(Dr. Ehmed Xelîl) دراســــــــات في التاريخ الكُردي الحديث ( الحلقة 26 ) مناورات تركية.. وآمال كُردية

2015-04-25

مناورات تركية: 
من المحتمل أن يكون أوّل مؤتمر لجمعية آزادي [خويبون] قد انعقد، بعد انعقاد المؤتمر التركي- الكُردي في 1 أغسطس/آب في دياربكر، وإذا صحّ هذا فهو دليل على أن الكُرد لم يكونوا سعداء، أو لم يكونوا يأملون في أن الترك سينفّذون ما تمّ الاتفاق عليه في دياربكر. 
وبعد أسبوع من انعقاد مؤتمر دياربكر اندلعت ثورة كبيرة في منطقة دَرْسيم بين قبائل كُوچْگِري، ومُنح جواد پاشا، المفتش العام في جيش سيواس، صلاحيات كاملة لقمع تلك الثورة، وربما كانت الحكومة التركية هي المسؤولة عن اندلاع ثورة كُوچْگِري؛ بسبب أنها مَنعت أو عرقلت التنفيذ الكامل لاتفاقية دياربكر. ويبدو من جانب آخر أن الحكومة التركية لم تُعطِ أيّ اهتمام لتنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها في دياربكر. 
إن كثيرين من الزعماء الكُرد اجتمعوا من أجل مؤتمر دياربكر، وكان في الإمكان أن يعقدوا لقاءً قبل مؤتمر 1 أغسطس/آب أو بعده، وإذا كان مؤتمر (آزادي) قد انعقد قبل المؤتمر التركي- الكُردي في دياربكر، فذلك يعني أيضاً أنه لم يكن ثمّة أيّ اهتمام بالالتزام بما تمّ الاتفاق عليه فيما بعد، وأن الاستخبارات التركية كانت تدرك ذلك؛ ولذا فمن المحتمل أن الترك دعوا إلى مؤتمر دياربكر، وأتاحوا لبعض الكُرد عرْضَ طلباتهم بكل بساطة لكسب الوقت، ولصرف انتباه القادة الكُرد وتهدئتهم، والحصولِ على بعض التأييد الكُردي والدعم العسكري ضدّ البريطانيين على الحدود التركية العراقية، ولمنع المساعدات الكُردية من الوصول إلى الكُرد في كُوچْگِري.
وتماماً بعد شهر من اختتام المؤتمر التركي- الكُردي في دياربكر، قام حوالي 500 خمسمئة ضابط وجندي كُردي بثورة في بيت شباب، تلك المدينة الصغيرة الواقعة على بُعد 20 عشرين كيلومتر شمالي الحدود التركية مع العراق، وكما مرّ أعلاه اندلعت هذه الثورة بتحريض من إحسان نوري وزملائه الضباط بقيادة يوسف ضِيا من بتليس، والعضو القيادي في (آزادي)، والعضو السابق في الجمعية الوطنية الكبرى.
وبحسب ما ذكره الضبّاط الكُرد الفاروّن إلى الموصل، فإن ثورة بيت شباب نُفّذت لإفشال الخطة التركية في تكثيف الضغط على الكُرد، وفي توظيف قواتهم لتحقيق مزيد من الضغط على القوّات البريطانية في العراق؛ تلك القوّات التي كان معظم عناصرها من الليڤي الآشوري والجنود الهنود، وكي ينفّذ الترك هذه الخطة كان عليهم تحقيق سبعة أهداف:
1 -  تحصين مواقعهم الكثيرة قبل سقوط الثلوج.
2 – إنشاء مستودعات الذخيرة والمخازن وهلمّ جراً.
3 – البدء بشقّ الطرق.
4 – تكوين مفرزة من المقاتلين في زيّ قبلي كُردي، وإرسالهم للتواصل مع الشيخ محمود بَرزَنْجي، الزعيم الكُردي في العراق، لفرض سيطرتهم على المرتفعات المحاذية لسهل الموصل.
5 – القيام- بعد تحقيق الأهداف السابقة- باحتلال كركوك وسليمانية، الذي سيوفّر موقعاً جيداً لتهديد الموصل.
6 – القيام بتحضيرات لجلب قبائل كُردية من الشمال، بقصد تحريض قبائل جنوبي العراق على الثورة ضدّ البريطانيين (لتعويض القبائل الشمالية عن خسائرها في ممتلكاتها، وسيسمح الأتراك بنهب القرى المسيحية، بإثارة الحماس الديني [الجهاد] ضدّ البريطانيين، وقطع الطريق على أيّ أمل للكُرد في الحصول على الدعم من البريطانيين).
7 – تحصين مواقع الترك في كركوك وسليمانية، انتظاراً لنتائج المفاوضات بشأن الموصل، وتحضيراً لإرغام عُصبة الأمم على اتخاذ القرار لصالحهم (الترك).
آمال الضبّاط الكُرد:
في وضع كهذا، اعتقد الكُرد أن الترك ينوون القضاء إلى الأبد على آمال الشعب الكُردي في الاستقلال والنجاة من هيمنة الترك. وقد أَخبر الضبّاطُ الكُرد الذين كانوا أعضاء في (آزادي) الاستخباراتِ البريطانيةَ بأنهم يعتقدون أن 50% من الضباط والجنود في الجيش التركي السابع في دياربكر هم من الكُرد، وأن الضباط الكُرد يأملون في أن يتلقّوا الدعم من البريطانيين، هذا إضافة إلى اعتقادهم بأنه في حدود 20% من الضباط والجنود الترك يتعاطفون مع التطلعات الكُردية.
 
( الشيخ محمود برزنجي )
بهذا الدعم السياسي القوي جداً، قرر قادة (آزادي) تنظيم ثورة في بيت شباب ليلة 3 – 4 سپتمبر/أيلول 1924، وكان للثورة ثلاثة أهداف رئيسية: 
1 - منعُ القبائل الكُردية من الوقوع في صدام مع القوّات البريطانية في العراق. 
2 - منعُ القوّات التركية من التمركز في المرتفعات الآشورية. 
3 - إضعافُ معنويات الجيش التركي.
وكان الكُرد يأملون أنه بتحقيق هذه الأهداف الثلاثة المتشعّبة في ثورة بيت شباب، سيتوجّه انتباه الترك إلى الحركة الكُردية في جميع مناطق بِتْليس ووان ودياربكر، وستتوقّف عمليات الجيش التركي في الجنوب. 
وفي إشارة إلى الأحداث التالية، فإن ثورة بيت شباب حدثت قبل أن يتمكن قادة (آزادي) من تنسيق جهودهم مع زعماء القبائل، ونتج عن ذلك فشلُ القبائل في القيام بالثورة، إن الضباط الترك الذين قادوا عملية قمْع ثورة بيت شباب علموا بقرب وقوع الثورة، وعمدوا حالاً إلى اعتقال من شكّوا في أنهم سيساهمون في الثورة، وكما مرّ أعلاه فإن القادة الرئيسيين أُجبِروا على الهروب إلى العراق، وكانت النتيجة النهائية أن ثلاث سرايا من كتيبة واحدة، وكتيبة أخرى، هربت بشكل جماعي، ومجموع عددهم 500 خمسمئة ضابط وجندي.  إنهم أخفوا أربعة مدافع جبلية، وأخذوا معهم حينما فروا ثلاثين رشّاشاً. 
إن الكُرد كانوا حينذاك عنيدين بشكل جوهري؛ وكان من الضروري أن يبدأوا العمل خلال ثلاثة أشهر؛ لأن الترك كانوا يدركون تماماً مدى قوة وتنظيم الحركة القومية الكُردية، وخاصّة  ما يتعلّق بـ (آزادي)، واعتقد الكُرد أن الترك سيحشدون قوات كبيرة ضدّهم في الأسابيع القليلة التالية، لقمع المقاومة المنظَّمة، وكانت الحاميات التركية صغيرة نسبياً في سپتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين أول، وكان ينبغي اندلاع الثورة قبل صول التعزيزات.
وقد قيّم رجالُ الاستخبارات البريطانية الخطّةَ الكُردية، وتنبّأوا بآمال جيدة، لكن ما أثار عجبهم أن الضبّاط الكُرد لم يرغبوا في العمل ضمن الجيش البريطاني- العراقي، وأرادوا العودة من العراق في أسرع وقت ممكن إلى شمالي كُردستان للبدء بالثورة. وكان البريطانيون متخوّفين من ألاّ تكون قدرات الكُرد التنظيمية بالمستوى الذي خطّط له الضبّاط الكُرد، وعلى أيّة حال أُعجب البريطانيون بقدرات (آزادي) على إشعال ثورة بنصف فوج تركي [جنود كُرد في الجيش التركي]، وفي ثورة بيت شباب لمس البريطانيون القوة السياسية التي كانت مستمرة مدة ثلاثة عقود، واعتقد البريطانيون أن من الضروري أن تمتلك (آزادي) أسلحة قوية ضدّ الترك في حال اندلاع الحرب، وستكون تلك الأسلحة مفيدة جداً حتى في حال السلام.
إن تهديداً صامتاً بتشجيع القومية الكُردية- حسبما دوّن كاپتن من الخدمات الخاصة SSO- يمكن أن يكون عاملاً دبلوماسياً تافهاً بكل المعاني، إن التهديد الناجم عن نهوض القومية الكُردية كان ذا قيمة مهمة خلال السنين الماضية، وكان له تأثير كبير على الأعداد الكبيرة من السكان الكُرد على الحدود العراقية، وقد ذكر مؤرخو الأحداث الكُردية مراراً وتكراراً دعم (آزادي) لنشاطات القوميين الكُرد. 
وإن دعم سيّد طه للثورة في العراق يمكن أن يكون مؤشِّراً على ثورة أكبر في الشمال على الحدود. وكان واضحاً بالنسبة إلى الاستخبارات البريطانية، وبالنسبة إلى الموظفين البريطانيين المتعاطفين بعض الشيء مع الكُرد، أن تعاملاً سخيّاً مع الكُرد في العراق ومع الكُرد اللاجئين، وتشجيع شعورهم القومي- في حال إذا تمكّنوا من توفير شروط عملية- "سيمكّنهم من أن يطوّروا أنفسهم درجة بعد درجة، وإن سياسة كهذه ستذهب بعيداً في إيجاد سكان أصدقاء على الحدود الشمالية، وعلى الثلُث الشمالي من الحدود الشرقية مع إيران، وستزوّد حكومةَ العراق بأسلحة فعّالة ضدّ تركيا في مجال الدبلوماسية وفي الحرب المحتمَلة".
وفي ثورة بيت شباب، وجدت الاستخبارات البريطانية في العراق بوضوح صيغة أكثر تماسكاً لسياسة بريطانيا استمرّت لاحقاً بعض الوقت.
25 - 4 – 2015
 توضيح: هذه الدراسات مقتبسة من كتابنا المترجم " تاريخ الكفاح القومي الكُردي 1880 - 1925" المنشور عام 2013. والعناوين من وضعِنا.