(Dr. Ehmed Xelîl) دراســــــــات في التاريخ الكُردي الحديث ( الحلقة 43 ) خسائرُ التُّرك والكُرد في ثورة 1925

2015-10-14

من الصعب تحديد أعداد الإصابات في الجيش التركي، أو كم تكبّد الثوّار الكُرد من خسائر، بدءاً من اشتعال الثورة إلى وقت إعدام الشيخ سعيد في 29 يونيو/حزيران، وبناء على أن عدد القوّات التي تمّت تعبئتها هو 52000 ، وأن عدد البنادق كان 25000، بحسب نسبة 9  (عدد المقاتلين) إلى 4 (عدد البنادق)،
يكون من الصعب الاعتقادُ بأن القوّات التركية أصيبت بأكثر من 5000 خمسة آلاف قتيل، ويبدو من المحتمل أن النسبة كانت منخفضة، وتذكر بعض المصادر أن الترك تكبّدوا 50000 خمسين ألف إصابة، ويبدو أن هذا الرقم مبالَغ فيه كثيراً.
ومن المستحيل تحديد كم كلّف إخمادُ ثورة الشيخ سعيد على الصعيد المالي، والرقم الوحيد هو ذلك الذي وجدتُه صدفة في كتاب Mete Tuncay، وهو 20000 عشرون ألف پاوند بريطاني، وذكر عبد الرحمن قاسملو- وهو زعيم قومي كُردي- أن الثورة كلّفت 60000000 ستين مليون ليرة تركية. ومن الواضح أن أعداد القوّات التركية التي حُشدت، والمعدّات والتجهيزات التي تطلّبها القضاء على الثورة، كانت مُكْلِفة للحكومة التركية، وإن الحاجة إلى استعمال قوات كبيرة في منطقة الثورة، وعلى امتداد الأقاليم الشرقية، كان من الطبيعي أن تشكّل عبئاً على الميزانية في السنوات اللاحقة.
وقد تكبّد الكُرد أيضاً الخسائر، ومن غير المحتمل أن يكون الكُرد قد حشدوا أكثر 15000 خمسة عشر ألف ما بين مشاة وفرسان، وهذا يعني أنه من المحتمل أنه حينما كانت تعبئة هاتين الفئتين قد بلغت أوجها، كان عدد القوّات  يتراوح بين 25000 خمسة وعشرين ألفاً للترك، و 15000 خمسة عشر ألفاً للكُرد، أو بنسة 5 إلى 3. 
إن الكُرد تكبّدوا خسائر فادحة في المعارك التي دارت في أواخر مارس/آذار وأوائل أبريل/نيسان، لكن من غير المحتمل- حسبما أرى- أن عدد القتلى شكّل 20% من أعداد المقاتلين. وينبغي أن نتذكر أن الكُرد فقدوا رجالاً أقلّ، باستثناء ما فقدوه في أواخر مارس/آذار وأوائل أبريل/نيسان. ويبدو لي أنه من غير المحتمل أن يكونوا قد تكبّدوا أكثر من 3000 – 4000 قتيل، وإذا كان عدد القتلى أقل من 3000، فإن نسبة القتلى تكون 20% من مجموع عدد القوّات الكُردية المقاتلة. 
وينبغي أن نتذكر أيضاً أن الكُرد تحوّلوا بسرعة إلى حرب العصابات؛ الأمرُ الذي قلّل إلى حدّ كبير من إمكانية وقوع الإصابات منهم، وإن العدد الكبير من الإصابات كان يقع حينما كانت القوّات الكُردية تقع في كمائن، في حين أنه من المحتمل أن يكون عدد القتلى من الجانبين [التُّركي والكُردي] وصل إلى 7000 – 8000 قتيل. ويبدو لي أن هذا الرقم مرتفع جداً، إن عدد 5000 خمسة آلاف من الجانبين في الثورة، بدءاً من 8 فبراير/شباط إلى 29 يونيو/حزيران، يكون معقولاً جداً، أما الرقم 15000 – 20000 قتيل فيبدو أنه بعيد عن التصديق.
إن خسائر الكُرد الأكثر فداحة لم تنحصر في عدد القتلى أو الإصابات التي تكبّدوها، وإنما كانت في تدمير الأراضي، وتحريق القرى، وتهجير الناس واضطهادهم ومضايقتهم من قِبل المسؤولين والجنود والدرك (الجندرما) الترك، وبينما كانت هذه الوحشية تُمارَس بأقسى أشكالها في أثناء اندلاع الثورة، وفي الأوقات التالية لها من سنة 1925، فإن الممارسات القاسية استمرت بدون انقطاع طوال سنتي 1926 و 1927، وبعد فترة هدوء قصيرة، استُخدمت مرة ثانية تكتيكات وإجراءات مشابهة خلال ثورة 1929 – 1930 (يستشهد الباحث التركي بلال شِمْشير Şimşir بكثير من الوثائق البريطانية بصدد تأثير هذه التكتيكات والإجراءات). 
لا شيء يمكن أن يصف الكميات الضخمة من الطاقات، والرجال، والنقود، والمواد، والوقت، التي أنفقتها الحكومة التركية في محاولتها لقمع الثورة الكُردية واحتواء القومية الكُردية، أفضلُ من إقرار القوّات المسلحة التركية بانشغال الجيش الثامن عشر بين سنتي 1924 – 1938 بقمع سبع عشرة ثورة وانتفاضة حدثت في كُردستان، إحداها هي ثورة الآشوريين (النساطرة) يومي 3 – 4 سپتمبر/أيلول 1924 في بيت شباب، تلك الثورة التي- كما ذُكر سابقاً- كانت شديدة الصلة بثورة الشيخ سعيد. 
وبتعبير آخر: إن من بين أعظم مَهمّات الجيش التركي التاسع عشر، التي ساهمت فيها القوّات المسلحة بين سنتي 1924 – 1938، كانت مَهمّتان غير متعلّقتين بالجهود المبذولة لقمع الثورة الكُردية والقومية الكُردية: الأولى كانت متعلّقة بـ (مَنَمان) Menemen في ديسمبر/كانون الأول 1930، والثانية متعلّقة بالعمل في الإسكندرونة (هاتاي). وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية- باستثناء كوريا 1951 – 1953 وقبرص 1974- إلى الآن، كانت أعمال القوّات العسكرية التركية ضدّ الكُرد قد صارت بطيئة [العبارات هنا غامضة- المترجم].
وبالنسبة إلى مؤرخي تركيا فإن عدم تسجيل هذه الحقيقة أو الاعتراف بها شبيه بدراسة تاريخ الولايات المتحدة الأميريكية من غير دراسة تأثير سكّانها السُّود، أو دراسة تاريخ الاتحاد السوڤياتي من غير التذكير بتأثير المسلمين.
إن إعدام الشيخ سعيد ومعظم قادة الثورة شنقاً في 29 يونيو/حزيران، حدث في الوقت الذي كانت تقوم فيه القوّات التركية بفرض سيطرتها على معظم المناطق التي اندلعت فيها الثورة. لقد قاد الشيخ سعيد قوات كبيرة، وقاد أكثر الثورات الكُردية القومية صلابةً خلال القرن العشرين، إنه هو نفسه كان يقود الثورة طوال شهرين (من 8 فبراير/شباط وإلى حوالي 15 أبريل/نيسان)، وأصبح رمزاً لاستمرار المقاومة حتى وفاته. 
والحقيقة أن قصصاً استمرت بعد وفاته تذكر أنه ما زال حيّاً، وقد أثارت قيادة الشيخ سعيد عند بعض أتباعه فكرة (المسيح المخلِّص) والأمل القومي، وإنّ موت الشيخ سعيد يعني أيضاً أن ينبغي على تركيا وبريطانيا، إضافة إلى دول أخرى، أن تأخذ العبرة من النتائج الدولية الواسعة لتلك الثورة.
السبت 10 - 10 – 2015
 توضيح: هذه الدراسات مقتبسة من كتابنا المترجم " تاريخ الكفاح القومي الكُردي 1880 - 1925" المنشور عام 2013. والعناوين من وضعِنا.