شفان ابراهيم : الإرسال والتلقي بين الكورد والأعلام العربي

2014-11-09

لا يزال القلق يساور الكوري حيال الأعلام العرب أينما حلّ, ولا يزال الكوردي في صورة المتأفف دوماً بالنسبة للأعلام العربي. ووفق جدلية الحذر والشك الدائمين, لن يتمكن كلا الطرفين الخروج من عباءة التقديم والتبرير.
الأعلام العربي بين الأمس واليوم 
حتى الأمس القريب كانت القضية الكوردية شبه مغيبة ومهمشة لدرجة النسيان في الأعلام العربي, ولعل ما يقلل من نقمة الكورد على الأعلام العربي أنه كان أعلام حزبياً متزمتاً تابعاً للدول والأنظمة الحاكمة, أو متقاطعة بمصالح مع تلك الأنظمة ولو عل حساب حقوق الشعوب, ومن جهة أخرى فإن الغبن لم يختص بالكورد وحدهم, بل كان التهميش والأحجام شاملاً لجميع الأقليات في الوطن العربي, بدليل أن غالبية الجيل القديم لم يكن يعلم حقيقة الأمازيغ, والبربر, والطوارق, والديانية اليذيدية, وغيرها... وصحيح انه لا أعلام مستقل بالكامل, لكن نمطية الإرسال تغيرت, وأصبح الأعلام العربي يحاول جاهداً مجاراة التغيرات الحاصلة كما هي لا كما ترغب, وإن كانت لا تزال تحت تأثير المال السياسي والتوجهات الإقليمية, لكنها تغيرت بشكل كبير حيال تعاطيها مع شؤون الأقليات والشعوب الغير عربية, إضافة إلى تحويل بعض الحقائق وفق إستراتيجية المحطة.
ولعل قضيتي شنكال وكوباني أماطت اللثام عن حجم التجاهل السابق, والانفتاح على الكورد. أن تسمية كوباني وحدها يعد ثورة رقمية كوردية في عالم الميديا, فمعظم الأعلام العربي اليوم وحتى الغربي نوعاً ما, يلقي الضوء على كوباني ككوباني وليس كعين العرب وحدها, والإجحاف الكبير إنه في الوقت الذي تسلط جميع قنوات الأعلام العربي على القضية الكوردية وفق المنظور الكوردي في مفاصل عديدة, فإن الأعلام السوري لا يزال رهين التسميات والمدلولات المجحفة بحق الكورد. 
ومع أن الصورة اختلفت كثيراً اليوم, وبات للكورد موقع جيد في الأعلام العربي, إلا أنها لا تزال دون مستوى المأمول منه لدى شريحة واسعة من أبناء الشعب الكوردي, خاصة من جهة التعاطي مع القضية الكوردية كقضية كوردية ذو خصوصية شائكة في الشرق الأوسط.
هل الإعلام العربي وحده المقصر
إن ألقاء اللوم على الأعلام العربي وحده, كأعلام عربي يتجاهل القضية الكوردية, هو التفاف حول الذات, فالأجدر بالكورد اقتحام العالم الرقمي العربي بشتى الوسائل والسبل. فالخزان البشري الإعلامي موجود, والدعم المادي متوفر, مع ذلك لا يزال السياسي الكوردي يتردد في اختراق حصرية الأعلام العربي على العربي فقط. فجميع القنوات الكوردية البالغ عددها زهاء العشرين فضائية أو أكثر تنطق باللغة الكوردية وحدها, مع العلم أن أكثر من نصفها مجهولة الاسم, ومهملة المتابعة, وهي غير معروفة لدى قسم كبير من الجيل الجديد, وتقتصر المتابعة على بعض القنوات فقط. مع ذلك فإن السؤال الكوردي يبقى رهين الحسابات السياسية, ومع الحاجة الماسة الملحة لفضائية كوردية ناطقة باللغة العربية ولكن تضارب الوجهات السياسية في كل المواقع التي يتواجد بها الأكراد واختلاف المطالب بحسب المراحل التي مرَّ بها الكفاح الكردي، حال دون ذلك. فالكوردي يعرف جيداً ماذا يحصل في جميع المدن والمحافظات والمناطق الكوردية, لكن المتابع والمشاهد العربي يجهل تماماً ما يحصل, وهو الخلل البنيوي في آليات الخطاب والعمل السياسي الكوردي, من ناحية التعاطي والتواصل مع الأخر.
الأعلام العربي يبقى ملاماً دوماً
يقيناً لم يمنح الأعلام العربي القضية الكوردية حقها بالشكل المطلوب, لكن ثمة أسئلة فورية يطرحها المشاهد والإعلامي العربي في أول وجبة لوم من الكوردي تجاه الخطاب الإعلامي العربي قائلاً: هل أشتغل الكوردي على زج نفسه في الإرسال العربي, أم أن المحطة العربية تقع في دائرة تلبية الطب والحاجة الكوردية دوماً, دون أن يُقدم الكوردي الوجبة الإعلامية كما هي دوماً. في الواقع أن المعضلة الكبرى في الأعلام الكوردي هي أنه أعلام مسيس بدرجة كبيرة جداً, ويطالب الأعلام العربي بالحياد والموضوعية. وحتى هذه اللحظة يعد طرح أي موضوع مخالف للرأي الكوردي في الميديا العربية, سواء أكان الطارحُ عربيٌ أم كورديٌ, من الموبقات التي تستوجب حرباً شعواء.
نموذج عن الأعلام العام والحالة الكوردية
تعد فضائية الأورينت, المحطة الإعلامية الأولى, سواء من بين محطات المعارضة السورية, أو المحطات العربية, أو حتى محطات المعارضة في الشرق الأوسط, بما فيها محطات المعارضة العراقية أبان النظام السابق, تعد المحطة الأولى التي تمنح الكورد نشرة إخبارية باللغة الكوردية, بمعدل ساعتين يوميا موزعة على البث المباشر والإعادة, إضافة إلى البرامج الخاصة عن الكورد, من ضيف المشرق إلىفي المحور, إلى تفاصيل, وغيرها. أما موقع الأورينت فهو الأخر لا يكاد يمر يوم دون أن يكون هناك خبر أو مقالة, أو حدث عن الكورد. لكن يبقى البعض من المتلقي الكوردي في حالة هيجان وفوران دوماً ضد أي حالة إعلامية تصب في الخانة المعاكسة للرأي أو الحقيقة الكوردية 
الكورد يتحملون السبب أيضاً.
إن الاكتفاء بالنقد, وإظهار السخط وعدم الرضى على الأعلام العربي, لا يجدي نفعاً, فلا بد من الرد بالحقائق على كل ما يمكن تسميته بالأضاليل. الحقيقة الساطعة إن أغلب المثقفين العرب لا يهتمون بدولة كوردستان, ويعتبرونها شأن الكورد وحدهم, وهذا الموقف من جهة  يعدّ خاطئً جداً, فأي مثقفٌ هو ذاك الذي يتجاهل القضايا الأكثر إلحاحا, ويتكابر على هموم الشعوب المجاورة له, ويصر على حمل صفة المثقف, ومن حهة أخرى فالكورد هم المعنيون المباشرون بشرح الواقع الكوردي للأخر, فأي أخرّ يشرح القضية الكوردية, سواء إعلاميا أو غير ذلك, سيشرحها من منظوره هو ومن فكره هو..
كوردستان العراق في قلب الحدث الإعلامي
لعل الطفرة الاقتصادية من بين أبرز الأمور المساهمة والعوامل الفعالة الجاذبة للأعلام العربي لتغطية الحالة الكوردية سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافياً. فكوردستان العراق تعد من ابرز المشاريع الإنمائية وابرز الأسواق الإعلامية التي تجبر جميع المحطات والفضائيات على غزو السوق الكوردية, إضافة إلى حرية الصحافة والرأي والأعلام المتوفرة في كوردستان, كل هذه العوامل جعل من كوردستان ساحة استقطاب لأغلب الجهات الإعلامية.