ابراهيم شتلو : باختصار!

2015-07-05

المصطلح الذي غرر به العرب والذي طرح على المسرح تحت مسمى: الربيع العربي بدأ أولى حلقاته في تونس مرورا بطرابلس الغرب والقاهرة ودمشق أسدل عليه الستار أخيرا ومن حيث بدأ في تونس. إذ فقدت ثورات هذا المصطلح الذي غررت به الشعوب في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كل معاني الثورة وقيمها ومقوماتها بل وتحولت إلى طاحونة الدمار والقتل وإنتهاك جمبع القيم البشرية وقوضت بإسمه كل مقومات الصفات الإنسانية ليسجل التاريخ أكثر صفحاته سوادا ووحشية.
وأما نحن في كردستان  فقد كان نصيبنا من مسمى الربيع العربي الصعود إلى مسرح الأحداث مكرهين ومجبرين وليس بفاعلين بفعل إدخال أجزاء من وطننا كردستان ومناطق سكنانا ضمن إطار إتساع رقعة الصراع الإقليمي وإستراتيجية توزيع الأدوار وتغيير مراكز القوى وإستبدال بعضها بالبعض الآخر أو إحلال من هو جديد في الشكل مع تكرار المضمون بحسب مقتضيات السياسة العالمية للقوى الدولية الفاعلة في العالم وإهتماماتها وأولويات مصالحها الآنية والبعيدة المدى.
في خضم هذه الأحداث وتطوراتها غير المحسوبة أبعادها لدى قيادات كردستان إعترى الذهول أحيانا والإرتباك وضرورة المواجهة بشجاعة أحيانا أخرى مراكز القوى الكردستانية دون أن تخلو من واقع يجدر الإقرار به أن تلك القيادات ومراكز القوى لم تكن مهيأة لمواجهة تفاعل الأحداث على الصعيدين العملي والنظري عسكريا جبهويا وكما كانت بعيدة عن التحليل السياسي والتنسيق في الداخل  بين بعضها البعض وأيضا الدبلوماسي على مستوى القوى العالمية الفاعلة مع الإصرار على مصالح وحقوق الشعب الكردي.
لقد بين التاريخ  أنه كلما توترت الظروف السياسية وإنفجر الصراع بين قوة وأخرى لجأت كل منها إلى شحذ قواها وتوحيدها في الداخل وتهيئتها للحالة الطارئة المقبلة وثم بخلق تحالف مع القوى الخارجية لمواجهة العدو المشترك وبدون تأمين توفر هذين العاملين يكون مصير الجهة المفككة في الداخل  والمفتقرة  لتحالف مع القوى الخارجية الفشل والهزيمة والدمار وتذوب جميع مكتسباتها السابقة التي حققتها يوما ما بتضحيات جسام وتصبح هباء منثورا.
فهل نحن أفلحنا في شحذ قوى الشعب ، وتوعيته على الخطر الذي يحدق بنا  وتمكنا من تهيئته للنهوض بحماس ودافع وطني ووحدنا جبهتنا الداخلية  لتشمل الحاكم والمعارضة والروافد وكافة طبقات الشعب وإتجاهاته السياسية وأطيافه الإجتماعية بوعي وإخلاص خدمة للوطن ودفاعا عنه بشرف وتضحية ؟
هل نجحنا في خلق تحالف مع القوى الإقليمية والعالمية الفاعلة  سواء على مستوى كل دولة على حدة أو ضمن الامنظمات العالمية والإقليمية ضمن برنامج  يقر ويعترف بدور الحركة الكردستانية وفعاليتها في رسم الخريطة السياسية للمنطقة بما يراعي الحقوق القومية للشعب الكردي ويقر بها بوثيقة دولية علنية ورسمية ؟
لكي لاتذهب تضحياتنا هباء ، ولا تكون دماء أبنائنا قد هدرت بلا  مقابل ، ولكي يكون لنا ما ناضلنا من أجله عشرات القرون ولكي نحقق آمال الثكلى والأرامل من أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا ، ولكي لا يستمر تشرد أطفالنا في أزقة إستانبول وأنقرة وطهران وبغداد ودمشق وبيروت والكويت.... لبتحولوا إلى ماسحي أحذية من عمل أن يكونوا من أمهات سبايا ، أقول إذا كان لمراكز القوى السياسية في كردستاننا الثكلى أدنى درجات الوعي القومي ، والإحساس الكردي الحقيقي بمسؤليتهم التاريخية فعليهم أن يبادروا الأن وقبل الغد إلى نبذ الصراع الداخلي على رئاسة الإقليم وليكن الرئيس كائن من كان كما عليهم النأي عن التهجم الإعلامي على الإدارة الذاتية في غرب كردستان  والتوقف عن إستقطاب الهاربين من ساحة المواجهة الحقيقية وتأليبهم على أشقائهم في روز آفا و شمال كردستان  وليعلموا أنه عليهم  جميعا بدل كل ذلك توحيد قوى الجبهة الداخلية ورص صفوف التحالف والتعاضد والتسامح ونبذ الخلافات والإختلافات في وجهات النظر والتأويل ، وعليهم قبول بعضهم للبعض الآخر رغم الأخطاء وتجاوزات هذه المجموعة أو تلك  وما من أحد منهم  خال من الأخطاء ، وليعلم الجميع أن العدو واحد وهدفه واحد ولا يستسيغ له مشاهدة تحالف القوى الكردستانية أو رؤية كيان كردستاني  مهما صغر حجمه أو إتسعت رقعته باعتراف دولي ، وقد آن الأوان لكي ننال ما حلم به أجدادنا ، ونحقق آمال آبائنا ، ونبني مستقبلا كريما لأبنائنا وأحفادنا فالظروف مواتية لنا دوليا وخارجيا وعالميا لدرجة عالية وملائمة وللمرة الأولى في تاريخ  قضيتنا العادلة.
باختصار ، وعلى الرغم من شرعية إبداء الرأي حول تعديل الشكل الدستوري لجنوب كردستان ، والدعوة إلى مشاركة الفصائل الكردية لروز آفا في مواجهة العدوان على الشعب الكردي في غرب كردستان وبالتالي ضرورة عدم مواجهة مثل هذه الأراء والمفترحات والإنتقادات بروح الغضب والقمع والتنكيل والإقصاء فإن ضرورة تحقيق الهدف الأعلى والعوامل الإقليمية والدولية المناسبة والمؤاتية لتحقيق خطوة تاريخية هامة سانحة لنا الآن في إتجاه التحرر والحرية والكرامة تستوجب منا عدم محاولة تقليد الربيع العربي بشعارات رنينها جميل ورونقها جذاب ولكنها ستجعلنا نقع فريسة للفوضى والإقتتال الأخوي مما يدفع البعض للوقوع في أحضان الشرق والأخر في شباك تآمر الشمال. هذا هو المشهد الأخير على مسرح السياسة الفاعلة في منطقتنا وما يحيط بها ، 
 
 
وكل محاولة لإستقطاب القوى السياسية وتجميعها في خنادق المواجهة والصراع الداخلي في جنوب وشمال وغرب كردستان وتحت أية حجة ديماغوجية أو نظرية أو طوباوية غير واقعية للإطاحة بقطب آخر لهو تصرف غير مسؤول وسيؤدي بقضية شعبنا إلى إنتكاسة أخرى. وكما يقول المثل الألماني المعروف في مثل حالتنا: لايجوز تغيير خيول العربة في مجرى النهر.
إذ أن أي تغببر في القيادات الكردستانية في الظروف الحالية سبؤدي بنا إلى فقدان كل مكتسابات نضال نصف قرن من الزمن.
فهل لنا أن نوجه جهودنا ونضالنا تجاه العدو الخارجي المشترك الذي ينهش في جسدنا تمزيقا وتفرقة وتشتيتا وتشكيكا وتحريض بعضنا ضد الآخر ويسعى جاهدا لتكريس عبوديتنا وإذلالنا ولنقوم بدلا عن صب الزيت على نار الصراع على الرئاسة والتشكيك بكفاءة الإدارة الذاتية في روز آفا والإستعانة بالعدوعلى الشقيق بتجاوز الخلافات  ووضع الأمور الثانوية جانبا  ولنقوم بدلا عن ذلك داخل كردستان بتوحيد صفوف قوانا والوقوف جنبا إلى جنب في خندق المواجهة الحقيقية أمام هجمات أعداء الكرد وكردستان ولكي نكون بذلك أوفياء لشهدائنا وسبايانا ولنضع حدا لمأساة الملايين المشردين من أهلنا ؟
ولابد من توعية شعبنا 
إبراهيم شتلو
 / سلسلة التوعية / 4 تموز2015 علوم سياسية – دراسلت كردية وإسلامية