كوهدرز تمر : بوادر شرق أوسط جديد تتضح أكثر ، و الكورد أكبر الرابحين

2015-03-28

عملية ليّ الإذرع بدأت ، و صراعات المنطقة التاريخية ، و أخطاء الخرائط المرسومة على يد المستعمرين تطفو على السطح .
حكمت الدول الإستعمارية الكبرى منطقة الشرق الأوسط في أوائل القرن الماضي كما معظم بقاع المعمورة ، و قسمتها وفق مصالحها و أهوائها ، و كان الشعب الكوردي أكبر المتضررين منها ، و الخارج خالي الوفاض بعد مغادرة المستعمرين (المنتدبين) الغربيين .
 
مرت حربان عالميتان و حرب باردة طويلة بين أقطاب كبرى تتحكم في هذا العالم ، و تمكنت قوى و دول الشرق الأوسط الحديثة الإستفادة من هذه التناقضات دهراً ، و فشلت ثورات التحرري الكوردستاني و ضحى الأمة الكوردية مئات آلاف الشهداء في معارك و مجازر ، في ظل صمت عالمي و تأييد هذا القطب أو ذاك لحلفائه في قمعهم للشعب الكوردي و حركته التحررية .
 
سقوط حلف  وارسو و من ورائه جدار برلين و بقاء محور الناتو القوي أفسح المجال لتأسيس دول عديدة جديدة في العالم ، و أسقطت دكتاتوريات عدة ، و منها صدام حسين المقبور أشد أعداء الكورد فتكاً حيث بمغامرته في الكويت أهدى إقليم كوردستان الجنوبي شبه استقلال من 1991م .
 
و لم يعد هناك حلفان في العالم يهمهما دول المنطقة و حكامها كما سابقاً و بدأ خلط أوراقهم في استفاقة شعوب الشرق الأوسط و ثوراتها منذ خمس سنين ، و بدأت معها مكنونات هذه الشعوب و الطوائف تطفو على السطح بكل حرية بعد قمعها لعقود من الزمن و كشفت عن ضعف و هشاشة هذه الدول و مجتمعاتها التي أجبرت بالحديد و النار على التعايش ضمن هذه الأطر المصطنعة دون إرادتتها و رغبتها .
الأقلية العلوية التي كان تحكم الأكثرية السنية في سوريا بدعم سوفييتي تارة و باسم القومية العربية تارة أخرة ، و مثلها الأقلية السنية التي كانت تحكم الأكثرية السنية في العراق أثارت النعرة الطائفية و أزاحاتا الستار عن قمع ماض مؤلم ، أضمر حقداً و حباً للإنتقام .
 
الدول العربية كالسعودية و البجرين و اليمن و الكويت التي تضم أقلية شيعية كبيرة لم يكن حالها أفضل من أخواتها ، و إيران القوية التي تقود حلفاً شيعياً و تنشر هذا المذهب منذ عقود استغلت السقوط السني في العراق و اليمن و رفضت سقوط حليفها في سوريا و أنذرت تركيا و دول الخليج بتحريك مكوناتها العلوية الشيعية و إثارة القلاقل فيها .
 
تركيا التي فهمت الرسائل الإيرانية تراجعت عن وعودها للسوريين السنة المعارضين بضرب و إسقاط بشار الأسد ، و اكتفت بدعم مادي معنوي لها ، و ادول الخليج كذلك و بقي السوريون تحت رحمة بطض آلة الأسد و أعوانه في ظل تفرج أمريكي و ابتسامة روسيا بوتين الصاعدة من جديدة كقوة عالمية .
 
التمدد الحوثي في اليمن بعد التدخل الإيراني علناً في سوريا و العراق ، و صعود الحلف أمام انهيارات سنية كانت ضربة في ركاب الحكام السعوديين و الخليجين و مصر ، و صافرة  إنذار قوية لها لمنع سقوط عدن و مضيق باب المندب الإستراتيجي بيد حلفاء إيران الشيعة ، لتبدأ حرباً جوية و دعماً عسكرياً لسنة اليمن في وجه الحوثيين حلفاء إيران .
 
حملة الدول العشر الجوية التي بدأت فجر 26\3\2015م توضح مدى الخطر الذي وقعت فيه هذه الدولة و مدى عمق الصراع السني الشيعي و مدى هشاشة الخرائط المرسومة سابقً بيد قوى عظمى ، فهؤلاء الحكام أحسوا بعد شعوبهم و طائفتهم  بكثيرة بما يجري من حولهم و أدركوا إن لم يواجهوا هذا التمدد الشيعي فإن عدوهم الآخر داعش و التكفيريون ألد أعداء الشيعة سيكبون الفرصة و السنة العرب استغلالاً و استثماراً للأحقاد القديمة المزروعة منذ أكثر من 800 عام .
 
كل ذلك يجري في منطقة قلبها كوردستان بأجزائها الأربعة ، كوردستان الكورد الذين تهمهم قوميتهم أكثر من الطائفة بعكس الشعوب الجارة و بعيدة عن صراعاتها ، يواجهون عدوين في آن واحد ، داعشي تكفيري سني يسعى لبناء دولة إسلامية وعلويون في سوريا و شيعة في العراق مكملان للهلال و المشروع الشيعي الإيراني  ، أحدهما يسعى لكسب تعاطف الكورد و إبعاده عن حلفائه المعارضيين السوريين الذين عانوا الأمرّين على يديه نصف قرن و الثاني يحاول انتزاع كركوك و أجزاء من جنوبي كوردستان .
محاولات استرضاء الكورد ما هي إلا آنية مرحلية من قبل  أطراف و قوىً و حكام عرفهم الشعب الكوردي و جربهم طويلاً ، و القيادة الكوردية الكوردستانية المتمثلة برئاسة إقليم كوردستان و الزعيم الكوردي الحكيم مسعود بارزاني ، تعرف من أين تؤكل الكتف في ظل احتراب أعداء سابقين و متربصين  و تعي مايجري من ثورة حقيقية و استنهاض للشرق الأوسط على جمع المتنافضات في دول و ضمن حدود أثبتت الايام و السنون زيفها و خطئها .
 
الشرق الأوسط الجديد الذي تتحدث عنه مراكز الأبحاث الستراتيجية الامريكية و الغربية عامة منذ عقد من الزمن بات أكثر إلحاحاً و أقرب من أي وقت مضى إلى التنفيذ ، و التقسيم الجديد لا بد أن يراعي مصالح و إرادات مكونات و شعوب هذه المنطقة الحساسة من العالم ، حرصاً على السلام و التعايش و إيقاف القتل و الدمار و تثبيط التطرف الذي يقفز عابراً القارات لا الدول .
 
كل دول المنطقة التي بحاجة إلى إعادة تفكيك و كوردستان المفككة المحتلة بحاجة إلى توحيد و تحرير و الكورد سيكونون المستفيدون الأكبر و ربما الأوحد ( كما يؤكد الخبراء) فيما يجري من صراع بعد معاناة قرن من الزمان تحت سلطات احتلالية أربعة و ضحية صراعات و تحالفات و مصالح قوى دولية عظمى .