شفان ابراهيم : الخطاب السياسي الهرِم تجاه الشباب الكورد.

2016-06-03

تحشدت جميع مآسي الشباب الكورد تحت كلمة واحدة (حرية) خرجوا بها إلى الشوارع ليطالبوا بها من النظام السوري, ربما غير مُدرِيكنَ ضرورة المطالبة والمكابدة على الظفر بها من أطراف عديدة.
لا تزال حتى اليوم الطريقة التقليدية في العمل السياسي, هي هي ذاتها تُكرر نفسها عبر أدبيات وسلوكيات الأحزاب الكوردية. 
لنبدأ من المُسلمة الكوردية: شخصيات كوردية سياسية بدأت بالعمل السياسي في أحلك الظروف, وقدموا كل ما تملك لأجل القضية الكوردية, أسسوا أحزاب وجمعيات ومؤسسات, اعتقلوا مرات عدة, دفعوا فواتير نضالهم عبر مجالات كثيرة. لهم من الشباب ومن الشعب الكوردي كل التقدير والاحترام, وهم من أرسوا دعائم السياسية الكوردية, وهم من رفعوا من القضية الكوردية لتكون ذا شأن في تلك المرحلة مقارنة بالظروف التي عاشوها وطبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية في تلك الأوقات.
لكن عن أية شخصية سياسية نتحدث اليوم, وعن أية مستقبل للقضية الكوردية نتحدث إن كانت الحوامل الشخصية للقضية الكوردية اليوم منتمين إلى عقود من التاريخ القديم. نحن هنا اليوم في هذه المعضلات التي تواجه الكورد في سوريا, وعبر أشرس وأسوء الأزمات والظروف التي مرت على سوريا وعلى كوردستان سوريا, ولا زلنا ننتظر الفرج من شخصيات كانت بارعة في الزمن الذي برعت فيه, وإن اتفقنا على مبدأ أن لكل زمن دولة ورجال, فإن سؤال المستقبل الكوردي في سوريا: عن أي شخصية سياسية وعن أي مستقبل وعن أي فدرالية كوردية في سوريا نتحدث؟  
الشخصية السياسية في عموميتها لا تحمل هوية بسيطة, إنما هي تلك الشخصية الشديدة التعقيد, الحاملة للثنائيات المتنافرة والباحثة عن سطوة إحداها على الأخرة. الحدث والموقف منه يعكسان تناقضات الزمن التاريخي وانعكاسه على شخصية السياسي. لكن المشكلة تكبر ما أن تتم المواجهة بين الشخصية السياسية الكوردية  ذات التاريخ الكوردي في سوريا والنظام السياسي الحالي من جهة على اختلاف توجهاته وألوانه, ومن جهة أخرى ما يطمح إليه الشباب الكورد, بل أن العلاقة تزداد تعقيداً في زج تلك الشخصية الكوردية في مواجهة مع البنية المجتمعية الكوردية, فتعكس تلك المواجهة حالة الشخصية السياسية الكوردية في رغبتها في تمثيل بنية السلوك والمعرفة والثقافة والايدولوجيا الواجب توافرها في أي شخصية سياسية كوردية في العصر الحالي في علاقتها مع البنية المجتمعية الكوردية, دون أن تلتفت تلك الشخصية السياسية الكوردية إلى توفر تراكمها المعرفي وخبرتها التحليلية من عدمه. لكل مرحلة مستوى من التطور التقني والثقافي والاجتماعي, وهو ما يدفع إلى تغيير النظام السياسي, وكل شخصية سياسية لا ترتقي إلى مستوى التغيرات تعيش جملة من التناقضات والازدواجيات السياسية والشخصية. ومن الطبيعي أن تكون الشخصية السياسية على علاقة مع الزمن التاريخي الذي أبدعت فيه, لذا فمن الاستحالة أن تعيش تلك الشخصية في زمنين متنافرين متناقضين, وما حالات الاضطرابات والخلل البنيوي في التوصيف والترشيد والشرح سوى دليل على اللاتوازن المعرفي لدى من يعاني من تلك الحالة. فالزمن التاريخي هو بنية المجتمع الحاضر, ومتناقضات هذا الزمن وانعكاسه في شخصية السياسي.
إن عمر الشخصية السياسية هنا لم تعد تقاس بالسنين المتراكمة حزبياً, بل بالزمن التاريخي المعطاء, والتراكم المعرفي المتأسس, والتأسيس المعرفي والسلوكي والإنتاجي. فالإلهام والابتكار هما سمتان شبابيتان على صعيد الزمن الحالي, تُعتبران من اشد حالات الكفر والزندقة في السياسية الكوردية, فتوصد الأبواب أمامهم, لا يسمح للشباب بالدخول إلا عبر متهات حقول الألغام, فيفرضون الروتين والبطء في العمل, ولا خوف على من يهتم السياسي الكوردي لأمرهم, فهؤلاء جميعاً أصبحوا في بحبوحة أوربا. 
لننظر إلى الأعلام الحزبي حينها سنرى البؤس الثقافي والفكري والمعرفي, ويكفي أن يكون التأسيس المعرفي غائباً حتى نستدل على الترهل التنظيمي والشح الفكري المتجه نحو الانقراض, بل إن الإنكار والإجحاف بحق الشباب الكورد وصل إلى درجة تمييع وإلغاء حق الشباب في أن يُعلِم ويَعلَم, فأصبحت الراية السياسية راية السطوة لا الصحوة. 
أغلب التنظيمات السياسية الكوردية لا تهتم بمقدرات وكفاءات وإمكانيات الشباب وما يمكن أن يقدموه على جميع الصعد عبر منصات وأفكار وإمكانيات غير تقليدية وغير مشترة.
استحوذت قضية الشباب الكوردي ضمن التشكيلات السياسية الكوردية في سوريا, حيزاً جيداً من وقت السياسيين الكورد خاصة بعد 2011 لكنها بقيت ضمن الفقاعات الإعلامية وافتقدت لتطبيق الشعارات إلى واقع عيان. دون أي محاولة في فهم طبيعة وشخصية الشاب الكوردي المتمرد على الواقع المفروض عليه, اليوم وبعد خمس سنوات من الحالة المجتمعية والبؤس الجمعي الذي يعاينه الكورد, تُعاد قضية الشباب للطرح من جديد لكنها أيضاً لتؤكد على أن أهمية الشباب بالنسبة للتنظيمات السياسية خاصة المجتمعة معاً تحت سقفاً واحد, ما هي إلا وهم متجدد, ولا مجال للفوز إلا عبر أولياء النعمة. والمتابع للخطاب السياسي الكوردي وعلى مستوياته المختلفة وخاصة من لدن الفاعلين السياسيين أو السلطة القائمة وأجهزتهم الإعلامية, يدرك الحضور الكثيف الكبير للشباب ضمن ذاك الخطاب على مستوى القاعدة والبقاء ضمن المستوى الأسفل.
حضور الشباب في الخطاب الكوردي هو مجرد حضور تمجيدي لزركشة الخطاب نفسه, ويتم التركيز والتمجيد للشباب وقدرتهم لدرجة أن الخطاب يأخذ منحاً لفظياً ومفرداتياً جديداً, لكنه يعود إلى حالته القديمة ليكون خطاباً مجرداً من أي نتاجات عملية شبابية, دون أي حلولاً لقضايا الشباب الكوردي, بل دون أي استفادة مِن ما يُروجون له حول حجم علاقاتهم الدبلوماسية والتواصل العلاقاتي بينهم –وعلى اختلاف تسمياتهم و أنتمائاتهم- وبين كبرى الدول العالمية على حد زعمهم.
التمثيل السياسي الكوردي منقسم على ذاته لأقسام ثلاث
1-تمثيل سياسي جامد تاريخياً, هو تمثيل سياسي يمتاز ببنية ثابتة لا تتغير لا تتأثر بمجريات الحداثة والتطوير والتغيير والتقدم, وربما لا تسمع بما يجري في العالم من متغيرات, فيرى المجتمع متطابق مع وعيه الجامد الستاتيكي. مع ارتفاع أصوات البعض منها للعثور على نقطة عبور من هذه الدائرة المظلمة, وتنادي بطرح وعي جديد, لكنها تبقى حالات فردية لنفوس متمردة وعت أن العالم تغير وإن البقاء ضمن الكلاسيكية لم تعد تجدي نفعاً.  
2-تمثيل سياسي جامد ومتحرك معاً: تعود تلك الأصوات المتفجرة ضمن الحقل الأول لتستمر في زعزعة البنى التقليدية الكلاسيكية ساعية نحو كسب أولى جولات الانتصار السياسي في وجه التغول الستاتيكي  فيبدأ المجتمع الكوردي بعملية الاضطراب والتوتر بين عقلين متناقضين مختلفين.
3-تمثيل سياسي يقيم قطيعة مطلقة مع القديم, ينشد القوى الصاعدة للإقامة تحالف مزدوج, تتمثل في تحالف الشباب والشخصيات المتنورة والمشتغلة على تأسيس شخصيتها السياسية بما يتناسب والثروة الأكبر والأفضل وهي ثورة التقانة والثقافة
وحين تكون العلاقة بين الشباب والتشكيلات السياسية بهذا الشكل من الخوف والتوتر والانفجار المحتمل في أي لحظة, يكون المجتمع الكوردي أمام وضع جديد إما الاستمرار في غياهب العالم القديم, أو محاولة التنفس من رئة صغيرة تنشد العالم الجديد, وعلى هذا النحو من التصارع التاريخي النقدي, فإن جدلية العلاقة بين الشباب الكورد والتنظيمات السياسية الكوردية تصبح معضلات سوسيوثقافية وجودية, وهو ما قد يجر المجتمع الكوردي إلى نزاعات داخلية عاصفة, ما لم تنجز المهمات الراهنة القصوى الآن وفوراً وليس غداً, لأنه إن لم يحدث التغيير المطلوب, فإن الشباب يهرمون, والهرمون الحاليون يموتون, فلا قضية, ولا وطن, ولا فدرالية, ما لم تكن ثمة دماء جديدة تحمل على أكتافها القدر الكوردي المشئوم.