د . محمود عباس : ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان الجزء الرابع عشر

2015-07-21

تحركت الشريحة السياسية والمثقفة العربية بشكل واضح منذ نهاية القرن التاسع عشر، بعد أن كانوا في غيبوبة على مدى القرون الذي سادت فيها الإمبراطورية العثمانية، وواجهت الخلافة الإسلامية بالمنطق القومي، وطالبت بشكل أو آخر مساعدة المد الاستعماري الفرنسي والبريطاني، لبناء دول قومية،
وكانت بداية خطواتهم متجهة نحو خلق النزعة القومية، وخلع العباءة الدينية. وتَحتَ تأثير هذه النزعة المتنامية، مع استغلال الغطاء الوطني، رفضوا عملية بناء سوريا، من قبل فرنسا في بداية الاحتلال، بثمانية كيانات لا مركزية تابعة لدمشق، لذلك وبعد الاعتراض بسنة أي في عام 1922م تشكلت سوريا بجغرافية موحدة، لكنها ظهرت تحت اسم (الاتحاد السوري) بدون وجود تلك الكيانات الذاتية، واستمر استخدام التعريف حتى عام 1925م ليستبدل ب(الدولة السورية) وكان رباطها الأساسي يتكون من ثلاث مناطق هي الجزيرة وحلب ودمشق، ولم تعرف أو تظهر فرنسا حينها (الجزيرة) بالصفة الكردية، ولم تفرزها كمنطقة كردية أو ككيان كردي خاص، بل حاولت أن تغلب عليها الصفة الدينية المسيحية بشراكة كردية كلبنان. ظلت اسم سوريا تعرض في المحافل السياسية الداخلية والخارجية بالدولة السورية، إلى أن ترأس تاج الدين الحسيني الرئاسة، وكتب أول دستور للبلاد من قبل هاشم الأتاسي عام 1928م، ليعتمد فيه النظام الجمهوري، وبموافقة أو تحت إملاءات السلطة الفرنسية، وفي عمقه كان تطبيقا لنظام الحكم في فرنسا الجمهورية وبنظام برلماني مماثل، وسميت سوريا ولأول مرة ب(الجمهورية السورية) وأقرت بالشكل الرسمي في عام 1930م، ودخل حينها عدة نواب كرد إلى البرلمان بدعم من عشائرهم الكردية من حيث العمق الديمغرافي، لكنهم كانوا ممثلي كتل لا صفة قومية لها أو لهم، أغلبهم من الكتلة الوطنية برئاسة هاشم الأتاسي.
 
   بعد عام 1936م والاتفاقية الفرنسية السورية، حول استقلال سوريا، جرت انتخابات نيابية، وفازت فيها الكتلة الوطنية بأغلبية، أزداد حينها عدد النواب من المناطق الكردية، وأعتمد، على أثر التنوع القومي والطائفي في البرلمان، (الفيدرالية) كنظام أساسي في سوريا، لكن نواب المناطق وبينهم الكرد أعلنوا اعتراضهم وبالتالي إلغائهم للنظام الفيدرالي، وطالبوا بالنظام المركزي، تحت حجة تحقيق المساواة مع المناطق التي لا تتمتع بالفيدرالية! وعلى الأغلب كانت ورائها زعماء الكتلة الوطنية، فاستقال حينها الرئيس المستقل محمد علي العابد من الرئاسة، بحجة المرض.
 
  مرت سوريا ما بين عام 1932م إلى عام 1963م بفترة تعتبر مرحلة الصراع ما بين القوى القومية العربية والوطنية، والموجة الاشتراكية. فتناوبت على الجمهورية السورية حكومات متضاربة فكريا، قومية ووطنية وبغياب الشيوعيين مع استثناءات في الجيش وبين الجماهير لفترة ما. والقومية منها هي التي مهدت للخروج من البعد الوطني ذات الانتماء للجغرافية السورية إلى البعد العربي وتم على خلفيته التوجه نحو الوحدة العربية مع مصر، وألغي العلم الذي كان يمثل سوريا الوطنية، وهو نفس العلم الذي يمثل اليوم علم الثورة السورية،  من المهم هنا التذكير إلى أن هذا التصعيد  نحو إحياء الروح القومية العربية لم يكن يحتوي على أحقاد أو ضغائن تجاه القوميات الأخرى، فقد كانت الموجة السياسية والفكرية في مراحلها الأولى، وهي الظهور وتثبيت الذات، ولم تنشر فكرة تفضيل العنصر العربي على القوميات الأخرى المشكلة لكلية سوريا، لكنهم ساهموا بشكل أو آخر وبقوة على طمس الرباط الوطني داخل سوريا، وشكلوا بدايات ثقافة تمزيق النسيج الديمغرافي السوري المتنوع.
 
وعند خروج فرنسا، كان التعصب القومي العربي عند البعض في أوجه، ولم تكن الفترة التي حكم فيها شكري القوتلي كشخصية وطنية، سوى تغطية لما كانت تجري في الأروقة السياسية من تشكيلات سياسية عروبية، حيث تكوين الخلايا السياسية لأحزاب بمناهج قومية شوفينية، كالبعث، والحكومات اللاحقة لحكومة شكري القوتلي، جميعها وبينهم بعض الشخصيات السياسية الكردية الذين حكموا سوريا، كانوا يدفعون بسوريا إلى النهج القومي العربي بشكل غير مباشر، مع أضعاف أبعاد الإخوة في الدين أو الوطن، وأهملت معها حقوق القوميات والأقليات غير العربية، وبدأت تظهر فكرة تكوين سوريا العربية، ولم يحدث أي اعتراض عند إضافة العربية على الاسم الثنائي للجمهورية السورية بعد الانفصال عن مصر بسنتين، وحصل تأييد واسع من قبل الشريحة العربية السياسية عندما رسخ الاسم ببند في الدستور،  تحت اسم (الجمهورية العربية السورية) وكانت بدايات الانتقال من إحياء القومية العربية على مستوى الحكومات إلى مرحلة التمييز العنصري بين النسيج السوري والممهدة لها سيطرة الفكر الناصري القومي  وفيما بعد البعث والأسدين والتبجح بعروبة سوريا المطلقة، وبدأت مرحلة التعتيم على الكرد وغيرهم ضمن سوريا التي كانت تدعى أنها الوطن الجامع للكل حتى قبل فترة الوحدة. والحكومات المتعاقبة على سوريا نافست جميع الحكومات العربية الأخرى بتعصبها الفكري حول الترويج للقومية العربية، وتجاوزتهم في كثيره.
  بعد يومين من الانفصال صدر المرسوم التشريعي رقم 2 تاريخ 30 أيلول عام 1961 ونشر في الجريدة الرسمية العدد 1 تاريخ 5 تشرين الأول لعام 1961 قرار بإعادة العلم السوري القديم «علم الجمهورية السورية»، وكذلك شعارها،  وهو نفسه العلم السوري الذي رفع في 12 حزيران عام 1932م، لكنهم شوهوا نقاوة العلم واسم سوريا بالكلمة المنشورة المبثوثة فيها نزعة تعريب سوريا وإخراجها من إطارها الوطني، وكان ذلك تهميش مخطط  لإلغاء الآخر أمام العنصر العربي، وبداية فاضحة على ظهور مرحلة التعتيم للقومية الكردية وجغرافيتهم وتاريخهم، الماضي والحاضر، وتبينت في المادتين التاليتين:
 
1-العلم الوطني ل (الجمهورية العربية السورية) هو علم (الجمهورية السورية).
 
2-شعار (الجمهورية العربية السورية) هو شعار (الجمهورية السورية).
 
 وكانت تلك هي المرة الأولى التي يضاف فيها بشكل رسمي كلمة (العربية) إلى اسم الجمهورية السورية. وقد عكست مدى تأثر الشريحة السياسية العربية بمفاهيم سيادة القومية العربية التي نشرها جمال عبد الناصر عن طريق الناصرية، والمدعومة بالمربعات الأمنية المتشكلة من قبل عبد الناصر، في أرجاء سوريا وخاصة المناطق الكردية، والممهدة لترويجها من قبل البعث العربي الاشتراكي المتنامي، والتي رسختها عند استلامهم السلطة.
 
   بعد صراع طويل ما بين الكتل ذات النهج الوطني مع القومي في سوريا، والمؤدي إلى استقالات وأحيانا اغتيالات سياسية غير متوقعة لرؤساء حكومات غير مستقرة وضباط معروفين وعلى مدى أكثر من ثلاث عقود، وخاصة في الفترة ما بين الاستقلال والوحدة مع مصر...
 
 
 
يتبع...
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com
 
15-7-2015