من الأرشيف العثماني

2015-05-09

وثيقة من أرشيف الإمبراطورية العثمانية، رسالة من والي الموصل إلى السلطان العثماني، حول بدرخان بك وطلب رفعه إلى مرتبة (أمير الأمراء).
 
من ضمن الوثائق التي وصلتني من صديق في إستانبول، يبحث في الأرشيف العثماني، وهي من ترجمته الشخصية.
 
 
 
إرادة المسائل المهمة.
 
3/1229
 
معروض العبد الضعيف إلى حضرة جناب السلطان.
 
 هذه تفاصيل حول المعارك التي دارت بين بدرخان بك متسلم" جزرة" وبين طائفة تياري.
 
 لقد ورد مكتوب من قبل بدرخان بك يفيد بأنه وبسبب خوف عشيرة تياري وسنجق هكاري من عطفتلو حضرة والي الموصل فسوف يعطيان ضريبة سنوية من لواء هكاري إلى خزينة المالية، وإنهما سوف لن يحيدا عن طريق الولاء والطاعة. ومن المأمول أن يقوم بخدمات أكبر لصالح الدولة العثمانية. لكن الحقيقة أنه، بسبب طبيعة رؤساء هذه العشيرة المعروفة فمن غير الجائز تعليق كثير من الأمل فيهم.
 
وقد قام بدرخان بك بمفرده بشن حملة عسكرية ضد قبيلة تياري، وبذلك كان سببا في أن الموصل أكتسب اعتبارا متزايدا بفضل بلاد الأكراد(كردستان). وفي هذه الأوقات الحساسة لم يقم بدرخان بك بأعمال سيئة ولم يتجرأ على القيام بما هو غير مقبول. ولهذا السبب أعلمت في عريضتي بأنه من المناسب توجيه المير ميران (أمير الأمراء) إلى بدرخان بك، ورداً على عريضتي جاء الجواب التالي:
 
 إن بدرخان بك في الوقت الحاضر أظهر إخلاصاً في الولاء للدولة العثمانية، ولذللك فإن إكرامه بـ “نشان"(وسام) سوف يزيد من ولائه إلى الدولة. لكن عند النظر إلى ما قام به هذا الرجل في الماضي نلاحظ أن أعماله لا تنسجم مع ما يحمله من أفكار، والأماكن التي هي الأن تحت إدارته هي الأماكن الأقل إعطاءً للضرائب من بين الأهالي المسلمين. وفي الحقيقة فإن تصرفاته لا تعني إخلاصه وولاءه ذلك أنه أقدم على جلب الأهالي المقيمين خارج مناطق إدارته وجمعهم في بوتقة واحدة، ومقصده الأصلي هو توسيع دائرة نفوذه. ولهذا السبب فمن غير الجائز الثقة ببدرخان بك ومن غير المناسب أيضا منحة أي رتبة.
 
 على أثر حدوث هذه الوقائع (الهجوم الذي شنه بدرخان ضد قبيلة تياري) فأن شكره وتشجيعه على ذلك سوف يكون سببا في الشكاوى من قبل الدولة التي تحمي المسيحيين. وقبول مثل هذه الأمور ليس موافقا لأصول الحكومة ومصالحها. ولهذا السبب يتعين عرقلة مساعي بدرخان بك لكيلا يتوسع نفوذه، بل من الضروري استخدامه استخداماً سليماً واستقدامه إلى دار السعادة وتوقيفه هناك.
 
إن المصلحة تكمن في تخليه عن قبيلة “تياري" وتأمين إطلاق سراح الأسرى الموجودين عنده. وقد اطلعت على ترجمة بعض الأوراق التي تفيد باستعداد سفارات بعض الدول لمساعدة قبيلة "تياري" من ناحية الإسكان والإدارة. وقد أرسلت الدولة العلية جواباً بخصوص ما يتعين فعله في هذا الشأن. وقد صدر فرمان وقرار من أجل بذل الجهود بعد المطالعات التي تمت من قبلنا في هذا الموضوع. لقد سبق أن أظهر بدرخان ولاءه وطاعته وبدا وكأنه يريد أن يقدم بعض الخدمات، ولكن تبين فيما بعد أن نواياه الحقيقية لم تتغير. وهذا ما أكدته التجارب.
 
 وقد ظهر للدولة العلية أن جهودها من أجل عرقلة مساعي بدرخان بك لبسط نفوذه كان قراراً صائبا، بيد أنه عندما كان رشيد باشا ودولتلو حافظ باشا ي الموصل يحاولان إعادة بعض الأماكن إلى طريق الطاعة كانا في بعض الأحيان يظهران قدراً زائداً من الاحترام والتكريم لبدرخان بك. وهذا التصرف فهم فهما صحيحا من قبل والي ديار بكر. ومنذ أن أصبح محمد باشا والي الموصل مسؤولاً على هذه الأماكن كتب عدة مكاتيب إلى عشائر هكاري وطائفة تياري. وهذه المكاتيب والأوراق تحتوي على معلومات مفادها أن "بدرخان بك" و" نور الله بك" بك هكاري هما محل شك، ولهذا السبب بدرخان بك شديد الخوف من الدولة العلية.
 
 وفي الحقيقة ليس هناك أي واحد من رؤساء هذه العشائر يمكن أن يوثق فيه، ففي السنة الماضية قام بدرخان بك بتقديم المساعدة إلى خان محمود ثم واصل علاقته بهن وهذا يعني أنه يلتزم بالوعد الذ قطعه على نفسه في إبداء الطاعة والولاء. وهذا الوضع يمكن أن يجعل "هكاري" تنتقل إلى الإيرانيين مما ينجر عنه تحالف ضد الدولة العلية لصالح الإيرانيين. وفي هذه الحالة يتعين إعطاء هدية لكل واحد من هؤلاء الرؤساء وتوثيق العلاقات معهم بهدف الحد من مخاطرهم وأذاهم. ومنذ بضع سنوات بشكل خاص يراقب الأمراء الأكراد باهتمام شديد ما يصدر عن بدرخان من تصريحات.
 
 إن بدرخان يضرب بيد من حديد ضد كل من يعارضه ولو معارضة بسيطة، وقد تمكن من استخدام الزعماء والأمراء الأكراد استخداما جيدا منذ أن طفت على السطح المسألة الإيرانية. وفي بعض الأحيان قام بتحركات ونشاطات ضد الإيرانيين، وبما أن التحرك لم يكن بهدف نيل الرضا العالي (ليس في مصلحة الدولة العلية) فإنه لم ينظر إليه بعين الرضا. وفي الحقيقة فإن إقدامه على شن هجوم على قبيلة “تياري" في وقت سابق دون اخذ إذن بذلك قد اعتبر عملا قبيحا وغير مقبول. وهذه الأعمال دغدغت أفكار الموظفين الأجانب، وقد جاءت بشأن ذلك شكاوى من قبل دار السعادة.
 
 من جانب آخر دار الحديث في وقت سابق بين موظف الدولة الإنجليزية الموجود في أرضروم وبين قنصلها عن موضوع قبيلة “تياري". وهذه الطائفة متكونة من ثلاث فرق وقد قدم “حكيم كرنتا" إلى ولايتنا بواسطة السفارة وأصبح يعتبر كأنه واحد منا، وشُيد له مسكن يقيم فيه وتم إكرامه من جميع النواحي ولم يُقصَر أبداً في حقه. وبالرغم من كل ذلك فقد شرع في تعليم أطفالنا المذهب البروتستانتي وألبسهم القبعات وأصبح يلقنهم من العادات والتقاليد ما لم نراه ولم نسمع به في حياتنا. وقد كرنا في إبعاده من بيننا غير أننا عدلنا عن ذلك خوفا من موظفي الدولة العلية. ولم يتعرض إلى أية مضرة أو خسارة وانتقل بعد ذلك إلى الموصل، وقد سمعنا بعد ذلك أنه شخص يفتقر إلى التجربة والتعقل. وفيما يتعلق بموضوع الأسرى، فبما لأن هذا الأمر يعتبر مهما في نظر الدول الأوروبية فنحن نكون سعداء إذا ساعدتمونا لإطلاق سراحهم.
 
 ومن جانبنا عندما طلب منا كتابة التفاصيل وإرسالها إلى سفارتنا في دار السعادة قلنا إن الطبع الكردي رجع إلى أصله القديم أثناء الحرب، وتم قتل عدد من أطفال والنساء. وقد وصلنا فرمان من قبل حضرة السلطان فيما يتعلق بموضوع الأسرى، وهناك إلى حد الأن حوالي خمسة عشر شخصا تم إطلاق سراحهم، وقد قال بدرخان بك بأنه يطلب إرسال موظف من هذه النواحي من أجل استعادة هؤلاء الأسرى وأنه لا توجد أدنى شبهة في حقيقة عملية التسلم والتسليم التي ستتم في هذا الموضوع. وبعد أن دار الحديث على هذا النحو انفض المجلس وتفرق أعضاؤه.
 
 لقد أوذي أهالي طائفة "تياري" من قبل بدرخان بك إيذاءً كبيرا، وهناك قسم من هذه الطائفة بقي في عصيان ضد بدرخان بكن ولذلك فعندما تم اختيار الشخص المسمى "زينال بك" في وظيفة ضابط من قبل بدرخان بك ونور الله بك الذين أصبحا يقيمان في القصر الذي سبق وأن أنشئ لحكيم مرشومة قامت هذه الطائفة بالهجوم عليه ليلا، إلا أن الحرس لم تستطع أن تحول دون قيامهم بهذا العمل. وفي هذا الهجوم تم قتل خمسة من رجاله، وكتب بدرخان بك في هذا الخصوص أن هؤلاء الأشخاص شرعوا على أثر ذلك في القيام بأعمال تخريب. وعند النظر إلى هذه التصريحات الصادرة عن بدرخان بك نفهم أنه ليس من السهولة إدخالهم تحت الطاعة أو إسكانهم بشكل مناسب. فبدرخان لم يقم بشيء غير تأديب طائفة “تياري"، وهذه الشجاعة في التحرك اعلم بها الباب العالي. وطائفة "تياري" منذ زمن بعيد وهي ترتكب الجرائم وتظهر التمرد إزاء جميع الجهات، وفي سبيل ذلك تلقت مساعدات من بعض الأطراف. وبعد أن تغلبوا على لواء هكاري نهبوا عددا من القرى وأقدموا على تحويل الجوامع إلى كنائس، ومثل هؤلاء لا يجوز وضع كفيل لهم. ولأن بدرخان تعهد بالولاء فإنه إلى الأن لم يلاحظ أنه قام بما يخالف الرضا العالي.
 
 وأثناء النزاع الذ حصل بين بدرخان بك وطائفة “تياري" قام بدرخان بك بأخذ ثمانمائة وسبعين قطعة من البنادق وأرسلها مع أحد رجاله إلى أرضروم وأخفاها في موقع للذخيرة هناك. وقد ورد في الورقة التي تم أرسالها مع شخص يدعى عثمان أن قضائي "جزرة" ومديات وناحيتي "بوطان" و " حاجي بهرام" قد تم إلحاقهم جميعا في وقت لاحق بإيالة الموصل، ولذلك فإن بدل عام تسعة وخمسين قد بلغ ألفي كيسه، ولكن من الصعب تحصيل مثل هذا المبلغ من الأقجات(النقود) من المناطق المذكورة. وحتى لا تذهب الجهود التي بذلت في هذا الشأن منذ مدة هباء وحتى لا تتم إثارة غضب السلطان فقد أعرب عبدكم عن استعداده لتقديم الخدمة والإعراب عن الإخلاص.
 
 لقد تم الإعلام بأن جلب بدرخان بك إلى أرضروم وتوقيفه هناك يعتبر موافقا لأمر حضرة السلطان، ومثلما ذكر ذلك، فهؤلاء يتميزون بطبائع متوحشة، وبسبب ذلك فهم يستنكفون من مقابلة الوزراء في أرضروم وغيرها، وبالإضافة إلى ذلك فمنذ ظهور المسألة الإيرانية إلى حد اليوم سعى "بدرخان بك" إلى حماية منطقتي "هكاري" و "وان" وبذل لأجل ذلك جهودا كبيرة، بل واعتبر من الجانب الإيراني أحد الأمراء المرغوب فيهم.
 
 إن بدرخان بك لم يتمكن من العثور على الفرصة المناسبة لإثارة الفساد، وإلى الأن ما يزال غير منتبه فيما يتعلق بالمسألة المذكورة، لهذا السبب فليس من الجائز التخلص من بدرخان بك عن طريق القتل، بل المطلوب الوصول إليه وتلطيفه(إعطاؤه) بإحدى الرتب حتى يطمئن وبالتالي يتسنى جلبه في المستقبل.
 
 وبالنسبة إلى الأسرى، فلكي يتم تخليصهم وحمايتهم من الضروري تعيين شخص، يلتزم بعهوده، وقد أعددت تحريرات تفيد بأن بدرخان بك أعرب عن استعداده لطاعة الدولة العلية والدخول تحت سلطانها. وأنا من جانبي اكتب إلى جنابكم السامي حضرة السلطان ما ورد في تحريراته، وسوف أعلم حضرتكم كذلك بالجواب الذي سيصدر عن بدرخان بك. وغايتنا أن يصدق بدرخان في خدمة الدولة العلية ويتمسك بها، ولا يتخلى عن إخلاصه لها. وبحول الله سوف يحصل هذا ولا شك في ذلك. وقد بينت له من جانبي أن هناك مبلغ مائتي ألف غروش يتعين عليه تقديمها، وقد بينا له كذلك أن ما ننتظره منه هو حسن الخدمة والتصرف باستمرار وفق ما يرضي حضرة السلطان. وهذه الأوراق المذكورة تم عرضها أيضا على جناب السلطان، والأمر في هذا الموضوع وفي كل الأحوال لحضرة من له الأمر.
 
عبدكم:( الاسم في الختمة غير واضح)
 
في 12 شوال سنة 1259
 
 
 
حقوق النشر محفوظة، يرجى مراجعتي أو هيئة تحرير (بينوسا نو).
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com
 
نشرت في (بينوسا نو) العدد"36" الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.