Dr.Sozdar Mîdî : إلى متى نُؤبْلِس ملكَنا العظيم أَزْدَهاك في نوروز؟!

2015-03-24

بداية أهنّئ شعبنا بعيد نوروز، وأنحني إجلالاً لقوافل شهدائنا وعظمائنا عبر التاريخ، كانوا وسيظلّون شمسَ يزدان، يضيئون لنا الطريق إلى الحرية، وكانوا وسيظلّون شامخين في تاريخنا كقمم زاغروس وطوروس، نستلهم منهم العزيمة والإصرار والفخار. وبهذه المناسبة القومية، أضع الحقيقة التالية أمام شعبنا.
نحن محتلّون ثقافياً:
نحن الكرد مبتلون بصنف من أكثر المحتلّين مكراً وتوحّشاً، إنهم لم يكتفوا باحتلال وطننا كُردستان، وإنما احتلّونا ثقافياً أيضاً، فقضوا على القسم الأعظم من ثقافتنا، وهمّشوا الباقي، وفرّغوا ذاكرتنا الوطنية، وزرعوا في قسم غير قليل منا ثقافةَ الهزيمة والاستسلام والتبعية والعبودية، ثقافةَ معاداة الهوية القومية، وهذا هو الخطر الأعظم.
ولنأخذ مناسبة نوروز مثلاً، فهو عيد قديم جداً للشعوب الآرية، تاريخه الحقيقي غير معروف، وقد تعود نشأته إلى العهود التي كانت تعيش فيه الشعوب الآرية في الوطن الآري (آريانا ڤيجا) قبل أن تنتشر جنوباً نحو الهند، وشمالاً وغرباً نحو روسيا وأورپا، وغرباً نحو جبال زاغروس. والأرجح أن الوطن الآري كان يقع في النصف الشمالي من أفغانستان والمناطق التي تجاورها شمالاً وغرباً، وكعادتهم ادّعى بعض المؤرّخين الفرس أن عيد نوروز نشأ في عهد ملكهم الأسطوري جَمْشيد ( ). 
وفي نوروز تتوحّد الدلالات الدينية والقومية والوطنية والطبيعية والسياسية، ففي 21 مارس/آذار من كل عام يتساوى الليل والنهار، وتزدهر الطبيعة. ولنوروز علاقة وثيقة بتقديس الشمس، باعتبار أن الشعوب الآذرية شمساني العقيدة والثقافة، واحتفظ عيد نوروز بمكانته الدينية والوطنية في الزردشتية، وصار على العموم يوماً قومياً وطنياً، تعبّر فيه الشعوب الآذرية عن ابتهاجها بقدوم العام الجديد، وتؤكد انتماءها إلى تراثها العريق.
وبالنسبة لنا نحن الكرد، أصبح عيد نوروز رمزاً إلى عشق الحرية والطبيعة، وجسراً يربطنا أسلافنا، وتعبيراً عن رفض الاحتلال، وحينما يعادي بعض الإسلاميين الكرد عيد نوروز، ويصرخون: " نوروز ليس عيداً، النبي محمّد لم يحتفل به، والصحابة لم يحتفلوا به، والتابعون (الجيل الذي يلي الصحابة) لم يحتفلوا به". أليس هذا دليلاً على أنهم محتلّون ثقافياً، وأنهم تلامذة ثقافة الهزيمة والعبودية؟ وهل شيطن شيوخ الإسلام العرب والفرس والترك أعيادَهم القومية والوطنية؟ 
إن شيطنة نوروز ظاهرة شديدة الخطورة، وهي دليل على أن المحتلّين سيطروا علينا في العمق، وتحكّموا في عقولنا ومشاعرنا، فجعلونا نتبارك بتاريخهم وتراثهم وقادتهم، ونعادي هويّتنا القومية، ونهمل تراثنا القومي، ونؤبلِس ونشتم بعض أعظم قادتنا، وهذا بالتحديد ما نقوم به منذ أجيال في عيد نوروز. وإليكم التوضيح:
المؤامرة على ملكنا أزدَهاك:
قام أسلافنا الميد بتحرير أقربائنا وجيراننا الفرس من ظلم إمبراطورية آشور، وألحقوهم بمملكة ميديا بما يشبه الاتحاد الكونفيدرالي، وفي سنة 553 ق.م تآمر الملك الفارسي كورش الثاني مع قائد الجيش الميدي هارْپاگ Harpage (هارپاجوس)، وزعماء ميد آخرين، ضدّ الملك الميدي الأخير أَزْدَهاك/أَزْهي دَهاك (أَسْتِياگ ( Astuages( ). 
وأرجّح أن اسم أزْدَهاك مؤلّف من مقطعين (أَزْد/يَزْد) و(دَياك)، أي دَياكو اليَزداني، نسبة إلى الإله يَزْدان، أما المقطع (دَياك) فهو على اسم الملك دَياكو؛ جدّ الأسرة الميدية الحاكمة، وهو الذي وحّد الميديين، وأسّس مملكة ميديا، وثار على الحكم الآشوري، واسمه الحقيقي (دَهْياكو)، بمعنى (زعيم)، وورد في المراجع العربية بصيغة (دَهْقان)؛ أي زعيم القرية أو المنطقة، وما زال هذا الاسم باقياً في اسم مدينة دَهُوك. 
وقد وقع دَياكو في أسر دولة آشور، وبعد وفاته استكمل ابنه فَراؤرْت الثورة، وقُتل في إحدى المعارك، ثم استكمل كَيْخُسرو Kai-Khosru بن فراؤرْت الثورة، وانتصر مع حلفائه الكَلْدان على مملكة آشور سنة 612 ق.م، وتوفّي كَيْخُسرو سنة 585 ق.م، وصار ابنه أَزْدَهاك ملكاً على ميديا، وجعل المملكة إمبراطورية؛ فأوصلها حدودها إلى الصين شرقاً، وإلى البحر الأبيض المتوسط غرباً، وإلى المحيط الهندي جنوباً، ويمكن القول بأنه الإمبراطور الوحيد في تاريخنا القديم، وهل كان من الممكن أن يحقق ذلك لولا أنه كان قائداً حازماً، وعسكرياً بارعاً، وإدارياً قديراً، وافرَ الطموح، عاليَ الهِمّة؟
إن الملك أزدَهاك تصدّى لكورش والمتآمرين الميد ببسالة، ودافع عن الإمبراطورية وعن العاصمة أَگْباتانا، ولم يستسلم ولم يهرب، لكن الطابور الخامس في المجتمع الميدي خانه، فوقع في الأسر، فأرسله كورش وهو معتقل إلى إحدى المناطق الشرقية، وفي الطريق تُرك يموت في الصحراء جوعاً وعطشاً سنة 549 ق.م( ). 
وتعالوا لنرى ماذا فعل الفرس بملكنا العظيم أزْدَهاك؛ إنهم لفّقوا لهيرودوت خرافة طويلة، جعلوا فيها كورش محاطاً بالرعاية الإلهية منذ طفولته، وجعلوا أَزْدَهاك طاغية يعمل بنصائح إبليس، واختلقوا قصّة أن حيّتين نمتا على كتفيه، فكان يقتل كل يوم شابّين، ويجعل مخّيهما غذاء للحيّتين، وجعلوا اسمه (أژْدَها) Ejdeha أي التنّين، فثار عليه الشعب بقيادة حدّاد يدعى (گاوا) وليس (كاوا/كاوِه)، واستلم فَريدون (أفْريدون) السلطة، فقبض على أزدهاك، وسجنه في جبل دُنْباوَنْد، ثم قتله، فسُمّي ذلك اليوم (نوروز)( ).
إن المؤرّخين الفرس أدخلوا هذه الخرافة إلى المراجع الإسلامية، وتناقلها بعض المؤرخين المسلمين من غير تدقيق. ووصلت هذه الخرافة إلى العصر الحديث بالكيفية التي صاغها الفرس، وأخذناها نحن الكُرد من غير تفحّص، ورحنا في كل عيد نوروز نشتم ملكنا العظيم أزدَهاك ونشيطنه، ونتّخذه رمزاً للشرّ، ونهوي بمطرقة كاوا على رأسه.
 
في كتاب "مملكة ميديا"، ذكرتُ باختصار هذه المؤامرة الفارسية على ملكنا أَزْدَهاك، ومنذ شهرين قرّرت العودة إلى الموضوع من جديد بشيء من التوسّع، وحينما أنتهي منه سأضع النتائج بين أيدي شعبنا، وهدفي من ذلك أن نضع حدّاً لهذا الاحتلال الثقافي الفارسي، ونقرأ تاريخنا قراءة صحيحة، وننصف ملكنا العظيم أَزْدَهاك، ونطهّر عيدنا نوروز من الإساءة إلى واحد من أهمّ أعمدة تراثنا وتاريخنا.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان.
20 – 3 - 2015