خالد ديريك : التحدي التركي ـ الاميركي

2015-01-04

كشفت الثورة السورية منذ اندلاعها في منتصف مارس 2011 وانحرافها فيما بعد عن المسار بفعل العوامل الداخلية والخارجية، الكثير من الاصطفاف الطائفية والجهوية محلياً وإقليمياً ودولياً، إضافة إلى التصدعات والحقائق في سلك محاور حلفاء النظام وأصدقاء الشعب السوري في آن معاً والتي انعكست بدورها سلباً على القوى المحلية السورية لدوران كل مجموعة سورية منها على حدة في فلك سياسات تلك الجهات والدول ذات المصالح والمتحلية بالبراغماتية.
بعد تأزم الأزمة السورية ومع بروز نجم الجماعات المتطرفة وخاصة داعش على المشهدين السوري والعراقي، وتعاظم قوة هذا التنظيم بفعل سيطرته على منابع النفط والقواعد العسكرية الحكومية وتبييض الأموال وارتكابه الفظائع بحق المكونات والأقليات الدينية والعرقية زائد نحر الرهائن الغربيين ووصول تهديده إلى بغداد وإربيل حليفتا الغرب، اضطرت أميركا وحلفاؤها إلى تشكيل الحلف الدولي بالتعاون مع بعض القوى المحلية الحليفة لمحاربة مشروع داعش.
هنا، طفى الخلاف بين الحلفاء والأصدقاء وخاصة بين تركيا وأميركا القوتين الكبريين في حلف النيتو واللتين تتبعان لمحور أصدقاء الشعب السوري بسبب تقاطع في المصالح والأهداف والأولويات.
اشترطت تركيا تحقيق عدد من الشروط العلنية من أجل الانضمام إلى الحلف الدولي: 
ـ إقامة منطقة عازلة (آمنة) بدعم الحظر الجوي.
ـ ضرب نظام الاسد وإسقاطه بالتوازي مع ضرب وقصف داعش.
ـ تدريب عناصر الجيش الحر.
وهذه الشروط على عكس الأولويات الاميركية في الوقت الراهن، خاصة الشرطين الأول والثاني، بحيث يمكن قراءة هذا الخلاف ضمن خانة "من حلف مقرب، إلى التحدي وعدم الثقة ونوع من حرب باردة".
من نافل القول، بأن هذه ليست المرة الأولى التي ترفض تركيا المطالب والحروب الاميركية الشرق الاوسطية.
فقد سبق وأن رفضت تركيا استخدام أراضيها للعبور وقواعدها العسكرية منطلقاً للعمليات الحربية للجيش الاميركي إبان غزو الأخير للعراق عام 2003 وإطاحته بالنظام العراقي السابق.
تريد تركيا إدارة الصراع في منطقة حسب مزاجها ومنوالها ومصالحها للوصول إلى غاياتها البعيدة الخارجة عن حدودها الجغرافية، لأنها تعتبر نفسها دولة إقليمية مهمة وحليفة للغرب، وتظن بأنها ستوفق بين المشروعين في آن معاً :
ـ أسلمة الشرق الاوسط على طريقة العثمانية.
ـ انضمام إلى النادي الغربي الاوربي وبالتالي استمرار دعم الاميركي لها.
 وتبذل تركيا جهوداً لاستثمار هذه الأزمات التي تعصف ببلدان المنطقة توافقا مع طموح حكومة حزب العدالة والتنمية في إحياء الامبراطورية العثمانية والزعامة الإسلامية. فهي تنافس إيران على نفس الأهداف في حلم الامبراطورية والزعامة وتحاول إزاحة صفة الزعامة السنية عن السعودية العربية لاضفاء الشرعية لنفسها بين الشعوب المسلمة وبالأخص العربية منها.
جربت تركيا (حزب العدالة والتنمية) هذا الأسلوب قبل موجة الثورات "الربيع العربي" عبر بوابة فلسطين لدغدغة مشاعر وعواطف الشعوب الاسلامية والآن عبر حركات ذات الطابع الإسلامي.
لكن الرياح جرت بعكس ما تشتهيها سفينة تركية وألجمتها عن تحقيق مبتغاها مع صعود مشكلتها الكردية الداخلية القديمة الجديدة إلى السطح إضافة إلى تنامي دور الأكراد في المنطقة والذي زاد من وعورة طريقها، بل شعرت تركيا بأن الأكراد قد يأخذون مكانها الإقليمي غربياً، وهذا ما دأب الغرب عليه فعلاً بسبب التطابق في الأهداف والمصالح المتبادلة بين الأكراد والغرب في هذه المرحلة، بحيث رأت تركيا نفسها مطوقاً بظهور كردي فاعل ويتلقى تعاطفاً إقليمياً ودولياً، مع بروز قوة عسكرية كردية على حدودها الجنوبية في سوريا (غرب كردستان) ووجود سابق لحكم فيدرالي في كردستان العراق إضافة إلى أكرادها, ومن هذا المنطلق دعمت تركيا سراً تنظيم داعش لتقويض الحكم الكردي على حدودها كي لا تنتقل العدوى إلى داخلها. وتم توثيق هذا الدعم عبر قنوات إعلامية ومن منظمات الحقوقية ووكالات دولية ومن تصريحات الغربيين الكبار. وترى أميركا بأن تركيا تعمل على الضد من أولوياتها وتوجهاتها وسياساتها الشرق الأوسطية منذ احتلال داعش لمنطقة سنجار الكردية الايزيدية وتشكيل الحلف العربي ـ الدولي ضد داعش فيما بعد، ذلك من خلال اشتراطاتها وتصريحاتها وأعمالها الأخيرة حول المسألة السورية والعراقية والكردية وخاصة بالنسبة إلى مسألة حصار ومهاجمة كوباني (عين العرب) الكردية السورية من قبل داعش.
كان آخر أوجه التباعد بين الحليفتين تركيا وأميركا، عندما التقى الرئيس الروسي بوتين بأردوغان في أنقرة في بداية ديسمبر 2014 وإبرامهما اتفاقيات اقتصادية ضخمة في مجال الغاز والطاقة. فالعلاقات السياسية تمر عبر المصالح الاقتصادية وخاصة إن كلا الطرفين يتعرضان للضغوط الغربية. تتعرض روسيا للحصار الاقتصادي على خلفية الأزمة الاوكرانية وتتعرض تركيا للضغوط السياسية الغربية بسبب اشتراطاتها للانضمام إلى الحلف الدولي إضافة إلى أنها المشتبه بها في دعم الجماعات المتطرفة.
بيد إن تركيا خسرت أصدقاءها من الديكتاتوريات العربية وبدأت باقحام نفسها في دعم التيارات الإسلامية لتشكيل توابع لها في منطقة بغية تسهيل إعادة العثمانية المرفوضة محلياً ودولياً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان ظهور المارد الكردي بفعل الظروف الإقليمية والدولية المتماشية مع المشروع الغربي والذي فاجأ مهندسي السياسة التركية.
وتبقى سياسة البحث عن حلفاء جدد وفق المصالح البراغماتية مستمرة من قبل جميع الأطراف وانتهال لغة التحدي ما يزال سيد الموقف بين تركيا وأميركا، فمن سيرضخ لمن؟.
 
بقلم: خالد ديريك