Dr.Sozdar Mîdî سلسلة: نحو مشروع كُردستاني استراتيجي ( الحلقة 33 ) القوّة الشاملة والإستراتيجية الهجومية

2014-12-15

ما لم نؤسّس فكرنا القومي على الحقائق فسنظل ّنتخبّط في ظلمات ثقافة الهزيمة، ونبقىعُرضة للكوارث، وسيظلّ المحتلّون والمحتالون يتلاعبون بنا، وسيظلّ مصيرنا كريشة في مهبّ الرياح العاتية. أجل، ينبغي أن تكون الحقائق هي القاعدة الصُّلبة لمشروعنا التحرّري الإستراتيجي، وثمّة أربع حقائق لا ينبغي أن تغيب عنّا مطلقاً.
 
الحقائق الأربع:
- الحقيقة (1):الصراع هو القانون الأعظم في الوجود، والبقاءُعلى الدوام هو للأقوى، هذا القانون راسخ في الطبيعة والمجتمع البشري، وقَدَرُ الأمم أن تخوض هذا الصراع،ولا فائدة منالاختباء خلف الأوهام والأحلام والفلسفات المثالية، إنها مخدّرات للوعي لا غير، وسرعان ما تدفع الشعوب ثمنَها آلاماً ودموعاً ودماءً.
- الحقيقة (2):طوال التاريخ البشري كانت الجغرافيا أهمَّأسباب الصراع، وسيصبح الصراع عليها أكثر حِدّة بسبب تكاثر السكان، والتسابقِ للسيطرة على الموارد والموقع الجيوسياسي، وفي هذا الإطار ينبغي البحث في احتلال كُردستان، فمحتلّو كُردستان يعرفون جيّداً قيمتهاالبيئية والجيوسياسة والاقتصادية.
 
- الحقيقة (3):القوّة الشاملة هي التي تحقّق النصرفي هذا الصراع، والضعفاء هم الذين ينتظرون الرحمة، قال مِكْياڤلليMachiavelli: " أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلَّحين قد احتلّوا وانتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المسلّحين"( )، ويرى الفيلسوف الألماني فريدريك هيغلFriedrich Hegel "أن الحقّ يجب أن يُدعَم بالقوّة، بل إنّ الحقّ هو القوّة"( ).وتؤكّد أحداث التاريخ أن الصواب هو هذا.
الحقيقة (4): نحن أمّة مُستعمَرة بالقوّة، وطنُنا محتلّ بالقوّة، كرامتُنا مُداسة بالقوّة، شعبُنا يُشرَّد بالقوّة، نساؤنا يُغتصَبْن بالقوّة، هوّيتُنا تُدمَّربالقوّة، تاريخُنا يُغَيَّب بالقوّة، يَفرض المحتلّون علينا ثقافاتهم وقيمهم المتخلّفة بالقوّة، ونسبونا إلى سلالة الجِنّ والجواري بالقوّة، وهم في الغاية من المكر والتوحُّش، ولا يمكننا تحرير أنفسنا ووطننا منهم إلا بالقوّة، لكن أيّة قوّة؟
 
القوّة الشاملة: 
القوّة الوحيدة التي نهزم بها المحتلّين هي القوّة الشاملة، ونعني بها:
أولاً- قوّة الاتّحاد:خلافاتناالشخصية، والقَبَلية، والمناطقية، والدينية، والمذهبية، والسياسية، أثمنُ هديّة نقدّمها للمحتلّين، إنها السلاح الفتّاك الذي نصنعهونضعه في أيديهم، وما أكثر انتصاراتهم علينا بهذا السلاح! فعلينا نزعُ هذا السلاح من أيديهم، وتحويلهباتحادنا إلى سلاح في أيدينا، ولن يتحقّق ذلك إلا بتوحّدنا حول مبدأ "كُردستان أولاً"، لا الشخص، ولا القبيلة، ولا المنطقة، ولا الدين، ولا المذهب، ولا الحزب.
ثانياً- قوّة المعرفة:القائدالجاهل لا يمكن أن يقود شعبه إلى النصر مهما كان مُخلِصاً، والمقاتلالجاهل لا يمكن أن ينتصر مهما امتلك الأسلحة، والشعبالجاهل لن ينتصر مهما كان ساسته ومثقفوه ومقاتلوه مُخلِصين. المعرفة هي القوّة العظمى التي نتحرّر بها من ثقافة الهزيمة وقيم الانحطاط، ومن الأنانيات والصراعات الداخلية، وبها نصنع اتحادنا، لذا ينبغي وضعُ خطط متكاملة لتعميم المعرفة بين شعبنا، وهذا يتطلّب التنسيق بينالساسة والمثقفين والإعلاميين، ووَفق خطّة إستراتيجية مدروسة.
ثالثاً- القوّة القتالية:التصريحات والنشرات والتمنّيات وحدها لا تحرّر أوطاناً، ولا بدّ من إعداد مقاتلين شجعان وأشدّاء، يصبرون على المشقّات، ويتميّزون بالانضباط، ويجيدون فنون القتال، ويمتلكون عقيدة قومية ووطنية نقيّة، ويؤمنون بضرورة تحرير كُردستان، ويلقون الرعب في قلوب الأعداء، يكونون من صنف(أُومّان مَانْدا) Ummanmande (= القوّة المُرعِبة)( )، بهكذا قوّة قتالية تغلّب أسلافنا الگُوتيون على المعتدين الأكّاديين، وبها انتصر أسلافنا الميديون على ملوك آشور المعتدين، وبها وحدها يمكننا التغلّب على من يحتلّ وطننا، وينتهك كرامتنا القومية.
 
رابعاً-القوّة الاخلاقية:قال شاعرنا الكُردي المصري أحمد شوقي:
وإنّما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيتْ      فإن همُ ذَهَبتْ أخلاقُهمْ ذَهبوا
أجل، إن قيمة الأمم ومكانتها في التاريخ متعلّقة بأخلاقياتها، إن الأمّة التي ساد فيها الاعتزازُ بالأمّة، والغيرةُ على الوطن، والإخلاصُ في العمل، والصبرُ على المشقّات، والشجاعةُوروح الفداء، هي المنتصرة مهما تكالب عليها الأعداء. وإن الأمّة التي كثر فيها الأنانيون، والانتهازيون، والخاملون، والجبناء، والباحثون عن اللهو والملذّات، ستبقى لعبة في أيدي الآخرين مهما كثر عددها.
خامساً –القوة الاقتصادية:قال ناپليون بوناپارتNapoléon Bonaparte :"الجيوش تتقدّم على بطونها"، وكذلك الأمم، إن الأمّةَالفقيرة، العاجزةَ عن تأمين متطلّباتالحياة، المتسوّلةَ على أبواب الآخرين، لا يمكن أن تكون حرّة في إرادتها وقرارها؛ لذلك حرص المحتلّون على إبقائنا فقراء، كي نبقى أتباعاً لهم. إن وطننا خزّان لكل الموارد المائية والنباتية والحيوانية والمعدنية، وينبغي وضع خطط علمية للإفادة من تلك الموارد، وتوظيفها في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الحياتي لشعبنا.
وفي جميع الأحوال، ينبغي أن تكون القوّة الشاملة قوّةً ذاتية، لا قوّة مستعارة، فالمثل الكُردي يقول: Siwarê hespê xelkê peya ye(راكبُ فَرَس الآخرين ماشٍ).
 
الإستراتيجية الهجومية:
نحن أمّة مسالمة، هذه حقيقة وليست ادّعاءً، جغرافايا وطننا هي جغرافيا الشِّبَع والاكتفاء، فيها كل ما نحتاجه من المتطلّبات الأساسية للحياة، جغرافيا الشِّبع والاكتفاء رسّخت في شخصيتنا القومية ثقافةَ السلام، لا ثقافةَ الغزو والإرهاب، لم نكن أصلاً بحاجة إلى غزو الآخرين، واحتلالِ أوطانهم وسَلْبِ ممتلكاتهم.لذا كانت أمّتنا، في معظم مراحل تاريخها، مدافِعةًberevanî، لا مهاجِمةًhêrişkirin، وكانت  إستراتيجتها دفاعية لا هجومية.
 
مَن مِن الأمم المجاورة لم يهاجمنا؟ قديماً الأكّاديون هاجمونا فدافعْنا، البابليون هاجمونا فدافعْنا، الآشوريون هاجمونا فدافعْنا، الحِثّيون هاجمونا فدافعْنا، الآراميون هاجمونا فدافعْنا، الفُرس هاجمونا فدافعْنا، الأرمن هاجمونا فدافعنا، الروم هاجمونا فدافعْنا، الرومانهاجمونا فدافعْنا، العربالمسلمون هاجمونا فدافعْنا، الخُوارِزْميون هاجمونا فدافعْنا، السَّلاجقة هاجمونا فدافعْنا، المماليك هاجمونا فدافعْنا، العثمانيون هاجمونا فدافعْنا، وها هم الآن الغزاة الظلاميون يهاجموننا فندافع.
 
نحن أمّة دفاع عن الذات، ولذلك كَثُرت في أدبياتنا كلمة Berxwedan(مقاومة)، ولذلك أيضاً أحبّ تلك الأغنية الرائعة Berxwedan jiyane(المقاومة حياة)، أجل، المحتلّ يغتصب وطننا فنقاوم، يدمّر ثقافتنا فنقاوم، يعتقلنا فنقاوم، يشرّدنا فنقاوم، يضربنا على رؤوسنا فنقاوم، يَسْبي نساءنا فنقاوم. طبعاً المقاومة أفضل من الاستسلام، وهذه هي ميزة شخصيتنا القومية، نحن أمّة لا تستسلم، تظلّ تدافع وتقاوم، ولذلك عجز المحتلّون عن افتراسنا وهَضْمنا كما فعلوا بشعوب أخرى.
 
لكن هل الدفاع (المقاومة) هو الخِيار الوحيد الصائب؟ لماذا لا ننتقل من إستراتيجية الدفاع إلى إستراتيجية الهجوم؟ لماذا لا نهاجم الغزاة والمحتلّين ونردعهم قبل أن يحتلّوا ديارنا ويشرّدوا شعبنا، ويغتصبوا أعراض نسائنا؟ أليس هذا ما يسمّى في العلم العسكري (الحرب الوقائية)؟ أليس من حقّنا أن يكون دفاعنا عن وجودنابشكل هجومي؟ لقد اعتمد أسلافنا الإستراتيجية الهجومية فانتصروا على المحتلّين: اعتمدها الگُوتيون ضدّ الأكّاديين، والكاشيون ضد البابليين، والميتانيون ضد الحثّيين، والخَلْديون والميديون ضدّ الآشوريين، فلماذا لا نعتمدها أيضاً؟
وكي نعتمد الإستراتيجية الهجومية لا بدّ من امتلاك القوة الشاملة.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
14 – 12 – 2014
sozdarmidi@outlook.com