د . أحمد خليل : الصيّاد التركي.. والطرائد الكورد

2016-04-14

في أوائل القرن الحادي 11 م، وصل السلاجقة الأتراك إلى غرب آسيا، وبتفويض من حليفهم الخليفة العبّاسي، احتلّوا أوطان الشعوب الأصلية، وكان المشروع السلجوقي يهدف إلى التوسّع غرباً نحو قُسطنطينية (عاصمة الروم)، وجنوباً نحو سوريا، وحلّ الأتراك العثمانيون محلّ السلاجقة، وكانوا أكثر طموحاً لتوسيع النفوذ التركي، فأسّسوا امبراطورية، وأصبحوا قوة عالمية عظمى.
وسواء في العهد السلجوقي أم في العهد العثماني، كان الصيّادون الأتراك مستمرّون في صيد الطرائد الكورد، وكان الصيد يتمّ على أربعة محاور:
1 - محور جيوپوليتيكي: اتخّاذ الجغرافيا الكوردية منصّة لاحتلال البلدان المجاورة لكوردستان واستعمارها.
2 – محور اقتصادي: توظيف ثروات كوردستان الزراعية والرعوية والمعدنية لخدمة المشاريع العثمانية الاستعمارية.
3 – محور عسكري: توظيف القوة القتالية الكوردية في الحروب العثمانية الاستعمارية؛ وفي الدفاع عن الدولة العثمانية.
4 - محور ثقافي: توظيف شيوخ الإسلام الكورد في خدمة الدول العثمانية في أوقات السلم والحرب.
والحقيقة أن المحور الثقافي كان بالغ الأهمّية في أجندة الدولة العثمانية قديماً لصيد الطرائد الكورد، ودعونا نتوسّع فيه بعض الشيء. 
إن الدولة العثمانية مارست صيد الطرائد الكورد ثقافياً كالتالي:
1 - تدجينُ الكورد المسلمين للحكم العثماني، باعتبار أن السلطان العثماني يحمل لقب (الغازي/المجاهد)، وأنه مُسلم سُنّي، وشخصٌ مبارَك، سمِعتُ من جدّي المرحوم شَمْ أن السلطان عبد الحميد (الثاني) كان يفرش سجّادته على مياه البحر ويصلّي، أجل، كان الطرائد الكورد واقعين في الفخّ العثماني، وكان بعض شيوخ الإسلام الكورد يَنصبون تلك الفِخاخ. 
2 – تشجيعُ الشباب الكورد على الانخراط في الجيوش العثمانية، لغزو الشعوب، وللدفاع عن الدولة العثمانية، ولو نقّبنا في الجغرافيا الممتدة من حدود إيران شرقاً إلى المغرب غرباً، ومن اليمن جنوباً إلى ڤِينّا (عاصمة النمسا) شمالاً، لوجدنا الكثير من عظام الكورد.
3 – تسليط الكورد المسلمين على الكورد غير المسلمين، وما أكثر الغزوات التي شَنّتها قبائل كوردية مُسلمة على قبائل كوردية أَيزدية! وما كانت الجرائم التي ارتكبها أولئك الغزاة الكورد ضدّ الكورد الأيزديين أقلّ بشاعة من الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون الإسلاميون، وكانت تلك الجرائم تُرتكَب بفتاوى من بعض شيوخ الإسلام الكورد.
4 – سَوْقُ الأمراء والدَّرَبَكات (الطرائد الكبار) الكورد إلى القِنّ العثماني، والتحالفِ مع الدولة العثمانية السُّنّية ضدّ الدولة الصَّفوية الشيعية، وأشهرُ من قام بهذا الدور هو الشيخ إدريس بَدليسي في أوائل القرن 16 م. وليس هذا فحسب، بل إن بعض شيوخ الكورد شجّعوا الكورد السنّيين على معاداة الكورد العَلَويين، وكان ذلك من أهم أسباب فشل الثورات الكوردية ضد العثمانيين، وضدّ دولة تركيا في النصف الأول من القرن العشرين.
5 – تنفيرُ الكورد من الانضمام إلى الثائرين الكورد على الدول العثمانية وعلى سليلتها دولة تركيا، وكان بعض شيوخ الإسلام الكورد يرفعون شعار (الكورد والترك إخوة في الإسلام)، ولا يجوز الاقتتال بينهم، ولقّنوا الكوردَ أنه في الإسلام لا تجوز الثورة على الحاكم، فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [سورة النِّساء، آية 95]، و(أُولو الأمر) في الآية هم الأمراء والحكّام. وعدا التنفير من الانضمام إلى الثورة، كان بعض الشيوخ يشجّعون الكورد على الحرب مع الدولة ضدّ الثوّار.
الآن، يستكمل أحمد داود أوغلو (رئيس وزراء تركيا) صيد الطرائد الكورد. 
فما هي أساليبه وأدواته؟
الجواب في الحلقة القادمة.
12 – 4 – 2016