ابراهيم اليوسف : لمن أكتب

2014-10-04

هل طرح أحدنا، من متعاطي الكلمة، إنتاجاً، ذات يوم، لاسيماهؤلاء الذين بات لتفاعلهم مع عالم الكتابة حضورزمني، من التجربة، والتواصل مع قرائهم، السؤال التالي على ذاته" لمن أكتب؟"، وهوفي حقيقته ليس إشكالياً-فقط- بل وأنه في الوقت ذاته عويص، مادامت الإجابة عنه محفوفة بعدم مقدرة الكاتب الإحاطة به، من جوانبه كافة، وإن كان في إمكان أي منهم الحديث عن بعض مايشده للوقوع في غوايات هذا العالم.
لاشك أن عملية الكتابة، وعلى عكس ماقد يتخيلها أبعاضنا من المستسهلين،  من عداد أصعب أشكال الإنجازالإنساني على الإطلاق، وذلك لأن لها مستويات كثيرة، فهي في أولى وظائفها، لاتعدو أن تكون وسيلة للتواصل بين الناس، كوجه أرقى مماهوشفاهي، بل وأرقى ماهو تدويني مدرسي، وإن كان سبب اللجوء إلى اعتماد الكتابة بين طرفين، هووجود مسافة ما مكانية أو زمنية أوافتراضية بينهما،  حيث طالما أدى تجاوز هذا العائق، إلى هيمنة المشافهة، وأن الخطاب الجماهيري سيدعو-عبردورة الزمن- إلى الاستعانة بالكتابة، من قبل الخطيب، كتجسيد لحالة احترام المتلقي، وإن كان الخطاب سيصله، من خلال التلقي السمعي، لاالقرائي، وهوما باتت الاستعانة بها، عبربعض الرئات الثقافية والفكرية، كما: الندوة، أوالملتقى، أوالأمسية، أوالمهرجان، أوالمؤتمر، تجعلها أحد أشكال التواصل الثقافي الذي يجمع بين عناصرالتلقي الشفاهي والتدويني في آن واحد.
و ثمة مسؤولية كبرى في عملية الكتابة-لاسيما الإبداعية منها- تقع على عاتق منتجها، بالدرجة الأولى، بحيث أنها على قدرعال من الحساسية، والخطورة، لأنها ترسي دعامات الجمال ، في أشكاله الراقية، بعيداً عماهوممجوج، مكرر، لاروح فيه، مماهوشائع في ما ينتجه بعض عديمي الموهبة، عبرإعادة إنتاج منجز سواهم، وقد استطاعت هذه الكتابات، الهشة، أن تزاحمنا، أنى كنا، وذلك بسبب غياب المعيارالنقدي، ما يجعلنا نؤكد أهمية حضورشخصية الناقد النزيه والجريء للفصل بين ماهودعي وإبداعي، أوبين ماهورديء أومجيد، بل إن تعزيز حضورهذا الناقد، والاستعانة، المستمرة به، من أولى مهمات المؤسسة الثقافية، إلى جانب اهتمامها بمجال عملها الثقافي أو الإبداعي.
وبعيداً، عن الغوص في تفاصيل الإجابة عن السؤال، بمايتطلب مساحة أوسع، فإن الكتابة، في وجهها الصحيح، حاجة كبرى بالنسبة إلى منتجها، من أجل خلق توازنه الحياتي، على اعتبارأنه يتمتع بحساسية عالية، تجاه محيطه، بمايؤهله، ليكون ضميرمن حوله، في الوقت الذي ندرك فيه، أن حالة الإبداع فردية، مايجعلنا-هنا-أمام معادلة طرفاها: الكاتب ومحيطه الاجتماعي البيئي، بحيث أن الاستغراق في الذات، يجرد النص عن جماهيريته، كما أن الاستغراق في الجماهيرية، مهما كانت دواعي ذلك، يجرد النص بعده الإبداعي.
ثمة معيارحقيقي، يبدوللكاتب  الذي يحترم رسالته، فهومطالب بألا يساوم على فنية نصه، كما أنه مطالب بألا يبتعد عن المعني بخطابه، لاسيما في ظل الحاجة إلى دوره الذي لايستغنى عنه، في حالتي السلم والحرب معاً، وهوما يجعل الكاتب أمام سلسلة شروط جد صعبة، لابد من إيلائها الاهتمام، لئلا يخل بالدورالمعول عليه، لاسيما أن الكتابة هي إجابة عن أسئلة عميقة في الذات، كما أنها إجابة عن أسئلة المعني بالخطاب، داخل حدود الزمكان وخارجها أيضاً.
إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com