فائق اليوسف : انتفاضة قامشلو 2004 وغرفة عمليات الأخبار .. حقائق تذكر للمرة الأولى

2015-03-14

بحكم علاقتي الشخصية مع المرحوم الملا عبدالله ملا رشيد حضرت خطبته يوم الجمعة 12 آذار 2004، وما إن أوصلناه أنا وطالبه الصديق عبدالرحيم مقصود إلى منزله وبعد حديث عام، خلال الطريق، استودعتهما، لأعود إلى البيت، وكان أخي كرم وأحد أعمامي و بعض أبناء الحي   قد توجهوا إلى الملعب البلدي في المدينة والذي كان يسمى بملعب “7 نيسان” لحضور المباراة فريق مدينة قامشلو “الجهاد” مع منافسه “الفتوة”القادم من دير الزور.
 
 
 
بعد وصولي إلى البيت وجدت نساء ورجال الحي وشبابه، ممن لم يحضروا المباراة في حالة ذعر وقلق وارتباك، بعد سماعهم  خبر مقتل طفلين في ملعب  قامشلو، أذاعه الراديو السوري الرسمي ،  وأن ذلك تم، نتيجة أحداث شغب” كما أسماه هذا المصدرالإعلامي. 
 
 
 
 كانت والدتي من بين أهالي الحي الذين هرعوا إلى الشارع للاستماع إلى أحد العائدين من الملعب يخبرهم عما حدث في الملعب، ووقائع  مجريات أحداث الملعب- وكانت في بدايتها-  وراحت النسوة، ومنهن أمي تستفسرن عن أبنائهن،  وفجأة  بدا أحد جيراننا عائداً من سوق المدينة  إلى بيته وهو يبتسم – الرجل من أصول كردية لكنه لا يتحدث الكردية في بيته- وقال بصوت عال ما إن وصل إلى المكان: إنهم يتعاركون  في داخل الملعب  ….، وسيول الدماء تجري في الشوارع.
 
 
 
 هرعت صوب والدتي لأستفسر منها ما الذي قد حدث؟،  وعندما وصلتني أطراف الحديث حول فحوى  ما يجري،  هرعت  لآخذ دراجة هوائية من أحد الجيران، متوجهاً بها إلى الملعب، لأبدأ بالبحث عن أخي و عمي، وأتقصى ما جرى ويجري..
 
 
 
 في الطريق، وجدت  أفواجاً من الناس تتوجه  إلى الملعب وهم في حالٍ يشبه حالتي، بالإضافة إلى آخرين كانوا يحثون خطا العودة إلى بيوتهم، بينما أنا  أوزع نظراتي يميناً ويساراً، فلم  أجد أحداً ممن أبحث عنهم، حتى وصلت إلى داخل الملعب، وكان رجال الأمن قد أدخلوا جمهور نادي الفتوة  إلى داخل المنطقة المحددة للعب المباريات والمحاطة بسياج حديدي.
 
 
 
 وما إن وصلت إلى  منتصف ساحة الملعب، وأنا أقود الدراجة وكنت وحيداً في تلك المنطقة حتى بدأ الأهالي من الخارج ممن جرحوا  أو  شاهدوا بعيونهم هؤلاء الذين  أصيبوا  بجراح بليغة  من قبل جمهور الفتوة الذي قد أعد العدة  مصطحباً معه حجارته وسكاكينه، لاسيما أن  رجال الأمن  قد أوعزوا إليهم بضرورة  الاستعداد لمواجهة الجمهور المحلي، ما جعلهم يملؤون الأكياس بالحجارة، وهو ما أعلمني به صديق لي من دير الزور هو “م س”،  ولذلك فإن  الشباب  الغاضب  بدأ هو الآخر برمي عناصر الأمن وجمهور الفتوة، من خارج الملعب،  بالحجارة  التي  رميوا بها من قبل جمهور الفتوة.
 
 
 
 أثناء ذلك بدأ عناصر الأمن وبإيعاز مباشر من المحافظ سليم كبول وهو من أهالي محافظة السويداء الذي أطلق الرصاصة الأولى بإطلاق الرصاص على المتجمهرين من أهالي المدينة، ما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من الشباب. بعيد ذلك وبفضل الله تمكنت من الوصول إلى الجانب الآخر من الملعب، وخرجت، والتقيت بأخي وعمي، و أعلمتهما بأن والدتي  قلقة عليهما،   لكننا  بقينا في  المكان،  لنبدأ بإطلاق  الشعارات مع الآخرين ، ضد النظام،  إلى أن غادرنا الملعب بعد ذلك، لنبدأ بالتجول في شوارع المدينة مع صديق لي،  ونحن على الدراجة التي أقودها، وليشتم  صديقي “بشار الأسد ونظامه المجرم.
 
 
 
 
 
 عملية التصوير الأولى:
 
 
 
ما أن انتهينا من التجوال في شوارع المدينة، حتى سارعت آنذاك إلى الصديق “باز” أو كما كان يسمى “بازو” شقيق الدكتور فاروق إسماعيل لأطلب منه "كاميرته" ونقوم بالتصوير ليخبرني بأن بعض الأصدقاء قد سبقوني إليها، لاحقاً، علمت بأن الصديق سعود حسين  وبعيد الهجمة على الشباب الكرد قد حمل" كاميرته" و صعد أعلى إحدى الأبنية المحيطة بالملعب مع بعض الأصدقاء، ليقوم بتصوير الأهالي خارج الملعب وهم يتجمهرون ويتظاهرون، إلى أن سقط البعض منهم بين جريح وشهيد، حتى لحظات خروج عناصر الأمن من الملعب وإطلاق النار على المارة، وكانت كاميرته الأولى التي خصصت لخدمة الانتفاضة.
 
وما أن تم الانتهاء من التصوير حتى قام سعود وبالتنسيق مع نصرالدين وبعض الأصدقاء بتحويل الفيديو أو المقطع المسجل من الكاسيت العادي إلى سيدي وإرساله مع حسن زكي أو كما يعرف بـ حسن خاني صوري إلى بيتنا، والذي ظل يتردد إلى منزلنا لمدنا بالمعلومات والمقاطع مع نصرالدين أحمه، و بدونه أحياناً لإنشغال الأخير بنشاطه الفني والميداني.
 
 
 
كثيرون- في الحقيقة- صوروا الكثير من المشاهد التي تمت، لكن ما قدم منه لوسائل الإعلام عبرنا فقد كانت عبارة عن مشاهد تتراوح بين النصف دقيقة أو الدقيقة أو الدقائق، وربما من بين اللقطات التي أخفيت أو أتلفت لقطة إطلاق محافظ الحسكة المدعو سليم كبول أول رصاصة على الجمهور، وأعلمنا في منزلنا عضو في أحد الأحزاب الكردية أنه سيؤمن اللقطة المصورة، وحديث المحافظ إلخ، لكنه لم يف بوعده، ربما لتهرب مصور اللقطات أو لغير ذلك من أسباب، وكان أحد أصحاب الاستديوهات صور بعض اللقطات، ولكن يبدو أن الإعلان عنها تأخر، كما أن هناك من قام بالتصوير الفعلي، ولكنه أخفى ما عنده، بل قيل إن أحدهم كسر كاميرته خوفاً.
 
 
 
 
 
 أول مداخلة إعلامية مع فضائية الثورة Roj TV و الإعلان عن أن محافظ الحسكة وهو من السويداء أمر بإطلاق الرصاصة الأولى على العزّل:
 
 
 
 
 
عندما عدت إلى المنزل لأبدأ بنشر الخبر في موقع "كسكه سور" أي قوس قزح بالكردية "أول موقع الكتروني سياسي شامل كردي قد أسّس في سوريا أواخر العام 2001″ والذي كان يدار من قبل  أفراد العائلة ":  أخوتي: كرم، أيهم، آراس و أنا” وكذلك في موقع عامودا.كوم الذي كان يدار من قبل الصحفي سيروان حجي بركو الذي  مدير راديو آرتا حالياً، وبينما نتناقش وإذ بفضائية ” Roj ” فضائية الانتفاضة آنذاك، تتواصل مع والدي وتعلمه بأن  أحد معتمديهم في قامشلو لم يجب على مكالمتهم بل وقام بإغلاق هاتفه.
 
 
 
 
 
 
 
كان تواصلي مع أغلب إعلاميي فضائية Roj وتحديداً مع نواف خليل و طارق حمو، وذات مرة -قبيل إرسال القرص إليهم- قاموا بإعطائي مفتاح الموقع لتحميل مقطع فيديو من المقاطع المصورة لدينا على موقعهم، إلا أننا لم نتمكن من القيام بذلك بسبب  بطء خطوط الانترنت الـ Dial up وعدم توافر خطوط ال DSL السريعة آنذاك.
 
 
 
 في ذلك المساء تواصلنا ” أنا و إعلاميي فضائية Roj منهم الإعلامي حليم يوسف و آخرون مطولا، حيث بدأ الاتصال بيننا الساعة 9 مساءً وانتهت المكالمة الساعة 12 و ربع بعد منتصف الليل، تخلل ذلك فقط انقطاع لمدة اقل من دقيقة.
 
 
 
 
 
 
 
 نشر أول مقاطع فيديو ومخاطر الارسال:
 
 
 
وجدنا في ذلك الوقت لزاما علينا إيصال القرص – الذي يحوي مقاطع الفيديو- إلى تركيا لإرسالها إلى فضائية Roj  وفضائيات كردستان العراق وتركيا و أوربية، فخرج أخي كرم و أخي الصحفي آراس يوسف -وهو مدير عام راديو ولات حالياً و هو ثاني شخص قام بالبث المباشر خلال الثورة السورية وربما الأول بحسب بعض المراكز الإعلامية المعنية المعروفة في الثورة السورية منها مركز سمارت وهو مع أصدقاء آخرين من  أقنع الجهات المشرفة على تسميات أيام الجمع بتسمية “جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية”  بعد انطلاق الثورة السورية، ولديه رسائل  و وثائق تثبت ذلك-  وقمنا  وبالتعاون مع الصديق دلكش شيخموس بوضع القرص في علبة مطبوع عليها  صورة واسم فيلم ” بافي طيار” وهو فيلم كوميدي كردي وإدخاله من الحدود من خلال امرأة مسافرة  من معارف دلكش التقيناها في النقطة الحدودية لتوصله إلى الطرف الآخر من الحدود في الجانب التركي، ليصل القرص ليد  د. محمد محمود  في نصيبين” ويقوم بإرسال نسخة منه إلى فضائية روج  التي عرضته كاملاً في اليوم الثاني ، ونسخة أخرى إلى الأخ سيروان حاج بركو وغيرها إلى  فضائيتي Kurdistan TV وكردسات لعرضها …
 
 
 
وبينما أعطى دلكش القرص لامرأة عجوز لإيصاله إلى الجانب التركي، بقي آراس و دلكش” وكانا في الخط الأول بينما أنا وكرم كنا  في الخط الثاني معنا نسخ أخرى تحسباً لاعتقالهما”  فقد كنا واقفين في الجانب السوري، خشية تعرض تلك المرأة للاعتقال والكشف عن محتوى القرص، لأن دلكش وآراس  كانا قررا أن  يضحيا بنفسيهما، والتصريح بأنهما المسؤولان عن محتوى القرص في حال اعتقال المرأة، وقد تكون عقوبة  ذلك- آنذاك- الإعدام، لخطورة الموضوع، لاسيما أن هناك من وقع الشريط في يده وأوصله إلى سائل إعلام  خارجية” وهو ما كتب عنه مطلعون في أوربا وبالتفاصيل واعترف بذلك من قام  بالأمر وقدم آنذاك بعض مبرراته”.
 
 
 
 لاحقاً قمنا أنا ودلكش بمحاولة إيصال قرص آخر- يحوي مقاطع جديدة-  بوساطة شخص آخر، بينما كان ذلك الشخص في الجانب السوري وإذ بالشخص المقصود في الجانب التركي – والذي استلم القرص من المرأة العجوز أول مرة من الحدود التركية وأوصله ليد د.محمد محمود، يدخل  إلى الجانب السوري، ولعلمه بمحتوى القرص رفض الاستلام و راح يرفع صوته، وكان آنذاك الموقف حساساً بل خطيراً جداً، وقد تم تجاوزه بصعوبة بالغة.
 
 
 
الى جانب الفضائيات والموقعين السابقين اللذين ذكرتهما، تم تشكيل مجموعة من المواقع منها Rojava , Kurd roj , KNN حيث أتذكر بعض المشرفين على هذه المواقع منهم " فرهاد أحمه، قادو شيرين وصحفيين آخرين "، وكان لهم دور كبير في التواصل مع الداخل وتشكيل غرفة أخبار في الخارج آنذاك، وكان لهذه المواقع بعض المراسلين إلى جانب اعتمادهم على فريقنا الإعلامي ومن هؤلاء الإعلامي الشاب عبدالرزاق سليم والمتدرب لدى مكتب العربية في تركيا و الذي كان يمد موقع كرد روج وجهات أخرى بالأخبار، وزارني في اليوم الأول والثاني، ولكنه في عصر اليوم الثاني من الانتفاضة- وكنت أمده بالأخبار ومقاطع الفيديو- وخرج متأخراً عن موكب التشييع من منزلي. وعندما خرج ليلتحق بالموكب، استقل سيارة تكسي/ أجرة ولأنه رفض أن يقوم أحد ضباط النظام ممن أوقفوا التكسي بالاعتداء على  إحدى الراكبات ، تعرض للضرب والإهانة ومن ثم الاعتقال لحوالي الشهر. كما أنه تعرض للاغتيال لاحقا من قبل أحد أقرب أصدقائه.  
 
 
 
 
 
 والدتي: هبوا الى الشارع، فلستم أحب إلي من أبناء الناس إلى أمهاتهم:
 
 
 
بعد تغطية اليوم الأول ونشر الأخبار وإيفاد الوكالات والفضائيات العربية والعالمية بالأخبار والصور، وبسبب الأرق الشديد تأخرنا  في اليوم الثاني في النوم حتى الساعة الـ 10 صباحاً، إلا أن والدتي جاءت لتوقظنا وتطلب منا الالتحاق بمراسيم الدفن التي ستنطلق من أمام جامع قاسمو الشهير في الحي الغربي في قامشلو، وتقول لنا: ” هيا استيقظوا، وشاركوا في موكب تشييع جنازات الشهداء الذين سلمت لأهليهم في وقت متأخرمن الليل،  فلستم أحب إلي من أبناء الناس إلى أمهاتهم”.
 
 
 
 
 
 العمل الميداني:
 
 
 
بعد التواصل والتنسيق بين مجموعة من الناشطين كنا من بينهم وكان بيتنا عنوانهم، قسمنا العمل مابيننا إلى قسمين: كادر ميداني خارجي وكادر للتواصل والمراسلات وكانت مهمتي مع أخوتي الجانب الإعلامي وايصال الصوت للعالم الخارجي ولكرد باقي أجزاء كردستان والمقيمين في الغرب.
 
 
 
من خلال التنسيق كان يزورني على الدوام الصديقان نصرالدين أحمه و منذر أوسكان ويمدانني بمقاطع الفيديو وأنا بدوري أقوم بصياغة الأخبار بناء على مجريات الأمور والمتابعة وأقوم بأخذ صور من مقاطع الفيديو وأنشرها،وأرسل  هذه الصور كذلك لـلأخ سيروان حجي بركو.
 
 
 
 من الحوادث التي ظلت عالقة في ذاكرتي، ذات مرة قام نصرالدين أحمه و منذر أوسكان بمحاولة إيصال مقاطع الفيديو المنسوخة على سيدي موجود في حي قدوربك إلي وأنا في الحي الغربي،  حيث قاما بنسخها  في نسختين، و كانا  يسيران متباعدين،  ليستطيع  أحدهما إيصال القرص إلي، في حال اعتقال الآخر.
 
 
 
 
 
 وفد حقوقي سوري الى منزلنا في قامشلو:
 
 
 
زار وفد كبير من ناشطين وحقوقيين سوريين بينهم الحقوقي ” هيثم المالح و ياسين الحاج صالح” وآخرون، مدينة قامشلو لرصد الواقع والإطلاع عن كثب على مجريات الأمور، فقصدوا منزلنا، من خلال صديق الأسرة الشهيد مشعل التمو،  والتقوا مع شخصيات ثقافية وحقوقية و سياسية كردية.
 
 
 
و نظراً إلى الحاجة  إلى  نسخ موثقة  من الجرائم المرتكبة خلال الأيام الماضية، فقد قمنا بتوزيع  نسخ مقاطع الفيديو،  للضيوف الموجودين في الندوة الجماهيرية التي تمت في بيتنا قام باستنساخها الشهيد مشعل التمو بعد أن أعطيناه مقاطع الفيديو،  وفيه عدد من المقاطع التي تبين الكثير من الانتهاكات التي تمت داخل الملعب، وقمنا بعد انفراج الأمور بشراء نسخ”الفيديو” من محل كمبيوتر عائد للسيد دلبرين محمد، لنقوم بتسجيلها عن طريقه، أو في منزلنا.