(Dr. Ehmed Xelîl) دراســــــــات في التاريخ الكُردي الحديث ( الحلقة 21 ) ثَورة كُوچْگِري ومشروع الإدارة الذاتية

2015-03-25

زعماء وهدايا:
إن ثورة كُوچْگِري أثّرت في سياسة حكومة أنقرة، ويبدو أن تلك الثورة ساهمت في ظهور الجهود الأولى من قِبل الحكومة التركية القومية الجديدة لأن تتعامل مع "المطالب الكُردية"، وذات مرّة في أكتوبر/تشرين أول 1921 أوفدت الجمعية الوطنية الكبرى لجنة برلمانية للتحقيق في أسباب ثورة كُوچْگِري، وكان من بين أعضاء اللجنة يوسف عزّت پاشا (من بوُلو Bolu)، وراغب بگ (من آماسيا Amasya)،
وحَقّي حَميد بگ (من سِينُوپ Sinop)، وترأّس اللجنةَ صَفْوَت بگ، القائد القومي السابق لمدينة إستانبول، الذي كان في بادئ الأمر معارضاً للكماليين، ولأسباب عديدة ظُنّ أن مصداقيته عند الكُرد ستكون أكبر، وإن دِياب بگ، نائب من دَرْسيم، هو الذي نصح بأن يكون صَفوت بگ رئيساً للوفد.
إن مصدراً استخباراتياً بريطانياً في حكومة السلطان بإستانبول، وبناء على برقيّة استُقبلت من أنقرة في 21 أكتوبر/تشرين أول 1921، ذكر أن نيّات حكومة أنقرة تجاه الكُرد كانت كالتالي: "في الوقت الحاضر لن تُرسَل حملةٌ تأديبية ضدّ الثورة، لكن ستُبذَل جميع الجهود لكسب زعماء القبائل بالهدايا وبوسائل سلمية أخرى، إلى أن يتمّ عقدُ معاهدة مع الفُرس وتوقيعها، وتُنتَظَر الفرصة المناسب الفُضلى، لأنه سيكون من الضروري إرسال قوات قوية بما فيه الكفاية للتعامل مع 40,000 فارس يقاتلون في تضاريس صعبة جداً. وفي ظلّ الظروف الحالية تعتقد لجنة الدفاع الوطني أن حملة تأديبية ستواجِه هزيمةً محتومة".
ويشير التقرير الاستخباراتي ذاته إلى أن المعاهدة مع إيران- المذكورة في البرقية- تشتمل على بند يشترط على الحكومة الإيرانية أن تتعهّد بمنع الكُرد في إيران من مساعدة إخوتهم الكُرد في تركيا عبر الحدود، وأَرفقت اللجنة مع صورة البرقية الخاصة بأسباب ثورة كُوچْگِري اقتراحَ قانون يتعلّق بإدارة كُردستان، ورُفع القانون المقترَح إلى الجمعية الوطنية الكبرى، لمناقشته في وقت مبكِّر من شهر فبراير/شباط.  
مشروع الإدارة الذاتية:
في هذه الأثناء وَضعت لجنةٌ خاصة أخرى قانوناً مقترَحاً يتعلّق بإدارة كُردستان، وأُرسِل القانونُ المقترح إلى لجنة التحقيق الخاصة بثورة كُوچْگِري، ويبدو أنه في وقت مبكِّر من فبراير/شباط 1922 وصلت مُسَوَّدَةُ القانون المقترَح إلى الجمعية الوطنية الكبرى لمناقشته، وصوّت خمسة نوّاب ضدّ النظر في مُسَوَّدة القانون المرسلة. وإضافة إلى ثلاثة أعضاء في لجنة كُوچْگِري؛ صوّت صالح أفندي (من أَرْضَرُوم )، وصلاح الدين بگ (من مَرْسِين)، ضدّ مناقشة مسوَّدة القانون. وعلى أيّة حال فقد وافقت الأكثرية على مناقشة المُسَوَّدة، على أن تكون المناقشة في جلسة سرية في 10 فبراير/شباط. وإن بعض الأعضاء في حزب الدفاع الوطني (Milliye Cemiyeti dafaaüM)، وفي حزب الدفاع عن الحقوق (Hukuk Cemiyeti i-dafaaüM)، فضّلوا مسوَّدة القانون، وعارضها 64 عضواً.
وقد افتتح صالح أفندي المناقشة قائلاً: 
إن الطلبات الكُردية لا يمكن حلّها بهذه الإجراءات السطحية الواردة في مسوَّدة القانون المقترح، وأعلن أنه إذا كان الاضطراب المُقاد من قِبل مصطفى پاشا، الذي انتقل إلى قيادة كُوچْگِري وكُرد دَرْسيم، قد هدأ، فإن الكُرد الذين اعتُقلوا خلال ثورة كُوچْگِري في صيف 1921 سوف يُطلَق سراحهم، وتَذرَّع بأنّ من مصلحة البلاد أن تُصاغ توصياتُ لجنة التحقيق في مسوَّدة القانون بعبارات عملية ممكنة التطبيق، وأضاف أنه يعرف أن جواد پاشا، القائد المسؤول، قد اتّخذ الإجراءات ذاتها، و"حينما كانت البلاد في حرب ضدّ اليونانيين، لم يكن من السهل التعاملُ مع موقف من هذا الشكل". 
وأضاف صالح بگ أن ثورة كُوچْگِري حدثت بسبب استبداد إدارة حكومة أنقرة وموقفها من الخلافة، وكان من رأيه أن "استخدام العنف سيعقّد الموقف، ومن الهُراء القولُ بأنه لم تكن ثمّة ثورة في كُردستان، ولا أحدَ بحاجة إلى دليل على ذلك، في حين يمكن أن تُرى القرى بوضوح". واستنتج صالح أفندي أن الثورة كانت قد تلقّت التأييد من الأمير فيصل [= بن الحسين والي الحجاز] ومن البريطانيين، "ومن مصلحة البلاد ألا يتمّ التعامل مع هذه المسألة بالعنف"، وقد عارض بعض النوّاب الكُرد مسوَّدة القانون، وأيّدوا صالح أفندي بقوّة، لكن الغالبية العظمى (373 نائباً ضدّ 64 نائباً) فضّلوا مسوَّدة القانون، وإذا أخذنا في الحُسبان أنه كان في الجمعية الوطنية الكبرى حوالي 72 نائباً كُردياً، فيتضح أن معظمهم وقفوا ضدّ مسوَّدة القانون.
 
( الملك فيصل بن الحسين )
وليس من الصعب معرفة أسباب وقوف معظم النوّاب الكُرد ضدّ مسوَّدة القانون، مع أن المادة 1 من مسوَّدة القانون- حسب التقرير البريطاني- تنصّ على أن الجمعية الوطنية الكبرى يجب أن تتكفّل "بإقامة إدارة ذاتية لأتباع القومية الكُردية، بما يتوافق مع تقاليدهم القومية"، ونصّت المادّة II على أنه "يمكن اختيار الحاكم العامّ من قِبَل الوجهاء الكُرد، مع مساعدٍ للحاكم العامّ ومفتّشٍ يمكن أن يكون تركياً أو كُردياً، حسبما تقرّر الجمعيةُ الوطنية الكبرى". 
لكن المادّة III تنصّ على أن الجمعية الوطنية الكبرى هي التي ستختار الحاكم العامّ. وفي نهاية السنة الثالثة (بحسب المادّة IV)  سيتمّ اختيار حاكم جديد عامّ من قِبل "الجمعية الوطنية الكُردية"، ومع أن الجمعية الوطنية الكبرى هي التي ستقرّر ما إذا كان مساعد الحاكم العامّ تركياً أو كُردياً (المادّة V)، فإنه انتخابه سيكون مباشرة من الجمعية الوطنية الكُردية، وإن ترشيح الحاكم العامّ ومساعده والمفتّش يجب أن يقدَّم إلى حكومة أنقرة للموافقة على أسمائهم.
الكُرد والخِيار الوحيد:
تنصّ المادّة VI على أن منطقة كُردستان الإدارية ستُشكِّل في الشرق من ولايات وان وبتليس ودياربكر وسَنْجَق (مقاطعة) دَرْسيم، مع الأقضية والنواحي المحدَّدة الأخرى (المناطق الإدارية الأصغر)، إن هذا البند جعل د. أ. أوزبورن D.A. Osborn في وزارة الخارجية يعتقد أن هذه العبارات تكافئ الوطن القومي الكُردي، مثلما أُنشئ الوطن القومي لليهود في فلسطين. وإن المادة XV تنصّ على أنه فقط يمكن استخدام اللغة التركية في الجمعية الوطنية الكُردية وفي الإدارة، وستُستخدَم اللغة الكُردية في المدارس، إضافة إلى أنه من حق الجمعية الوطنية الكبرى الإشراف على معظم الميزانية الخاصة بمنطقة "الإدارة الذاتية". إن مسوَّدة القانون المقترح وثيقة مهمّة، باعتبارها الوثيقة الوحيدة المتوافرة من هذا النوع.
من الواضح أن المسألة الكُردية رُبطت بمسألة الخلافة، وبمعارضة بعض النوّاب للكمالية، ويرى البعض بوضوح أن دعم الكُرد للخلافة شكّل قوّةَ دَفْعٍ ضدّ مصطفى كمال، الذي ازدادت معارضته في ربيع 1922، كما أن خطاب صالح أفندي يشير إلى اعتقاد أصيل بأنه ينبغي التعامل مع الكُرد بوسائل غير عنيفة، وإنه يبيّن أيضاً أن النوّاب الكُرد- بالرغم من تأييدهم للحكومة الكمالية، ومن حقيقة أنه لا أحد منهم تكلّم بشأن القسوة التي قُمعت بها ثورة كُوچْگِري- كانوا يشعرون أنهم يستطيعون الحصول على أكثر مما قدّمته مسوَّدة القانون فيما يتعلق بالحقوق والتطلّعات الكُردية، وهذا يفترض أنه حتّى النوّاب الكُرد في البرلمان كانوا يأملون في الحصول على حكم ذاتي أكثر مما وُعد به في مشروع "إدارة منطقة كُردستان".
ومن جانب آخر، ثمّة ما يشير إلى أن التُّرك- على الأقلّ أولئك الموجودون في الجمعية الوطنية الكبرى- ما كانوا يفضّلون اللجوء إلى القسوة المتعمَّدة وسياسة العنف ضدّ الكُرد، وعلى أيّة حال فإن مسوَّدة القانون المقترح تبيّن أن التُّرك- بمختلف اتجاهاتهم السياسية- ما كانوا يتقبّلون الاستقلال، أو حتى الحكم الذاتي، بأيّة دلالة يعنيها هذا المصطلح، وفي الغالب يبدو أن التُّرك كانوا يتقبّلون سلطة كُردية أكبر في المنطقة الإدارية المحدَّدة، وفي منطقة جغرافية محدَّدة. وينبغي الأخذُ في الحُسبان أن ما كان يبدو أنه تفكير سياسي تحرّري- وخاصّة بالمقارنة مع التطورات اللاحقة- كان تفكيرَ النواب، وليس تفكيرَ المستشارين المقرَّبين من مصطفى كمال الذين كانوا يقررون السياسات.
وبما أن مناقشة مسوَّدة قانون كهذا في الجمعية الوطنية الكبرى يشهد على الحرية النسبية في أن تناقش هذه المؤسسةُ (الجمعية الوطنية الكبرى) المسألةَ الكُردية علناً، فلاحقاً سيكون من الصعب جداً ومن المكروه أن يتمّ ذلك، خاصة بعد معاهدة لوزان Lausanne (في 24 يوليو/تموز 1923)، وإنه كان يعني أيضاً الإبقاءَ على تأييد الكُرد في أوقات زاخرة بكثير من التحدّيات من قِبل دولة الشبّان التُّرك (جون ترك). إن نشاطات القوميين الكُرد أوجدت انبعاثاً جديداً بعد معاهدة لوزان، أدّت مباشرة إلى اندلاع ثورة الشيخ سعيد. وبعد المعاهدة التي لم تتضمن أيّ ذكر لكُردستان مستقلة أو لأرمينيا، لم يبق لدى الكُرد خيارٌ آخر سوى الحصول على حقوقهم القومية الكبرى باللجوء إلى القوة المسلّحة. 
الثلاثاء 24 - 3 – 2015
 توضيح: هذه الدراسات مقتبسة من كتابنا المترجم " تاريخ الكفاح القومي الكُردي 1880 - 1925" المنشور عام 2013. الكتاب من تأليف روبرت أولسون، والمعلومات مستمدّة من الوثائق التركية، ووثائق القوى الكبرى الأخرى، وخاصّة بريطانيا.  
 العناوين من وضعِنا.