(Dr. Ehmed Xelîl) دراســــــــات في التاريخ القومي الكُردي الحديث ( الحلقة 7 ) ألوية الفرسان الحَميدية الكُردية (الجزء الرابع) هذه إيجابيات الألوية الحَمِيدية

2015-01-27

تعميق الوعي القومي:
كانت الألوية الحميدية في القمّة من الأهمّية ضمن مسيرة تطوّر الوعي القومي الكُردي بين سنتي (1881 - 1914)، إنها عملت كنقطة ارتكاز أساسية للقوة الكُردية طوال عشرين سنة، وما سبق أن كان للكُرد مثل هذه القوة والنفوذ الكبير منذ سنة 1847.
ومن سنة 1895 إلى سنة 1914 كان للكُرد 50,000 خمسون ألف مقاتل تحت السلاح، وربما كان العدد أكثر من ذلك إلى حدّ كبير، وكان معظمهم مقيمين في شرقي الأناضول (كانت خمسة ألوية متمركزة في سوريا)، وقاتلت بعض الألوية في حرب البَلقان، وتمرّس عناصرها في أساليب الحرب الحديثة قبل بدء الحرب العالمية الأولى، وهناك لم يتعرّض الجنود والضباط الكُرد لتأثيرات رياح القومية التركية فقط، وإنما تعرضوا أيضاً لتأثيرات رياح القومية البلقانية أيضاً. 
وفي الوقت الذي كان فيه البحث في هذا الموضوع نادراً، كان الكُرد، وخاصّة الضباط الذين تعلّموا في مدارس أنشأها عبد الحميد، قد أدركوا خفايا السياسات العالمية التي كانت وراء حروب البلقان، وبدت الحركة القومية التي خاضها شعب البلقان مألوفة بالنسبة إليهم، كتلك الحركة التي لاحظوها قبل ذلك عند الضبّاط التُّرك، وكان من الطبيعي أن يفهموا أفكار زملائهم الضبّاط الترك وزملائهم الضبّاط العرب، وبالتأكيد أنه لم يَعُدْ مقبولاً بالنسبة إلى ضابط كُردي متعلِّم أن يحمل هوية قومية تركية، ويؤمن بأنها شبيهة بقوميته الكُردية فكراً وشعوراً.
إن الانتساب إلى الألوية الحميدية منحت الكُرد فرصة التدرّب، ومحاولةَ فَهم العالم بشكل أوسع، إن المرسوم القاضي بتأسيس الألوية الحميدية، تطلّب وجودَ مدارس عسكرية لتخريج الضبّاط لقيادة هذه الفرق، وكان متاحاً لأبناء زعماء القبائل الانتسابُ إلى هذه المدارس العسكرية، وكان هذا بحدّ ذاته تطوّراً له تأثيرات بعيدة المدى. 
ومنذ الوهلة الأولى كان هناك كادر (مَلاك قيادي إداري) كُردي، متعلّم وَفق المناهج الحديثة في إستانبول، وكان متاحاً للكُرد أن يتعلّموا المناهج ذاتها التي كان زملاؤهم الضبّاط الترك والعرب، في الوقت الذي كانت فيه المناهج تشتمل على كثير من التحديث، وكانت مواد تعليمية كثيرة عِلمانية الطابَع.
بوادر ظهور سلطة كردية:
إن سياسات السلطان عبد الحميد وجدت طريقها إلى التطبيق عن طريق الألوية الحميدية، وأتاحت للكُرد الوقوف بحزم ضدّ البيروقراطيين في المركز وفي إدارات الأقاليم، إن الكُرد كانوا في نظر البيروقراطيين وسائلَ لتنفيذ الإصلاحات التي كانت مفضّلة على إنشاء دولة أرمنية، وإن هؤلاء البيروقراطيين العثمانيين- سواء أرادوا أم لم يريدوا- كانوا مجرّد أدوات في أيدي القُوى  الأوربية والمسيحية التي كانت ترعى الإصلاحات وتدافع عنها، ولا شكّ في أن وضعاً كهذا ساهم في خلق الإحساس عند الكُرد بأن عليهم أن يأخذوا الأمور في أيديهم، وقد أتاح لهم الانتسابُ إلى الألوية الحميدية تحقيقَ ذلك بلمسات إسلامية.  
إن سياسات عبد الحميد بشأن الوحدة الإسلامية سمحت بمنح بعض التنازلات لظهور القوة الكُردية والسلطة الكُردية، ومن الصعب تخمين طبيعة سياساته في المستقبل لو حكم عشرين سنة أخرى، ومن غير المرجَّح أنه كان سيدعم تأسيس دولة كُردية مستقلة، وخاصّة في غياب الأرمن، ومع تطور الوعي القومي الكُردي ما كان ليؤيّد ولو مجرد منح الحكم الذاتي للكُرد. والحقيقة أن السلطان عبد الحميد نفسه غيّر سياساته في أواخر سنة 1890، وإن جزءاً من ذلك التغيير ربما يتجلّى في أن الألوية الحميدية تستطيع دعم كثير من القبائل الكُردية التي كانت متفرقة ومتشتِّتة منذ سنة 1847. 
وإن النقّاد- حتى لو كان أحدهم كُردياً- يسرعون إلى الإشارة بأن هذا يعني إحياء الدَّرَه بَگيات (الإمارات) التي كانت موجودة في أوائل القرن التاسع عشر، لكن تبدو هذه الملاحظات مبالَغاً فيها إلى حدّ ما، إن الدَّرَه بَگيات وُجدت في إطار سياسات غير قومية، لكن بالتأكيد لم تكن هذه هي الحال في سنة 1900. ناهيك عن الحال في سنة 1914. 
والحقيقة أن معظم قادة الألوية الحَميدية لم تكن لهم رؤية الشيخ عبيد الله، ولا الظروف كانت متاحة لظهور تلك الرؤية، ولم يكن قادة الألوية الحميدية يمتلكون النفوذ السياسي الذي كان الأمراء يمتلكونه، إنهم لم يكونوا مثل بَدْرخان بگ ولا مثل محمد پاشا [راوَنْدوزي]، وهذا لم يكن وهماً، إن الفكر القومي كان أضيق أفقاً بكثير من الأفكار العالمية الطابَع للسلطان والخليفة والشاه والأمراء بالوراثة، إن قادة الألوية الحميدية كانوا أكثر عدائية ومشاكسة.
وإذا كانت الأفكار التي ظهرت بموازاة تطوّر الألوية الحميدية قد أُتيح لها أن تستمرّ، فلم يكن من المحتمل أن تستمرّ في جميع المجالات القومية، وليس من الغريب أن سياسات عبد الحميد الثاني الپان إسلامية ساهمت في جَعْل الأحاسيس القومية الكُردية أقوى. 
إن هذه الأفكار كانت في العادة موجودة في كل مكان، وحينما كانت تلك السياسات تتدهور وتواجه الصعوبات؛ في هذه الظروف كان من الممكن للأقلّيات تطوير سياساتهم الخاصة، من غير إنكار ولائهم لرمز أو لرموز حاكمهم المشترَك؛ سواء أكان خليفة أم سلطاناً أم ملكاً أم إمبراطوراً، إنها كانت سياسات عبد الحميد الثاني ورموز الخلافة التي وقف القوميون الأتراك ضدّها.
الاثنين 26 -1 - 2015
توضيح:
لا يكفي أن نعرف الماضي البعيد من تاريخنا. 
وإنما ينبغي أن نعرف التاريخ القريب أيضاً، لتتّضح الرؤية، ونتهيّأ للمستقبل.
لذا أقدّم هذه الدراسات المقتبسة من كتابنا المترجم من الإنكليزية " تاريخ الكفاح القومي الكُردي 1880 - 1925"، والمنشور عام 2013. 
الكتاب من تأليف الباحث الأمريكي روبرت أولسون، ويدور حول أبرز الثوارت الكُردية بين 1880 – 1925، وأسباب فشلها، وضياع القضية الكُردية بين الانقسامات الداخلية، ومصالح القوى الكبرى، وسياسات الدول التي تحتلّ كُردستان، واستمدّ الباحث المعلومات من وثائق الدولة العثمانية (تركيا بعدئذ)، ووثائق القوى الكبرى حينذاك، وخاصّة بريطانيا.  
 العناوين فقط من وضعِنا.