ولات احمه : بقعة الوطن تتسع للجميع

2014-11-03

كاشف الفساد، يتم النظر إليه على أنه يضحي بمجمل وقته ونفسه، وبالغالي والنفيس في سبيل خدمة الصالح العام، لرفع الظلم والإجحاف عن فئة، أو موضوع معين. وفي الجانب الآخر، يراه آخرون على أنه "إضاءة مؤقتة" يسعى بكل جهده للشهرة الشخصية، وللعلو والسمو في عموم زوايا المجتمع على حساب آخرين، ليكون في نهاية المطاف الفشل الذريع من أكبر نتائجه واكتشافاته.
 
 
 
 
 
من هنا، بات على كل فرد يسعى لكشف الحقيقة، التحكم إلى لغة العقل المغلفة ببديهيات العمل الاستقصائي، معتمداً التحليل المنطقي في تقديم الوثائق والبيانات والأدلة القادرة على دفع موقفه وعمله إلى درجة القبول والتصديق من عموم الجماهير، دون اللجوء إلى إيذاء الآخر، معتمداً التشهير والطعن في السلوك بشكل اعتباطي، بعيداً عن كل المعايير المؤسساتية الساعية لقول الحقيقة، وفقاً لآليات تعتمد على البحث والتدقيق للحفاظ على الموضوعية والدقة في حجم الخبر المراد تسويقه. حيث أن الالتزام الأخلاقي يعتبر من أهم المعايير الحيوية في الحكم على الهدف المستقصي، سواء أن كان فرداً أو جماعة.
 
 
 
 
 
وعندما كان الصدق والإخلاص مطالب أساسية في العمل التنظيمي، يبقى من الجيد أن يكون الفرد وفياً للفترة الزمنية التي عمل فيها ضمن إطار تنظيمي معين، إلى جانب مجموعة من الأفراد، دفعتهم تقاطعات وقواسم مشتركة، إلى تبني مجموعة من النقاط والأهداف الساعية لمواكبة حدث مفصلي مفاجئ، بالإضافة إلى توفير كل السبل لخلق المناخ السوي للوصول إلى الذيوع المرجو، وتحقيق الطموح المراد لمجمل فريق العمل.
 
 
 
 
 
جوان يوسف، سعى ضمن إطار شبابي إلى المشاركة مع مجموعات شبابية في قيادة الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري في مطلع شهر آذار/ مارس 2011، ليتم الإعلان ومن منزله، مع مجموعة من النشطاء تقاطعوا في نقاط أساسية إلى تأىسيس "ائتلاف شباب سوا" في أواخر شهر نيسان/ ابريل 2011. حيث تم تكليفه من قبل الائتلاف، للظهور على الإعلام المرئي والمسموع والمقروء باسمه الصريح، كحال لسان مجموعة من النشطاء الشباب، ليكون ذلك سبباً فاقعاً للملاحقة الأمنية والاعتقالات المتفرقة في صفوف الائتلاف.
 
 
 
 
 
توارى يوسف مع البعض من رفاقه في الائتلاف عن الأنظار، تفادياً للاعتقال، وليبقى على رأس عمله دون أي تقصير، وبقي متواصلاً مع أعضاء الائتلاف بشكل يومي، ليكون حاضراً للعديد من اجتماعات الائتلاف، وفقاً للوضع الأمني آنذاك. ولم تكن له أي صلة بالمكتب المالي للائتلاف "المكتب الخالي أساساً من السيولة المالية".
 
 
 
 
 
تعرض منزله والمزرعة العائدة بملكيتها لوالده للمداهمات الأمنية بشكل متكرر، مما دفعت بعائلته إلى التواري عن الأنظار، وبعد ضغط مفرط من قبل أعضاء الائتلاف، غادر جوان يوسف مدينة قامشلو إلى تركيا، ليبقى على رأس عمله الإعلامي والسياسي ضمن الائتلاف، ساعياً لتقديم رؤية الائتلاف في المحافل الوطنية والدولية، إلى جانب العمل وفق طاقته على تقديم العون والمساعدة لأعضاء الائتلاف في الداخل لمزاولة نشاطهم. الائتلاف الذي واجه العنف والاعتقال والتشهير المزدوج من قبل الأذرع الأمنية السورية، ومن قبل الأطر السياسية الحزبية والشبابية الكردية والبعض من المستقلين، بسبب العديد من المواقف السياسية، التي كان موفقاً فيها إلى درجة جيدة، وفقاً لقراءة سياسية صحيحة.
 
 
 
 
 
كان من البديهي بروز بعض الارتباك، والخلافات التنظيمية، والتباين السياسي ضمن إطار الائتلاف في ظل التغيرات المتسارعة على الساحة الكردية والسورية، مما دفع بـ "يوسف" إلى تقديم استقالته من الائتلاف، وأن رافقت الاستقالة بعض الأخطاء التنظيمية من قبله، إلا أنها لم تصل لدرجة اختلاس أي مبلغ مالي من الائتلاف، أو إساءة استخدام منصبه في بعض الأطر المعارضة الكردية والسورية لأهداف غير مشروعة. وكذلك، لم يصدر أو يناقش ضمن "ائتلاف شباب سوا" أي كتاب رسمي بخصوص هذا الشأن حتى تمام هذه اللحظة، لعدم حدوثها أصلاً.
 
 
 
 
 
لسنا في موقع الدفاع عن أحد، ولسنا في خندق المواجهة مع الآخر، وبعيداً عن الضجيج الحاصل في ملفات الفساد التي تفرغ لها الزميل"احمد موسى"، وبين جملة من الاتهامات التي وجهت للزميل"جوان يوسف"، يُقال أن هتلر كان يخفي تحت وسادته كتاب "الأمير" لـ نيكولو ماكيافيللي، لينام هادئاً فوق وصيته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة"، وكدليل قاطع لإقناع نفسه في اللجوء إلى شتى الوسائل والطرق للوصول إلى ما يسعى إليه. فأن اعتماد المعيار الميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" في واقعنا الاجتماعي والسياسي للوصول إلى الهدف المرجو، يبقى معياراً غير سوي، بحكم الساعي إلى الغاية الصحيحة يجب أن يمارس الوسيلة الصحيحة، فالوصول إلى الحق بطريق الباطل، هي خدمة شخصية دون أي منفعة للجمهور العام.
 
 
 
 
 
الساعي إلى تجريد العمل السياسي من الأخلاق، والفصل بين السياسة والأخلاق، يهرول نحو قانون الغاب، حيث الفراغ الهائل المخيف، حيث كل شيء مباح، تفعل ما تشاء في ظل غياب القانون والضوابط والأخلاق. هناك، الساعي لا يحاول الوصول إلى خطاب توجيهي سياسي محنك ناضج، يسعى إلى استغلال غياب المؤسسات الضابطة لإيقاع المجتمع الناجع، حيث لا وسائل إعلامية جيدة، ولا خطاب ثقافي ناضج، والأكثر ألماً مؤسسات حزبية أثقلت كاهل المجتمع بخطاب ديماغوجي مزعج عنيف غير مجدي، يدفع بشكل تلقائي إلى ولادة خطاب جماهيري عام، تكون أداة التشهير والتخوين تحت يافطة "حق حرية التعبير وإبداء الرأي" الأكثر استخداماً لتسلق قمة الهرم المراد تسلقه، وهذا ما يحدث تماماً في واقعنا الكردي والسوري.
 
 
 
 
 
واقع كردي مرتبك متأزم، لا السياسي يمارس السياسة، ولا المراقب أخلاقي، ليبقى الناشط الشبابي أسيراً للفقاعات الطفولية، مختزلاً كل جهده وتفكيره بعدد أسماء من توجه إلى الشتات، إلى خارج الوطن، من خلال اتهامات معلبة، مسبقة الصنع، متكررة، لا يتغير فيها شيء سوى اسم المتهم. التفويض الديمقراطي، الذي يستغله الناشط أوالمثقف أوالسياسي تحت ذريعة وضع المواطن أمام عين الحقيقة، يجب أن لا تفقده بأن عدالة أي هدف،لا تبيح له الوسائل التي قد تتجاوز الالتزام الأخلاقي. ليس ثمة شيء أقدس من الإنسان، ومن المجحف أن نطلق عنان الحرية لكافة وسائل الكفاح والنضال، دون الوقوف أمام معاييرها الأخلاقية، ونسوغها فقط على مقاس المصالح الشخصية والغايات الحزبية الضيقة أوالأهداف القومية والوطنية، فأن الوسائل والغايات دائرتان متداخلتان، فأن كانت الوسائل صحيحة سنصل إلى الغاية دون أي تشويه، دون خلق فضاء عقيم من الجدال والخصام اللغوي المجتر، الغير القادر على إنتاج نهاية صحيحة، كما في مقولة تولستوي:"إن الشر لا يقتل الشر كما النار لا تطفئ النار".
 
 
 
 
 
في النظرية السياسية، يرى أفلاطون: "أن أساس الحكم أربع فضائل: هي الحكمة وهي الجانب الفلسفي، والشجاعة وهي الجانب الطبيعي، والعفة وهي الجانب النفسي، والعدالة وهي الجانب السياسي، ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن حكم الناس". ويسير أرسطو على تمام النهج في الربط بين السياسة والأخلاق "أن نجاح السياسي كفرد يبدأ من ممارساته الأخلاقية، ونجاح المجتمع سياسياً بممارسته لآليات السياسة بصورة أخلاقية واعية". وكذلك، قال المفكر الجزائري، مالك بن نبي: "إذا كان العلم دون ضمير خراب الروح فأن السياسة بلا أخلاق خراب الأمة".
 
 
 
 
 
في سوريا، ومع انهيار الدولة، وشيوع التطرف، وبروز الأنانية، يجب أن نسعى إلى الحفاظ على قيم الحريات وحقوق الإنسان، والعمل على منع خدش الحس الإنساني بجملة من المؤثرات الهادفة إلى تنامي الحقد والكراهية في ظل الصراع الاجتماعي والعسكري والسياسي الراهن في المنطقة. طلب الحرية، يفرض على طالبها تبني قيم إنسانية، ممهورة باحترام الآخر، والحرص على مشاعرهم، والعمل على إزالة الخلل القائم في الثقافة الجمعية لعموم الأفراد في الدائرة المجتمعية، عبر وسائل ناجعة قادرة على خلق مناخ ملائم يتفاعل فيها الأفراد عبر حركة صحيحة في المسارات والسيالات المختلفة المواكبة للنشاط والفعل الإنساني. لذلك، الجميع مدعو إلى تعزيز مواطن الصواب، وتصحيح مواطن الخلل، بدون إصدار الضجيج من قامة الأقلام.
 
 
 
 
 
خلاصة القول، بقعة الوطن تتسع للجميع، والسبل النضالية هي قيمة أخلاقية، ودون رادع أخلاقي، يتحول العمل التنظيمي إلى صراع للوصول إلى سدة السلطة، شغفاً بها وإما لغايات شخصية، ويكون الدافع الرئيس إلى فطام نهائي بين مجموعة من الأفراد في بقعة جغرافية معينة، تمد بظلالها لاحقاً إلى بُقع أخرى. العامل الأخلاقي يمهد طريقاً ملائماً، سلساً، للناشط والمثقف والسياسي، ويسهل من مهامه في بناء مجتمع عادل، يتساوى فيه المواطنون بالواجبات والحقوق دون أي تمييز.