كوهدرز تمر : كردستان تركيا بين التتريك و الكوردايتي 2014 .. ماذا بقي منها ؟!

2015-01-01

كوهدرز تمر - بحث موثق سياسي ديمغرافي لشمالي كوردستان
 
شهد شمالي كوردستان تغيرات ديمغرافية و سياسية و ثقافية كبيرة منذ تأسيس الدولة التركية و فرضها لقوانين عنصرية و سياسات تتريك على قدم و ساق و قمع و تشريد و تهجير للكورد بعيد فشل ثوراتهم بعشرينات و ثلاثينات القرن الماضي ، و بعد انطلاق الحركة القومية الكوردية في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي ،
ارتفعت وتيرة القمع و العنصرية و عبر حملاتها العسكرية بحجة حزب العمال الكوردستاني تم تهجير ملايين من سكانها إلى المدن التركية الكبرى و إفراغ للريف و إرهاب و قمع من قبل السلطات العسكرية و جرت مساعي تهجير و تتريك جديدة فرضت نفسها بشكل واضح ، حيث بات التحدث باللغة الأم خطراً على المواطن الكوردي ، فنسي لغته و ابتعد عن قوميته بل و بات يخجل من كورديته في بعض المناطق و الفترات بسبب سياسات قذرة و مدروسة، و انسل منها شيئاً فشيئاً .
 
ساعد في نجاح السياسة التركية هذه الفكر الإسلامي المسيطر على المجتمع في شمالي كوردستان ، و أيديولوجية الأحزاب السياسية الكوردية اليسارية و الماركسية و خاصة حزب العمال الكوردستاني البعيدة عن الواقع الإجتماعي المسلم و استغلال السلطات لهذا التناقض بشكل مدروس ، و الضغط المتزايد من الحزب على المواطنين الكورد و إكراههم على الإنضمام إلى الكريلا و فرض الأتاوات ، و تشتت الأحزاب السياسية الأخرى و لجوء قياداتها إلى الخارج و ترك الساحة السياسية .
 
 
 
آخر مستجدات الخارطة الجغرافية السكانية :
 
الكورد في تركيا الذين توقع عضو الكونغرنس الأمريكي كينيدي في أواخر ثمانينات القرن الماضي أن يصبحوا أكثرية و الأتراك أقلية بالجمهورية التركية في 2005 ، أي أكثر من 35 مليوناً في الوقت الحاضر ، لا يبدو منهم في كوردستان تركيا سوى 14مليوناً و 608 آلاف نسمة حسب إحصاء 2013 ، و وجود عدة ملايين في المدن التركية الكبرى .
 
و هذه الملايين ال15 –لنقل- الساكنة في أرضها ، تنقسم إلى مناطق و ولايات مختلفة الرؤى و الفكر القومي ، نأخذ نتائج انتخابات 2014م المحلية مثال عنها :
 
-المنطقة الأولى :و هي الولايات الصفراء و التي فاز فيها حزب السلام و الديمقراطية ب د ب ، و نالت فيها الأحزاب الكوردية مجتمعة أكثر نصف أصوات الناخبين ، و يسكنها 6 ملايين و 600 ألف نسمة ، و هي ولايات : جولميرك(هكاري) – شرناخ – وان – سيرت-موش – آمد- آغري- ماردين – إغدير- إيلوح (باطمان) . و نالت الأحزاب الكوردية 56,82\100 من الأصوات مقابل 34\100 لحزب العدالة و التنمية الحالكم .
 
-المنطقة الثانية : و هي الولايات الخضراء الأربعة : رها (أورفا)-ديرسم(تونجلي)- قارس- جوليك(بينغول) . و يسكنها مليونان و 453 ألفاً ، نالت فيها الأحزاب الكوردية 27,9\100 فيما نال حزب العدالة و التنمية 50\100 من أصوات الناخبين . مع حضور قوي لحزب الشعب الجمهوري في ديرسم و حزب الحركة القومية في قارس .
 
-المنطقة الثالثة: و هي الولايات الحمراء التسعة : أردخان(أردهان) – ماراش (قهرمان ماراش)- ديلوك (عنتاب)- آديامان – ملاطيا- خاربيت( آلازغ) – أرزنجان – أرزروم – سيواس .
 
و يسكنها خمسة ملايين و نصف المليون نسمة ، و هي الأكثر بعداً عن الكوردايتي و الأكثر تتريكاً فكرياً و نالت الأحزاب الكوردية فيها بشكل متوسط 4,7\100 من الأصوات ، و نال حزب العدالة و التنمية 67\100 من أصوات الناخبين .
 
إضافة إلى أجزاء من ولايات أوصمانية و أضنة و هاتاي أرض كوردستانية نسبة المؤيدين للفكر القومي فيها نفس نسبة المنطقة الحمراء هذه .
 
و هذا يبين أن المنطقة الكوردية القريبة و المطلة على البحر المتوسط باتت مستتركة بشكل شبه كامل .
 
و الخارطة توضح أن أي استفتاء شعبي لإدارة كوردية أو كوردستانية لن تتجاوز المنطقة الصفراء و ربما الخضراء أي نصف مساحة كوردستان تركيا ، أما الحمراء فبات مستحيلاً قبولها لأي صيغة كوردية أو كوردستانية دون مساندة من حزب العدالة و التنمية الحاكم و اتفاق مع رئيس الوزراء و المرشح لرئاسة الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي يملك شعبية طاغية ، ففي مجموعة الولايات الكوردستانية ال23 نال حزب أردوغان 49\100 بينما نالت الأحزاب الكوردية (السلام و الديمقراطية BDP– حزب الحق و الحريات HAK-PAR- حزب الدعوة الحرة الإسلامي HUDA-PAR) 32\100 من الشعبية .
 
أي حسب النسب الإنتخابية الأخيرة من أصل 15 مليوناً في كوردستان تركيا ، يؤيد 4ملايين و 700 ألف الأحزاب ذو التوجه الكوردي .
 
و 7ملايين و 200 ألف يؤيدون الفكر الإسلامي المعتدل (حزب أردوغان) .
 
و قرابة 3ملايين يؤيدون الأحزاب التركية القومية و اليسارية .
 
و تؤكد الأرقام أن شعبية حزب العدالة و التنمية AKP في شمالي كوردستان أكبر من النسبة العامة التي نالها على مستوى البلد ككل و هي 45,6\100 .
 
أما خارج المنطقة الكوردية فتؤكد الإستطلاعات الأخيرة و حسب أصوات الأحزاب الكوردية تواجد حوالي مليون و نصف مليون كوردي يؤيدون أحزاباً كردية (الشعوب الديمقراطية على الأغلب) فقد نال حزب الشعوب الديمقراطية HDP 1,9\100 من مجموع أصوات الناخبين في تركيا (853.686ألف صوت).
 
 
 
مناطق متاخمة لغربي كوردستان :
 
المناطق الجنوبية لشمالي كوردستان تشهد خطراً مزدوجاً من ناحية التتريك الفكري و وجود أقلية عربية تساهم أكثر من في إضعاف السيطرة الكوردية عليها وأيضاً إكمالاً للتعريب الحاصل في منطقتين رئيسيتين على الجانب الآخر من الحدود و جعل غربي كوردستان ثلاث مناطق متقطعة ، و يؤكد الاستطلاع على أن العرب المتواجدين في شمالي كوردستان على الأغلب هم ضمن الأحزاب التركية القومية الأكثر عداءاً للكورد و حقوقهم و خاصة على حدود كورسدتان سوريا في ولاية أورفا منطقتي (حران و أقجاقالا) المشرفة على كري سبي (بين سريكانيى و كوباني ) و في ولاية كلس المشرفة على الفاصلة بين كوباني و عفرين أي جرابلس السورية . حيث يسيطر حزب الحركة القومية التركي (توركيش)MHP و في ولاية هاتاي (أنطاكية ) التي يغلب عليها العرب العلويون يسيطر حزب الشعب الجمهوري CHP.
 
 
 
الأحزاب الكوردية :
 
أكبر الأحزاب الكوردية في شمالي كوردستان هو حزب السلام و الديمقراطية و حزب الشعوب الديمقراطية التابعين من حزب العمال الكوردستاني ، و قد حصل الأول على(1.885.992 ) 4,2\100 و الثاني على (853386 صوتاً) 1,9\100 من الأصوات العامة و الأول ترشح في المناطق الكوردية و الثاني في المناطق التركية ، و مجموع أصوات الحزبين اللذين توحدا و انضم الأول للثاني ، بالمئة هو 6,1\100 و لا يحصل على 10\100 ليدخل البرلمان و هو نفس النسبة تقريباً منذ 20 عاماً .
 
أما حزب الحق و الحريات الذي يترأسه السياسي الكوردي كمال بورقاي فقد حصل على (43.843صوتاً ) 0,1\100 و حزب الدعوة الحرة الإسلامي الكوردي على (99.664 )صوتاً أي 0,2\100 .
 
و لم يترشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني المؤسس حديثاً .
 
و حزب الشعوب الديمقراطية HDP تنازل عن الفكر القومي لصالح الفكر الوطني التركي و يطالب بمزيد من الحقوق الثقافية و الديمقراطية في تركيا عامة ، و يعد تراجعاً كبيراً بعدما كان يطالب حزب العمال الكوردستاني بالانفصال عن تركيا و تأسيس كوردستان المستقلة الموحدة ، و ستكون الإنتخابات البرلمانية التركية القادمة في ربيع 2015م فاصلاً له لمعرفة مدى قبول جماهيره للمستجدات الراهنة في سياسته و مطالبه و بعده القومي.
 
أما حزب الحق و الحريات و الديمقراطي الكوردستاني-تركيا فيطالبان بالفدرالية لشمالي كوردستان .
 
 
 
الخارطة السياسية :
 
و للأهمية بمكان الإشارة إلى أن غالبية الكورد الموالين لحزب رئيس الوزراء التركي في المنطقة الصفراء خاصة و في عموم شمالي كوردستان مازالت كوردية تعتز بأصلها و نوعاً ما بلغتها و عاداتها و تقاليدها ، و ليست مستتركة كما الموالين للأحزاب التركية الأخرى ، و أيضاً المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطية ليس كل مؤيديها يعتزون بقوميتهم و لغتهم و ثقافتهم بل أن قسماً كبيراً منهم بات بعيداً عن لغته و ثقافته و تقاليده و عاداته ، و بعد تأسيس الحزب الجديد هذا و تغيير السياسة و المطاليب و التحول من القومية إلى الوطنية التركية لن يكون هناك فارق كبير بين الطرفين لدى الجماهير الكوردية في شمالي كوردستان ، فالشعوب الديمقراطية أعلن على لسان رئيسته المشتركة صباحت تونجل أنهم ضد الدولة القومية الكوردية ، و لم يرد في نهجهم أي إشارة إلى كوردستان أو خصوصية كوردية ، و العضو البرلماني و المعتقل السابق خطيب دجلة صرح أنهم قد رموا فكرة الدولة القومية في المزبلة ، و رئيس الوزراء أردوغان قفز قفزة نوعية حين اعترف بوجود كوردستان في تركيا و سماها ، و مطالب الطرفين لن تختلف كثيراً بعد الآن ، و يبقى استغلال ميراث الشهداء و حزب العمال الكوردستاني و الكوردايتي من لدن الشعوب الديمقراطية في الأوساط الشعبية العامة .
 
و كما أشرنا آنفاً فحزب العدالة و التنمية مازال الأول في شمالي كوردستان ، و تعتبر من أكثر المناطق موالاة له و هذا ما يجعل أردوغان يتمسك بها و يفسح المجال شيئاً فشيئاً أمام الحقوق الثقافية و القومية الكوردية و ينفذ مشاريع إنمائية و يدعم المنطقة اكثر من أي وقت في تاريخ تركيا الحديثة .
 
بل أن ممثلاً عن مكتبه السياسي حضر رسمياً في مؤتمر عقد بأنقرة لبحث القضية الكوردية في الشرق الأوسط كما ممثلي التيارات الكوردية الأخرى في أجزاء كوردستان كافة و المهاجر .
 
و قد بات تجاهل حزب العدالة و التنمية في شمالي كوردستان ضرباً من المحال ، و اي استفتاء شعبي لن يكلل بالنجاح بدونه و سيودي بالكورد إلى خسارة نصف مساحة شمالي كوردستان (المنطقة الحمراء) و يبعدها كثيراً عن البحر المتوسط و يصعب الوضع في غربي كوردستان المترابط مع مناطق أورفا و عنتاب و اسكندرون و أوصمانية ، و هي عفرين و كوباني التي ستصبح كما غزة و الضفة أو كجزيرة في بحر و لن تصل بالمتوسط لا شمالاً و لا غرباً .
 
و يبدو أن هناك تفهماً لما آلت إليه الأوضاع في ذلك الجزء الكوردستاني الأكبر من قبل قيادة منظومة المجتمع الكوردستاني التي تطالب بإدارات ذاتية تاركة مطاليبها السابقة في توحيد و تحرير كوردستان ، و الأسوأ أنها تريد إسقاط نفس التجربة على الأاجزاء الأخرى كما حاولت إسقاط رؤية التحرير عليها قبل 35 عاماً ، و تصريحات القياديين جميل بايك الرئيس المشترك للمنظومة و العضو القيادي مصطفى قرة سو و السيد صلاح الدين دمرتاش عن شنكال و كركوك بجعلهما إدارات خاصة ذاتية غير مرتبطة بإقليم جنوبي كوردستان و التي جلبت انتقادات كبيرة لها ، خير شاهد على التراجع عن أهدافه و طروحاته السابقة .
 
أخيراً من أصل 23 ولاية كوردستانية في شمالي كوردستان يمكننا أن نقول أن 10 منها فقط بقيت محافظة على كورديتها و هي الجنوبية الشرقية ، أما الولايات ال 13 الأخرى فقد استتركت ، أي أن أكثر من نصف المساحة استترك و هجّر أكثر من نصف السكان و أي استفتاء شعبي لن يكون من صالح الحركة التحررية الكوردية .