دلشاد مراد : أضواء على المشهد السياسي الراهن والمخططات المعادية لثورة روج آفا

2015-03-30

على إثر الانتصارات البطولية التي حققتها وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في كوباني وتل حميس, ومع دخول روج آفا مرحلة الاستحقاقات الانتخابية في شهر آذار الجاري, تصاعدت المخططات المعادية لثورة روج آفا ولتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية من جانب بعض القوى المحلية والدول الإقليمية
 
الاستحقاقات الانتخابية في روج آفا
 
انتخابات البلدية التي أجريت في مقاطعة الجزيرة في 13 آذار 2015م, شكل تحولاً مفصلياً آخراً لثورة روج آفا بعد الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني 2014م.
وتأتي أهميتها فيما يلي:
- كانت تجربة ناجحة لأداء الإدارة الذاتية الديمقراطية مقارنة بالظروف التي عايشها شعب روج آفا ولاسيما العسكرية منه. 
- الإقبال الكبير من جانب مواطني مقاطعة الجزيرة ومن كافة الأحزاب السياسية المشاركة في الإدارة الذاتية ومن جميع المكونات على المشاركة في الانتخابات.
- فشل كافة المراهنات المحلية على إفشال الاستحقاق الانتخابي, وبخاصة من جانب المجلس الوطني الكردي الذي اعتقد أن عدم دخوله في عملية الانتخابات قد يؤثر سلباً على شرعية الانتخابات والمشاركة الكبيرة من جانب مواطني المقاطعة.
- نجاح الانتخابات يعطي أو يمنح مزيداً من القوة لموقف الإدارة الذاتية داخلياً وإقليمياً ودولياً, على أن مناطق روج آفا هي أكثر المناطق السورية استقراراً وديمقراطيةً, وإن تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية هي الحل الأنجع والبديل المناسب لما تشهده سوريا من التمزق والمآسي, والويلات التي تتعرض لها.
سيتبع انتخابات البلدية في مقاطعة الجزيرة انتخابات مجالس المناطق التي ستجرى في الخامس من الشهر القادم, ومن ثم انتخابات المجلس التشريعي بعد أشهر قليلة. وبالتالي فإن روج آفا تمر بمرحلة فاصلة تاريخية بامتياز, تمتاز بالتحول من "الإدارة المؤقتة" القائمة على التوافق بين المكونات والأحزاب السياسية إلى "الإدارة الديمقراطية" التي ترتكز على الانتخابات الحرة والنزيهة, واختيار الشعب لممثليه في مجالس البلديات ومجالس المناطق والمجلس التشريعي, وهذا الأخير ينبثق عنه مجلس تنفيذي "حكومة" يمثل إرادة المواطنين في روج آفا.
 
المجلس الوطني الكردي ... قوة وطنية أم ورقة ضغط
 
بالتزامن مع إجراء انتخابات البلدية في مقاطعة الجزيرة, قرر المجلس الوطني الكردي الانسحاب من المرجعية السياسية الكردية وعدم المشاركة في الانتخابات تحت ذريعة أنه كان قراراً فردياً من جانب حركة المجتمع الديمقراطي.
مع العلم أن إقرار إجراء الانتخابات ومواعيدها يتعلق بعمل مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية في المقاطعة من المفوضية العليا للانتخابات والمجلسين التنفيذي والتشريعي, ولا علاقة لذلك بأي طرف سياسي من أي مكون كان. وحتى أن المرجعية السياسية الكردية لم يكن لها الحق بالتدخل في هذا الشأن.
يعود انسحاب المجلس الوطني الكردي من المرجعية السياسية إلى:
- ضعفه وعدم امتلاكه لأي أوراق يمكن التفاوض به مع حركة المجتمع الديمقراطي.
- تمزق المجلس وحصول خلافات وصراعات داخله, بعد قيام خمسة أحزاب بالتكتل داخل المجلس واتخاذ قرار أحادي الجانب بطرد ثلاثة أحزاب داخل المجلس.
فيما يعود سبب عدم مشاركة المجلس الوطني الكردي في الانتخابات إلى:
- فقدانه الثقة بالذات, والخوف من نتائج خسارته المتوقعة في الانتخابات أمام القوة الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها حركة المجتمع الديمقراطي وأحزاب الإدارة الذاتية الديمقراطية.
- محاولة تقزيم أهمية الانتخابات, وإيهام الرأي العام المحلي والدولي بأن الانتخابات لم يكن فيها أي منافسة, وأن حركة المجتمع الديمقراطي انفردت بتنظيم الانتخابات.
- محاولة تقوية موقفه أمام حركة المجتمع الديمقراطي, والضغط عليها لتلبية جميع طلباتها في أي اتفاقية جديدة بين الطرفين.
وبعد الانسحاب تصاعد الخلافات والصراعات على المناصب والأموال بين الأحزاب المتبقية في المجلس الوطني الكردي, حيث عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا اجتماعاً تنظيمياً في إقليم جنوب كردستان, وأشار مصادر كردية بأن الاجتماع قد شهد خلافات بين التكتلات الثلاث في الحزب "سعود الملا, محمد إسماعيل, عبد الحكيم بشار" وأن الطرفين الأخيرين انسحبا من الاجتماع على خلفية اتخاذ إجراءات تنظيمية داخل الحزب.
كما قام أحمد سليمان عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي بإدانة تصرف حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا على خلفية تعيين مصطفى أوسو نائباً لرئيس الائتلاف المعارض, حيث كان الحزب التقدمي يسعى نحو الحصول على هذا المنصب وكان صلاح درويش شقيق سكرتيره عبد الحميد درويش مرشحه لهذه المنصب. 
ولا ننسى هنا قيام وفد من المجلس الوطني الكردي بالتزامن مع إجراء الانتخابات البلدية في مقاطعة الجزيرة بزيارة تركيا وإجراء لقاء مع وزير الخارجية التركي لبحث القضايا السياسية والعسكرية المتعلقة بروج آفا ومسألة المعابر الحدودية, وذلك في تجاوز خطير للإدارة الذاتية الديمقراطية التي هي صاحبة الشرعية في إجراء مثل هذه اللقاءات. 
التصرفات الأخيرة للمجلس الوطني الكردي تشير إلى أن انسحابه من المرجعية والتراجع في مسعاه للانضمام إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية, كان بإيعاز مشترك من تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني- العراق, وإن المجلس أصبح رهينة و أداة بيد البارزاني و أردوغان في الضغط على ثورة روج آفا ومحاولة فرض شروطهما ومصالحهما على حركة التحرر الكردستانية.
 
داعش ... وحوش بشرية
 
أحدث ظهور مرتزقة داعش على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط على خلفية الأزمة السورية تغييرات دراماتيكية ومأساوية. حيث كانوا ينشطون في العراق في البداية باسم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق", وقد استفاد هؤلاء المرتزقة من انهيار نفوذ سلطة بشار الأسد في محافظتي دير الزور والرقة وريف حلب, ليمدوا نفوذهم إلى تلك المناطق, وليسموا أنفسهم بـ " تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام". حاول مرتزقة داعش التقدم نحو مناطق روج آفا ولاسيما مقاطعة الجزيرة – مركز الحركة السياسية الكردية - في أكثر من محور " تل حميس, سري كانيه, تل تمر", لكن محاولاتهم تلك باءت بالفشل بفضل المقاومة الكبيرة التي أبدتها وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة. وبعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية قام مرتزقة داعش بالهجوم على مقاطعة كوباني من ثلاث محاور "غرباً من جرابلس, جنوباً من الرقة, شرقاً من تل أبيض" محاولين إجهاض تجربة الإدارة الذاتية وفصل مناطق روج آفا عن بعضها وضمها إلى دولتهم الإسلامية المزعومة, ولكنهم فشلوا أيضاً في مسعاهم تلك.
التوسع الجغرافي لمرتزقة داعش في مناطق واسعة من العراق وسوريا وصولاً إلى حدود كردستان ولاسيما بعد سيطرتهم على المدن السنية في العراق وبالأخص مدينة الموصل الاستراتيجية, شجعتهم على إعلان الخلافة الإسلامية, وبسبب الدعم البشري (جهاديون من كافة أصقاع العالم) والمالي (من الموارد التي سيطروا عليها والدعم الخليجي) واللوجستي (وبخاصة من الأنظمة الإقليمية, والتركي بالأخص), وحتى العسكري (استيلاؤهم على معدات عسكرية ثقيلة في معسكرات الجيشين العراقي والسوري), بدؤوا بالهجوم على جنوب كردستان في محاولة لضمها إلى دولتهم المزعومة.
هاجموا في البداية قضاء شنكال مستهدفين الكرد الأيزيديين, حيث تم تهجيرهم من قراهم ومدنهم, وسبي مئات من نسائهم وبيعهن في سوق النخاسة, وذلك في حملة وحشية لا إنسانية تحت ستار إقامة الخلافة الإسلامية. وعندما اقتربوا من مدينة هولير تدخل التحالف الغربي لإنقاذ حكومة البارزاني من السقوط, كما اتخذت حركة التحرر الكردستانية قراراً بإرسال الكريلا إلى جبهات جنوب كردستان لحماية الشعب الكردستاني من إرهاب داعش وكان لها دور كبير في تحرير مناطق واسعة من شنكال, وكذلك في تأمين ظروف بناء مجلس البناء في شنكال الذي سيكون نواة إعادة توحيد الكرد الإيزيديين ولم شملهم. 
في هذه الأثناء ازدادت ضراوة هجمات مرتزقة داعش على مناطق روج آفا, ولاسيما مقاطعة كوباني مستخدمين الأسلحة الثقيلة, وعلى الرغم من تدنيسهم لريف المقاطعة وجزء من مدينة كوباني, إلا أن وحدات حماية الشعب والمرأة وبمساعدة من فصائل في الجيش الحر والبيشمركة والتحالف الغربي, تم طردهم من المدينة ومن ثم من كامل ريف المقاطعة, حتى أن مرتزقة داعش عمدوا إلى تفجير الجسر الذي يربط مقاطعة كوباني بريف حلب خوفاً من أي حملة عسكرية من جانب وحدات حماية الشعب والمرأة لتحرير ريف حلب ( المناطق الكردية في شمال حلب).
الخسارة التي منيت به داعش في شنكال وكوباني وأخيراً في تل حميس وتل براك (جنوب مقاطعة الجزيرة) وما ترتب عليه من نتائج غير متوقعة في صفوفه من هروب جماعي للجهاديين وانشقاق عناصر قيادية فيه, دفعه إلى زج أبرز كتائبه في حملة أخرى ضد روج آفا, تركزت على الخصوص في جبهتي الريف الغربي لسري كانيه وتل تمر, وذلك في محاولة بائسة لاستهداف شعب روج آفا بمختلف مكوناته (كرد وعرب وسريان و ....) و الإدارة الذاتية الديمقراطية والهرولة نحو تطبيق مشروع خيالي " الخلافة الإسلامية", إلا أن وحدات حماية لشعب والمرأة وبمشاركة المجلس العسكري السرياني يتصدون لحملتهم تلك. وما التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا أبناء شعب روج آفا المحتفلين بعيد نوروز في الحسكة بتاريخ 20 آذار 2015م, إلا تنفيذاً لسياساتهم الوحشية وغير الأخلاقية.
 
تركيا الأردوغانية  .... مكر وخداع 
 
تشير كافة الدلائل والوقائع على أن تركيا تقوم بدعم لوجستي (فتح ممرات أمنة لمرتزقة داعش) وتقدم لهم التسهيلات اللازمة في هجماتهم على روج آفا بهدف إفشال تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية, حتى أن الصحافة الغربية تقوم باستمرار نشر تقارير عن أوجه الدعم التركي لمرتزقة داعش.
يعتمد أردوغان في سياسة مواجهة المكتسبات السياسية لشعب روج آفا على استخدام عدة أوراق منها:
- ورقة المجاميع المتطرفة من النصرة و داعش التي تسعى إلى تنفيذ مشروعهم الخيالي  "الخلافة الإسلامية", وبالتالي محاولة استنزاف طاقات روج آفا وحركة التحرر الكردستانية, وزج الكرد وشعوب المنطقة في أتون حرب مع  المجاميع الإرهابية العالمية.
- ورقة المعارضة السورية وتبنيها وتقديم كافة وسائل الدعم للتنظيمات المعارضة من الاخوان المسلمون والائتلاف وغيرهم, بغية إبعادها عن الكرد وأحزابهم الثورية الحقيقية, ورفض مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية, والاعتماد على تلك الجماعات في تشويه سمعة حركة التحرر الكردستانية.
- فرض حصار اقتصادي على روج آفا.
- ورقة الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق, من خلال تحريضه على حركة التحرر الكردستانية وتقديم التسهيلات للتنظيمات الموالية له في روج آفا (أحزاب المجلس الوطني الكردي) وشمال كردستان ( الحزب الديمقراطي الكردستاني – تركيا). وما لقاء وفد من المجلس الوطني الكردي بوزير الخارجية التركي مؤخراً سوى مخطط تركي – بارزاني مشترك لفرض قبول نفوذهما ومصالحهما وإرادتهما على شعب روج آفا.
- ورقة التحالف الغربي ضد الإرهاب, من خلال محاولة فرض شروطه على الغرب مقابل انضمامه للتحالف الدولي ضد داعش, ولعل من أبرز تلك الشروط (عدم التحاور مع حركة التحرر الكردستانية, وعدم الاعتراف بالإدارة الذاتية الديمقراطية المعلنة في روج آفا).
- ورقة عملية السلام مع حركة التحرر الكردستانية. 
 
إيران الخمينية وسوريا الأسدية .... تحالف ضد الشعوب الحرة
 
استفاد النظام السوري من توسع المنظمات الجهادية المتطرفة بما فيها داعش في سوريا, والتي أدى إلى صبغ الثورة السورية بالتطرف, مما جعل خيار إسقاط نظام بشار الأسد غير مقبول حتى الآن في حسابات الدول الكبرى.
يحاول النظام الأسدي وبدعم إيران الخمينية من استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته, ولذلك فإنها على هذا الأساس ترفض ضمنياً الإدارة الذاتية الديمقراطية المعلنة في روج آفا, وقد أكد بشار الأسد في تصريح إعلامي له أنه يرفض أي شكل من الإدارة الذاتية أو الفيدرالية. 
والنظام السوري يحاول وبتمويل إيراني تشكيل ميليشيا مسلحة تضم بعض العشائر العربية في بعض نواحي الجزيرة, وقد ظهر مؤخراً بيان لتنظيم سمى نفسه " تنظيم الجزيرة العربية" يهدد فيه الكرد, ويحذر مما سمته بانفصال الجزيرة.
والتصريح الأخير لوزير الإعلام السوري حول استعداد النظام للاعتراف بالإدارة الذاتية ماهي إلا استمرار لمحاولات أركان النظام بتعميق الهوة بين روج آفا والمعارضة السورية عبر الايحاء المتكرر بأنه يدعم وحدات حماية الشعب, حتى يتعمق في ذهن أطراف المعارضة السورية بأن الكرد ما هم إلا حلفاء للنظام, وبالتالي رفض حقوقهم المشروعة ورفض مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي يعتبر البديل الحقيقي للنظام الشمولي والقمعي القائم منذ أكثر من أربعين عاماً في سوريا.
مع العلم أنه على أرض الواقع هناك تحالف عسكري مشترك بين وحدات حماية الشعب YPG وفصائل من الجيش الحر (لواء ثوار الرقة, لواء جبهة الأكراد, كتائب شمس الشمال) في جبهات مقاطعة كوباني, ومن المتوقع استمرار هذا التحالف وتوسيعها على جبهات أخرى.
أما الائتلاف الوطني المعارض فهو ليس إلا إطار شكلي مدعوم مالياً وسياسياً من بعض دول الخليج وتركيا, وهو يضم بعض الشخصيات المعارضة في الخارج وليس لها أي نفوذ كبير على الخارطة السورية حالياً, ولذلك فإن التعويل الحقيقي في تغيير النظام ومتابعة مسيرة الثورة يبقى على القوى الثورية الحقيقية  العاملة على الأرض ومن أبرزها وحدات حماية الشعب YPG والفصائل التي تعمل معها في إطار "غرفة عمليات الفرات".
 
لايزال الوضع في الشرق الأوسط على صفيح ساخن, والحرب المشتعلة في المنطقة يشتبك فيه الطابع الإيديولوجي والطائفي والديني, فما يجري هو حرب عالمية ثالثة بامتياز , وسوريا هي مركز هذه الحرب العالمية, وبالتالي ينبغي على كافة أبناء روج آفا الاستمرار في سياسة "المقاومة والبناء" التي هي الخيار الوحيد في الخروج من الأزمة السورية بسلام وأمان, بل أن مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية يكاد هو الحل الواقعي الوحيد لحل الأزمة السورية وإنقاذه من الخراب والحرب الأهلية.
كما أن كافة القوى السياسية مدعوة للانضمام إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية ونخص بالذكر أحزاب المجلس الوطني الكردي و بعض من الأحزاب والقوى السريانية الآشورية الكلدانية. وكذلك الكف عن سياسة المراهنة على الأنظمة المعادية لثورة روج آفا  وعلى المعارضات الشكلية التي لا تملك أي مشروع ثوري حقيقي على الأرض.