SozdarMîdî (Dr. E. Xelîl) سلسلة: نحو مشروع كرُدستاني استراتيجي ( الحلقة 27) المثقّف الكُردي.. وفكرنا القومي

2014-10-18

فكرنا القومي هو القاعدة الروحية (المعنوية) لمشروعنا التحرّري الشامل، وبقدر ما يكون صائباً ومتيناً، تكون مسيرتنا التحرّرية صحيحة وقوية ومُثمِرة. ويبقى الحديث عن فكرنا القومي ناقصاً، ما لم نبحث في دور المثقّف الكُردي، وهذا يقودنا إلى أن نتساءل بدايةً: تُرى ما هي الثقافة؟ ومن هو المثقّف؟
ما هي الثقافة؟ومن هو المثقّف؟
- ما هي الثقافة؟لعلّ أقدم تعريف للثقافة هو ذاك الذي قدّمهالأنثروپولوجي الإنكليزيإدوارد تايلورEdward Tylor(1832- 1917) قائلاً: " الثقافة... هي ذلك الكلُّ المركَّب الذي يشتمل على المعرفة، والعقائد، والفنّ، والأخلاق، والقانون، والعادات، وغيرها من القدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في مجتمع"( ).
ووضّح الأديب الألماني توماس مانThomas Mann(1875 - 1955) العلاقةَ الوثيقة بين الثقافة والحضارة، قائلاً: " الثقافة تتعلّق بالنواحي الروحية والقِيَم الجمالية والفنون، بينما الحضارة تتعلّق بنماذج الحياة المادّية؛ كالملبس والمأكل والمَشرب والمواصلات، وتتعلّق بالنماذج العلمية؛ أي نماذج العلوم"( ).
وإضافة إلى ما سبق، نعتقد أن الثقافة تعني امتلاك المعلومات، والتصنيف، والربط، والمقارنة، والاستنباط، والتقويم، والتوقّع، والارتقاء بالفرد والمجتمع، إننا بالثقافةنتغلّب على الضَّعف والتخلّف، ونصبح أكثر قوّة وتحضّراً وإنسانية، وبالثقافة نفهم الآخرين أكثر، ونملأ قلوبنا أملاً ونقاءً، وأفكارَنا سُمُوّاً وطُهراً،ونصبح أكثر شجاعة، وأقدرَ على الدفاع عن وجودنا ضدّ الاحتلال والاستلاب.  
–من هو المثقّف؟المثقّف هو من يتخصّص في مجال ثقافي أو أكثر، ويكون صاحب مشروع معرفي، وهو عاشق قراءة من الطّراز الأوّل، همُّهاكتشاف الذات، واكتشاف الآخرين، والتوحّد بالعالَم. والمثقّفون درجات،والمثقّف الأرقى يرى في حبّة رمل من العجائب ما يراها في المَجَرّات، وينشغل بتاريخ نملة كما ينشغل بتاريخ إمبراطور، ويكتشف الجمال فيما قد يُعدّ قبحاً. ولا يكتفي بـ (ما هذا؟)بل يسعى بإخلاص إلى معرفة (لِمَ كان هذا؟)، و(كيف كان هذا؟).
والمثقّف الأرقىلا يقيم حاجزاً بين ما يَعلم وما يعمل، إن ما يؤمن به هو ما يمارسه، وكلُّ فكرة جديدة هي بالنسبة له أفق جديد، وكل معرفة جديدة تعني لديه أداءً أفضل، وخُلُقاً أنبل، وسلوكاً أرقى، وأهدافاً أسمى، ومنجزاتٍ أكثر نفعاً لنفسه ولأمّته وللبشرية. وبقدر ما يكون المرء أكثر ثقافةً يكون أرحب أفقاً، وأوسع رؤيةً، وأنقى إنسانيةً، وأرقى سلوكاً، وأنفذ بصيرةً، وأعمق تحليلاً، وأقوم حُكماً.
تصنيف المثقّف كُردَوارياً:
في دراسة سابقة بعنوان "التصنيف الكُردَواري للشخصية"، ميّزنا سبعة أنماط من الكُرد: (النبيل، والأحمق، والمغفَّل، والجاهل، والمتخاذل، والانتهازي، والميّت)، انظر الرابط: http://www.gemyakurdan.net/gotar-nerin/gotari/item/6599-2013-02-02-22-45-02ويسري هذا التصنيف على المثقّف الكُردي أيضاً، وفيما يلي-باختصار- رأيُنا في أنماط المثقفين على ساحاتنا الثقافية:
1 –المثقّف النبيل: هو ذاك الذي يجسّد الأصالة الكُردستانية وعياً،ورؤيةً، وقِيَماً، ومشاعر، وقولاً، وعملاً، ويربط مصيره بمصير أمّته، ويوظّف قدراته الثقافية بجدّ في سبيلها، وهو الأكثر تضحية ثقافياً،والأقلّبحثاً عنالشهرة والمكاسب المادّية.
2 - المثقّف الأحمق: هو ذاك المتحمّس الأهوج، الذي تتسلّط عليه حساباته الشخصية ورؤيته الضيّقة، فيصبح- من حيث لا يدري- أداةً في يد المحتلّ، ويجرّ على أمّته الأضرار من خلال أقواله وكتاباته وسلوكيّاته غير المحسوبة بدقة.
3 - المثقّفالمغفَّل: هو ذاك الذي ينساق مع التحليل السطحي للمشكلات، ويخطئ في ترتيب الأولويات، وينشغل بالفروع دون الأصول، ويقع في مصيدة المحتلّين، ويصبح بأقواله وكتاباته أداة في أيديهم من حيث لا يدري. 
4 - المثقّف المستلَب: هو ذاك الذي صرفته ثقافة المحتلّين عن معرفة هويّته وتاريخِ أمّته وتراثها وثوراتها وتضحياتها، ويعيش على هامش الانتماء الكُردستاني، وتمنعه حالة الاستلاب من توظيفثقافته في الدفاع عن هويته وشعبهووطنه.
5 - المثقّفالمتخاذل: هو ذاك الذي يدير ظهره لقضية شعبه الأساسية "وطنٌ محتلّ وشعبٌ مُستعمَر"، ويتقاعس عن نُصرة أمّته بالكلمة، وينشغل بمصالحه الشخصية أو الأسرية، والانتماءُ الكُردستاني عنده مجرّد مظاهر لا أكثر.
6 - المثقّف الانتهازي: هو ذاك المُرتزِق النَّذْل، إنه يرى شعبه فقط من خلال مصالحه، ويتظاهر بالوطنية ليقتنصالشهرة والمال والجاه على حساب عذابات شعبه وأشلاء وطنه، وهو غيرَ مهتمّ بما تعانيه أمّته من احتلال واستعمار وقهر وصهر.
7 - المثقّف الميّت: هو ذاك الممسوخ كلّية، وقد يكون كُرديّ الاسم واللغة والموطن، لكن لأسباب ذاتية واجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية،انمسخ كلّياً،ولم يعد كُردستانياً لابذهنيّته، ولا برؤيته، ولا بقِيَمه، ولابمشاعره، ولا بمشروعه الثقافي.
بعض هؤلاء المثقّفين الكُرد أصبح في ذمّة التاريخ، وبعضهم يعيش بيننا.وبطبيعة الحال لسنا الأمّة الوحيدة التي يوجد فيها هذه الأنماط من المثقّفين، لكن ظروف الاحتلال طوال 25 قرناً، وأساليب المحتلّين الماكرة والمتوحّشة في القهر والصَّهر، وفي تدمير ثقافتنا وقِيَمنا القومية الأصيلة، واختراقِ شخصيتنا القومية، قلّلت نسبة المثقّفين الأُصلاء النُّبلاء، وزادت من نسبة الأنماط الأخرى.
الحقيقةالمُرّة:
الحقيقة أن الخلل في مسيرتنا الثقافية، وتقصيرَ بعض مثقّفينا في تأسيس فكرنا القومي بمعناه الشامل، لا يرجع إلى سياسات المحتلّين فقط، بل يرجع أيضاً إلى الإهمال الذي لقيه مثقّفون كُرد كثيرون من قِبل الأحزاب الكُردية، إذ كان من المفترَضأن تقدّم أحزابنا النضالَ الثقافي على النضال السياسي والعسكري، أو على الأقلّ أن تعطي الاهتمام بشكل متساوٍ لهذه الأساليب النضالية، والواقع أن الأمر لم يَذهب في هذا الاتجاه، وما زال هذا الواقع هو السائد. 
إنمسيرتنا التحرّرية كانت تقتضي أن تتواصل أحزابنا مع مثقّفينا، فتنبّه المقصِّر، وتشجّع المُجِدّ، وتوفّر لهم المراجع، وتتبنّى نتاجاتهم المفيدة طباعة ونشراً، وتطالبهم بوضع خطط تثقيفية للجماهير، وبالكتابة في محاور ثقافية جادّة ومتنوّعة، كلٌّ بحسب تخصّصه واهتماماته، وكان من المفترَض أيضاً أن تُعين المحتاج منهم ولو بقليل من المال، فليست الجيوش وحدها هي التي تزحف على بطونها، كما قال ناپليونبوناپارتNapoléon Bonaparteبل المثقّفون أيضاً، إن مثقّفاً لا يملك ما يُشبع به أسرته ويكسوهم، وتحاصرهظروف معيشية تعيسة، كيف يمكنه أن يبدع؟!
أجل، كان هذا هو المنتظَر من أحزابنا، لكن الواقع مُرّ، والأمور سارت باتجاه آخر، وفي أحيان كثيرة صار المطلوب هو المثقّف المتحزِّب، أو المثقّف الشُّلَلي المُرتزِق،المثقّف الذي يصبح بوقاً للحزب، وأُهمل من لم يتحزّب ويتشلَّلويرتزق ويَتبوَّق، بل لاحظوا الآن فضائيات ومجلاّت أحزابنا كبيرها وصغيرها، تُرى كم هي نسبة الموضوعات الثقافية الجادّة التي تقدّمها؟ وكم هي نسبة تواصلهامع المثقّفين الجادّين؟ وكم هي نسبة اهتمامها بتعميم الفكر القومي الوطني الأصيل؟
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كرُدستان!
19 – 10 – 2014
sozdarmidi@outlook.com