حسب ما كتبه قائدهم المؤرخ زينوفون (رحلة ال10000 اغريقي)؟ أم أنهم كانوا سكان جبال زاغروس التي لا تزال في مكانها عبر العصور، ومن أين جاء الهوريون واللولو والميديون الذين ينتسب إليهم الكورد والذين عاشوا على بقعة الأرض التي نطلق عليها اسم "كوردستان" حاليا، بل أطلقها السلاطين العثمانيون قبل قرون عديدة؟ فهل هم أيضا كالعرب الرحل أو العرب الغزاة "الفاتحين!"، أو كجحافل الترك الذين لا يزالون يعتقدون بأنهم من ذئبة رمادية مهاجمة وقاتلة؟
فإذا كان اليهود الذين أسسوا دولتهم "إسرائيل" مهاجرين، فكيف يتم تشبيه الكوردبهم وهم المستقرون منذ فجر التاريخ في أرضهم، الذين عمروا وطنهم ودافعوا عنه بدمائهم طوال العصور البشرية المعروفة؟ 
المسألة لا تعدو كونها "بروباغندا- دعاية" سياسية لا أساس لها من التاريخ الصحيح، وهي دعاية غوبلزية آمن بها، رغم كذبها، علماء إسلاميون، وسياسيون مفذلكون، وتجار كلام يقبضون على نفاخاتهم الفارغة الأموال من أعداء الكورد وكوردستان.
فلماذا الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي يهدي في قصيدته "كوردستان" فؤاده ولسانه لوطن الكورد لم يقل في قصيدته الرائعة الطويلة بأن الكورد جاؤوا مهاجرين ليسكنوا على بقعة من "الوطن العربي"؟ بل أنشد:
قلبي لكوردستان يهدى والفم             ولقد يجود بأصغريه المعدم
وفي النهاية يقول:
شعب دعائمه الجماجم والدم              تتحطم الدنيا ولا يتحطم
ولماذا كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدة باسم "كوردستان" حيا فيها بطولة الشعب الكوردي ولم يقل بأن هذا الشعب يطمح لبناء "إسرائيل ثانية!" على أرض عربية؟
فهل كانا خائقين هذان الشاعران اللذين تفتخر بهما الأمة العربية التي أنجبتهما كما تفتخر بصداقتهما الأمة الكوردية التي دافعا عن حقها في الوجود ومدحا كفاحها في سبيل الحرية، أم أن القائد الكوردي الخالد مصطفى البارزاني برطلهما بكنوز الذهب والفضة؟ 
بل لماذا وقف العالم التركي الاجتماعي الكبير إسماعيل بشكجي مرات ومرات أمام المحاكم العنصرية في تركيا لتحكم عليه ب250 عاما من السجن، ليقول للعالم بأن "كوردستان مستعمرة دولية" ولم يقل مرة واحدة بأن الكورد مهاجرون قدموا من شتى الأنحاء ليستعمروا جزءا من تركيا أو ليقيموا "إسرائيل ثانية" على بقعة من الأرض العربية؟ فهل من مجيب؟
إذا، فليكف الغافلون من مثقفي وعلماء ووجهاء العرب عن ترداد أكذوبة لا تقل سخافة عن الأكاذيب الأخرى للبعثيين وغلاة العروبة، وليتوقفوا عن محاولاتهم اليائسة لإقناع الإنسان العربي بأن الكورد ساعون لإقامة "إسرائيل ثانية!".
وأقول لهؤلاء الغوبلزيين، ومنهم عدد كبير من الجاهلين بالتاريخ والجغرافيا،كما منهم الساكتون عن علاقات الدول والزعامات العربية بإسرائيل الأولى، بأن كوردستان أكبر من إسرائيل وفلسطين والأردن ولبنان والكويت معا، وفيها من الثروات ما يكفي لبناء دولة عظيمة وأنها ليست قائمة على جزء من أرض الأمة العربية، بينما هي أوسع من 5 دول أوروبية مجتمعة، وهي تقاتل من أجل وجودها وحقها في الحرية والاستقلال. 
فليستحوا وليسكتوا... وإلا فليرجعوا إلى كتب التاريخ التي ستجعلهم يبصرون.