الشاعر رمزي عقراوي في (قصائد إلى البيشمركه الأبطال) الكتابة بالروح الوطنية من خلال التعلق بتفاصيل المكان الكردستاني

2015-05-22

 
بقلم: لقمان محمود / ناقد وشاعر
 
قد يعرف كثيرون أن رمزي عقراوي (1954) ناشط صحافي وإعلامي فقط، إلا أن روح الشعر بقيت حاضرة لديه بطريقة أو بأخرى. لذلك تبقى كتابة مقدمة لديوان (قصائد إلى البيشمركه الأبطال) نوع من الإحتفاء - أيضاً -  بمن يدافعون عن كردستان، في هذه اللحظة الحاسمة.
إذ لا يمكن بعد أحداث المجازر الفظيعة في شنكال وكوباني،أن ينفصل الشاعر عن كل ما يتصل به كفرد وسط مجتمع، أو كفكرة وسط تصورات أو كنموذج وسط شكليات، ومهما انفصل وغاب عن هذا الاتصال سنجده داخله عن كثب، وذلك بطبيعة التوجس والقلق المتسرب من هذا العالم المفزع إلى عالمه ليصبح في النهاية ناطقاً باسمه ومتحدثاً رسمياً عنه، وهذا ما سنراه في المجموعة،التي خصها بقصائد تميزت بتلك الروح الوطنية و التعلق بكل تفاصيل المكان الكردستاني، وهي قصائد تتفاوت طولاً ولكنها تتّفق بتناولها أبطال كردستان موضوعاً هاماً وأساسياً.
ولطالما واكبت القصيدة الوطنية الملتزمة حياة الشعوب وحضارتها، وأعادت للذاكرة أهمية الكلمة وتأثيرها في تأجيج الروح الوطنية عند المتلقي، وخصوصاً في الملمات والأزمات، فنراها تتصدر جميع أنواع الخطابات،لأنها الأقدر على ملامسة المشاعر ومحاكاة الروح وتعزيز الشعور بالانتماء للأرض والوطن بما تحمله من المآثر القيمة، ومن مخزون ثقافي وفكري عال يذكي معاني المحبة للوطن و التمسك بالأرض والشهادة والذود عن حياضه.
وإذ نعاني الآن من حربٍ ألمت بوطننا كردستان الذي يعاني ما يعانيه من هجمات الإرهابيين وحقدهم تهب الأقلام كما السواعد لتكون رديفة للبيشمركة الأبطال، فتنطلق الأصوات والحناجر بالقصيدة الوطنية التي ترفع الهمم وتشحذها، لتبث تلك الروح الوطنية بين صفوف الأمة الواحدة وتعزيز لحمتها ووحدتها.‏
فنرى الكثير من كتّاب القصيدة الوطنية، يتصدون بقلم وطني بامتياز لهذه الهجمات الظلامية بقصائد تعبئ النفوس بإحساس ينتمي إلى كل ذرة تراب بهذا الوطن، ومنهم الشاعر رمزي عقراوي الذي كتب ديواناً كاملاً  بعنوان (قصائد إلى البيشمركه الأبطال).
إنّ من يقرأ هذه القصائد (وهي ثلاثون قصيدة كلاسيكية) سيجد أن كل قصيدة ترتبط بالأخرى بشكلٍ ما، سواء من ناحية الشكل أو المضمون، وكأنها تشظيات روحية يجمعها الشاعر في بوتقة اللغة بمهارة العارف من مهام قصيدته.
فالشاعر شاءها أن تكون صورة مزدوجة تجمع بين الذات والعالم كما تراه عينه نفسها. 
وقد لا يليق بمثل هذا العالم سوى هذا النوع من الصور التي تضمر مقداراً من وداع شخصي، والتي تحتفي بهذا العالم القائم على حافة الانهيار احتفاء ذاتياً. 
إذ لا تخــلو المجموعة من رؤيا كابوسية، سوداء حيناً وهاتكة حيناً، رؤيا تترواح بين الهلع والتدمير.
على الرغم من أن لغة القصائد بالعموم تتّصف بخطابية مجلجلة غالباً، وقد تبدو عبارة «خطابية مجلجلة» غير غريبة في توصيف شعر يكتب داخل الإيقاع الخليلي، لكنها كذلك حقاً في عموم شعر عقراوي، حيث لا يتردَّد في قصائد هذا الديوان، عن استثمار طاقة الإنشاد، ببلاغة «بطولية» لإضفاء جمالية على تلك البطولات التي حققتها قوات البيشمركه، ويتجلّى ذلك في هذه القصائد:الى البيشمركة الأبطال،أيها البطل، كردستان الشرف، كردستان الخلود، ربيع الكرد،يا ابن كردستان، شهداء كردستان.
هذا الشعر هو أقرب إلى نمط القصيدة التي تتكلّم على إثر ما تقوله اللّغة بصوت عالٍ أو بألمٍحقيقي، رغم أن استراتيجية الكتابة في هذا الديوان، تتماوج بتماوج وضعيات الصور الفوتوغرافية المرافقة للوضع الحالي في كردستان، في حربها الضروس ضد الإرهاب،فأن القصيدة عند عقراوي تبدأ من لحظة «مفتعلة» واضحة تُتّخذ موضوعا للحقيقة أو مصدرا من مصادرها.. لحظة هي الواقعيّة المحسوسة،التي تتركّب من «واقعيّة على أرض الواقع»، كما في هذه القصائد:كردستان تحت النار، فقيد الكرد، قلب الكرد؟!، صبرا يا أهل كوباني!، أيام كئيبة في الوطن!!، كوباني من الحصار إلى الدمار، ولدي الشهيد.
ولما كانت قصائد المجموعة، مؤسسة على شعرية المعنى المضاعف، بتعبير بول ريكور، فإن اختراقها لن يتحقق إلا باختراق الخلفية الإبستيمية المؤسِسة لشعرية هذا المنجز، التي بها يتشكل نظام الخطاب الشعري لدى الشاعر رمزي عقراوي. 
إنها خلفية وطنية وقومية، تؤمن بكردستان أرضاً وشعباً، أعني بذلك، العبور إلى الآخر، حيث تقيم الإنسانية في بعدها الإنساني.
لكل ذلك أستطيع القول أن مجموعة عقراوي (قصائد إلى البيشمركه الأبطال) لا تسـتطيع أن تـقـفـز علي الحاضر أو أن تـتـناساه.‬طالما  مشدودة إلي حـاضر الشاعر وإلي الأسئلة الـصاعدة إلى المستقبل. ‬‬‬
فالشعر بكل المقاييس أكثر الأنواع حميمية للتعبير الأدبي عن الذات وعن الوطن، لذا ليس من المفاجئ أن يظل الشعراء يبحثون عن «عمود فقري» ثقافي يؤسسون عليه هوية هي وحدها التي تجعل التعبير الحميمي عن الذات والوطن ممكنًا.
رمزي عقراوي شاعر قدير سيمثل عدم التعرف على مجموعته الشعرية خسارة لكل محبي الشعر
============ 20//5//2015.