المرجعية الكوردية ... بين خلافات أحزاب المجلس الوطني الكوردي وشكوك البعض

دلشاد مراد
بعد عودة وفدي طرفي الحركة السياسية الكوردية (حركة المجتمع الديمقراطي، المجلس الوطني الكوردي) إلى روج آفا، كان من المقرر أن يجري الطرفان اجتماعاتهما المكملة للاتفاقية الحاصلة في دهوك، ولاسيما فيما يتعلق بتشكيل المرجعية الكردية الموحدة. ولكن الخلافات التي حصلت بين أحزاب المجلس الوطني الكوردي حول نسب المشاركة في المرجعية المزمع تشكيلها، أدى إلى تأخير انعقاد الاجتماعات المكملة والذي سيكون من أبرز ما سيتم مناقشته مسألة مشاركة الأطراف الكوردية خارج المجلسين في المرجعية الكوردية.
إن ما حصل في دهوك من اتفاق على الخطوط العريضة بين طرفي الحركة السياسية الكوردية، كانت خطوة بالغة الأهمية في مسار توحيد الخطاب السياسي الكوردي، وكذلك في تأطير الطاقات الكوردية بمختلف أحزابه وأطره السياسية ضمن بوتقة نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية المعلنة في مقاطعات روج آفا، بما يساهم في تطويرها وإغنائها.
عبد السلام أحمد ( الرئيس المشترك لمجلس شعب غرب كوردستان) أوضح لصحيفتنا الظروف التي أنتجت اتفاق دهوك، وأهميته بالنسبة للشعب الكوردي بالقول: "شهدت المنطقة أحداث متسارعة خاصة بعد اجتياح تنظيم الدولة لمدينة الموصل وسقوط منطقة شنكال الكوردية على يد الجماعة الإرهابية (داعش) والهجرة المليونية لسكانها ومسارعة وحدات الحماية الشعبية لنجدة أهلها وفتح الممر الآمن لهم وتأمين الحماية والمسكن والمآكل للآلاف من المجهرين في عملية إنقاذٍ أثارت إعجاب المجتمع الدولي ، وما تبعها بعد ذلك من هجوم واستهدافٍ لمقاطعة كوباني والتعاطف العالمي مع البلدة التي أصبحت رمزا للمقاومة في وجه الإرهاب وتدخل التحالف الدولي عسكريا وذلك عبر قصف الطيران لمواقع التنظيم دعماً لوحدات الحماية،  هذه العوامل وغيرها جعلت من مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية وقواتها نقطة استقطاب واهتمام القوى المهيمنة على القرار السياسي العالمي، في هذه الأجواء تداعت الأطراف السياسية الكوردية والكوردستانية لطاولة الحوار لإعادة الحياة للاتفاقات السابقة بين حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي التي تعثرت، والتأكيد على أن من المصلحة القومية ترتيب البيت الكوردي والاستعداد للمتغيرات القادمة .اتفاقية دهوك جاءت استكمالاً لما سبقتها من اتفاقات، وهو اتفاق جيد في مجمل بنوده، ويصب في مصلحة شعبنا الكوردي في هذه المرحلة المفصلية التي تستوجب  توحيد الرؤية والإرادة السياسية الكوردية".
المجلس الوطني الكوردي... خلاف على الحصص بين أحزابه
يتألف المجلس الوطني الكوردي من تسعة أحزاب هي:  
1- الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا / رئيسه سعود الملا.
2- الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا / سكرتيره عبد الحميد درويش.
3- حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا / سكرتيره محي الدين شيخ آلي.
4- حزب يكيتي الكوردي في سوريا / سكرتيره  إبراهيم برو.
5- الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا ( البارتي ) / سكرتيره نصر الدين إبراهيم.
6- حركة الإصلاح الكوردي – سوريا / المتحدث باسمه فيصل يوسف.
7- حزب المساواة الديمقراطي الكوردي في سوريا / سكرتيره نعمت داوود.
8- حزب الوفاق الديمقراطي الكوردي السوري / سكرتيره فوزي شنكالي.
9- الحزب الوطني الديمقراطي الكوردي في سوريا / سكرتيره طاهر صفوك.
في التاسع من شهر تشرين الثاني الجاري اجتمع أحزاب المجلس الوطني الكوردي في مكتب الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا بقامشلو بهدف تحديد ممثلي المجلس الكوردي في المرجعية السياسية المزمع تشكيلها، لكن الاجتماع لم ينتج عنها أي اتفاق حول تحديد نسب تمثيل أحزاب المجلس وتحديد ممثليه في المرجعية السياسية، وحتى لم يتم تحديد موعد الاجتماع القادم لأحزاب المجلس لمناقشة النقاط الخلافية والتي تمحورت حول نسب التمثيل والذي طغى على أجواء الاجتماع.
فالحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا الذي تشكل في وقت سابق من هذا العام بعد اندماج أربعة أحزاب هي ( الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) وحزب آزادي الكوردي في سوريا بجناحيه وحزب يكيتي الكوردستاني) طالب بأن يخصص له أربعة مقاعد في المرجعية، فيما يرفض بقية الأحزاب الأخرى هذا المطلب، مؤكدين بأن نسبة التمثيل ينبغي أن تكون موحدة لجميع أحزاب المجلس الوطني في المرجعية الكوردية المزمع تشكيلها على اعتبار أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا هو حزبٌ واحد ولا يحق له التمثيل في المرجعية سوى بمقعد واحد.
سعود الملا رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا أوضح في تصريح له أن المجلس الوطني الكوردي لا يزال يناقش كيفية ايجاد حل مناسب لمشكلة تمثيل المجلس الكوردي في المرجعية السياسية، وأشار إلى وجود قرار للمجلس الوطني الكوردي بإبقاء الأحزاب الأربعة التي اندمجت في الحزب الذي يرأسه حالياً في مكانها وتمثيلها في المجلس، لحين عقد مؤتمره. و أضاف بأنه قد يتواجد لدى بعض أحزاب المجلس، أوهي تتخوف من عدم حدوث هذه التغييرات وبالتالي عدم انعقاد المؤتمر، وهي الآن موضع دراسة لإيجاد آلية وحلول واقعية دون أن يتضرر أي طرف.
وأكد الملا على ضرورة تمثيل جميع مكونات المجلس في المرجعية السياسية، نافيا أن يكون المجلس قد سعى لاستبعاد أي مكون، وذلك في إشارة غير مباشرة للحراك الشبابي، الذي أصدر بياناً تزامناً مع اجتماعات المجلسين الكورديين في دهوك، يحذر فيه تهميش واستبعاد الشباب والمستقلين من الاتفاقية. 
فيصل يوسف المتحدث باسم حركة الإصلاح الكوردي – سوريا أكد في مقابلة له بأن جميع أحزاب المجلس الوطني الكوردي، يصرون على تمثيل المجلس بمكوناته (أحزاب، شباب، مرأة، مستقلين)، لكن عبر الآليات المعتمدة ووفق اللائحة التنظيمية للمجلس، مضيفاً بأن العدد المطلوب لتشكيل المرجعية السياسية الكوردية لا تفي بالنسب المحددة لكل مكون. مشيراً بأن تحديد النسب سيتقرر في اجتماعات المجلس الوطني الكوردي، وليس في اجتماعات الأحزاب.
 
أحمد سليمان عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي في سوريا حذر من جانبه  في منشور له من النتائج التي قد يترتب من المشاكل والخلافات الذي يعانيه المجلس الوطني الكوردي على مصير اتفاقية دهوك، بالقول: " المجلس الوطني الكوردي يعاني من مشاكل لم يتمكن من حلها في حينها وتراكمت تلك المشاكل، وبالتوقيع على اتفاقية دهوك ترتب عليها التزامات محددة لإنجاز الاتفاق على الأرض، وإلا فأنها ستتحمل أسباب عدم تنفيذ الاتفاق، و تقضي على المناخ الإيجابي الذي ساد أجواء وفده أثناء التفاوض، وكي نتجاوز هذه المرحلة، و نستجيب لما يترتب علينا نحو الاتفاق، أجد ضرورة الابتعاد في هذه المرحلة عن مناقشة مشاكل المجلس المزمنة، و التوجه إلى الأمر الرئيسي وهو اختيار الممثلين للمرجعية السياسية، وذلك للبدء بتنفيذ الاتفاقية على الأرض، لأن ما يترتب على ذلك دولياً وإقليمياً وداخلياً لا يحتمل التأجيل، وفيما بعد وفي سياق الواقع العملي سنتمكن من حل الكثير من مشاكلنا في ظل الأمر الواقع ومتطلباته، والتي نفتقد إليها الآن، مما يجعلنا في حالة الترفيه والترهل في آن واحد، وأنا على يقين بأننا قادرون على تجاوز هذا التحدي في إطار مصلحة شعبنا بعيداً عن مكاسب حزبية ضيقة هنا وهناك".
حركة المجتمع الديمقراطي من جانبها تنتظر وتأمل من المجلس الوطني الكوردي تجاوز خلافاته لاستكمال اجتماعات الطرفين سعياً لإنجاح اتفاقية دهوك، وفي سياق هذا الأمر، قال عبد السلام أحمد في تصريحه لصحيفتنا: "نأمل أن يتجاوز المجلس الوطني الكوردي خلافاته حول المحاصصة ونسبة تمثيل كل حزب في المرجعية السياسة الكوردية، ومما لاشك فيه بأن خلافاتهم تنعكس سلباً على تنفيذ بنود الاتفاقية في المدة الزمنية المحددة وتؤخر عملية مشاركتهم في هيئات الإدارة الذاتية الديمقراطية. وقد مر زمن ليس بالقليل على توقيع الاتفاقية وشعبنا لازال بانتظار إعلان تشكيل المرجعية الكوردية التي سيقع على كاهلها وضع خريطة طريق للعمل المشترك".
اتفاقية دهوك ..... وشكوك البعض
 منذ توقيع الاتفاقية في دهوك شكك البعض بجدية الأطراف في إنجاح هذه الاتفاقية ، ولاسيما فيما يتعلق ببند تشكيل المرجعية الكوردية، وبغض النظر عن صحة آرائهم في هذا المجال، فهم يرون أن هذه الاتفاقية ستكون مصيرها مثل الاتفاقيات السابقة ( هولير1، هولير2) التي فشلت ولم تحقق هدفها في توحيد الأطراف الكوردية ضمن مرجعية سياسية موحدة.
الكاتب خليل كالو أحد المشككين بنجاح اتفاقية دهوك، انتقد الأحزاب السياسية لسعيها نحو تشكيل المرجعية بمفردها وطالبها بإشراك ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والفعاليات الثقافية والروحية في المرجعية الكوردية المزمع تشكيلها، وقال لصحيفتنا: " إذا كانت المرجعية القومية والوطنية لدى كل الشعوب تستند في أساسها على القيم والثوابت القومية والوطنية ومصالح تلك الأمم وعلى العقد الاجتماعي المبرم بين كافة فئات وطبقات المجتمع على شكل نصوص مكتوبة في دستور معلن يحترم من قبل الجميع وملزم لكافة الجهات، إلا أن الأحزاب والقوى السياسية تسعى لترسخ مفهوم المرجعية في الوسط السياسي والمجتمعي الكوردي وجعلها حكراً فقط على الأحزاب الكردية دون أن تحترم مشاعر وطموحات الشعب الكوردي في تطلعاته وأهدافه القومية واستشارته في قضايا متعلقة بمصيره والأخذ برأيه. بل نصبت نفسها وصيةً على المرحلة دون وجه حق وشرعية قانونية في مسعى منها لتقسيم الكعكة والمجتمع فيما بينها مناصفة، وكأننا ملك آبائهم وأجدادهم بالوراثة حيث لا شعب ولا قضية مركزية في منظور البعض. وفي ظل غياب تام لعناصر هامة وفعالة وأساسية من الحركة الكوردية من الفعاليات الثقافية والاجتماعية والروحية ونواة المجتمع المدني التي من المفترض أن تكون الضمان الحقيقي في نجاح تنفيذ الاتفاق وفي صنع القرار المستقبلي للكورد."
وأضاف كالو: "هنا لا بد من القول أن الشعب الكوردي على أمل أن تحقق تلك الأحزاب المتفقة عملا يأتي بنتائج إيجابية خلاقة كأضعف الإيمان ويجب أن تفعل شيئا غير التي سبق كنوع من التكفير لذنوبها وإدراك مسؤوليتها تجاه التاريخ والشعب ولكن هناك تحفظات جمة وأسباب كثيرة تجعلنا نشكك في تحقيق اتفاقية دهوك لبنودها وتقلل كثيرا من فرص نجاح تنفيذه ومن أهمها :
- غياب النظرية الفكرية والثقافية ذات الهوية المتمايزة و الشخصية الكوردية المستقلة في فضاء الاتفاق وعيش الأحزاب المتفقة في فوضى المفاهيم والمصطلحات والصراعات البينية. وهيمنة ذات الشخصية الأنانية والذهنية الحزبوية في إقرار و شرعنة تقسيم المجتمع وطاقاته وإرادته فيفتي ـ فيفتي علناً ليبدأ التنافس ويشتد الصراع على الكراسي منذ الآن .
- فقدان أغلب القيادات السياسية المرونة والمناورة والمبادرة تجاه المرحلة وهي ما زالت تعمل بذهنية فجة وبموروث السلف البالي الذي تتعارض مع روح العصر والحداثة وتعيش أغلبها الأمية المقنعة والمقننة السياسية ولا نعتقد أن باستطاعة مثل هكذا عقول ونمط تفكير أن تبدع في إيجاد طرق وأساليب فعالة وتضحي بمصالحها الخاصة في ظل عدم إقرارها إلى الآن بأخطائها وموبقاتها ووقوفها حجر عثرة في وجه كل تغيير .
- الشكل التنظيمي والأطر التي تعمل خلالها بعض من الأحزاب السياسية الكوردية والتي تظهر على شكل أحزاب بدائية هاوية غير محترفة وتقليدية غير جدية في عملها ولا تمتلك أدوات القوة على الأرض لذا سوف تتهرب من الصفيح الساخن. وهنا لا ننسى الوضع الاقتصادي والمالي للبعض منها التي تتلقى تمويلاً خارجياً وبالتالي سيكون قرارها مغتصباً وغير سيادي. في النهاية أقول: لا تغيير بدون تغيير الذات أولا وبالعمق البنيوي".
يبدوا أن مسألة تشكيل المرجعية السياسية الكوردية الموحدة تمر إلى الآن في طريق مليء بالمعوقات والصعوبات المتعلقة بالعامل الذاتي للأطراف الكوردية، ونخص بالذكر المجلس الوطني الكوردي الذي لا يزال الخلافات تسود بين أحزابه حول نسب التمثيل في المرجعية. 
على المجلس الوطني الكوردي أن يدرك هذا الأمر جلياً، ويخرج من قوقعة خلافاته، لأن نجاح اتفاقية دهوك بكل بنودها هي نجاح للشعب الكردي في روج آفا، ويمكن القول أن نجاحها ستكون أبسط هدية يمكن تقديمها لمقاومة كوباني... التي لاتزال تتنظر خبر توحيد الخطاب السياسي الكوردي وتوحيد الأطر السياسية ضمن مرجعية موحدة و تأطير جميع القوى والطاقات الموجودة في إطار نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية المعلنة في روج آفا... وعندئذ فقط سيزداد ثقة الجماهير الكوردية والنخبة المثقفة بالحركة السياسية الكوردية.
 
• هذا التحقيق تم نشره في صحيفة روناهي – العدد 155 / 17 تشرين الثاني 2014م