جان كورد : من يمنع الكورد عن إعلان استقلالهم؟

2014-08-18

 
((العراق الذي كنا نعرفه قد انتهى، وما علينا سوى إنشاء ثلاثة أقاليم، شيعي وسني وكوردي في مكانه))
 
 (الجنرال الأمريكي المتقاعد جى غارنر -76 عاماً – الذي تولى الأمور في العراق على أثر سقوط نظام صدام حسين في عام 2003)
 
          هذه هي المرّة الثانية التي يتعرّض الكورد، في إقليم جنوب كوردستان، في أقل من 30 سنة، إلى محاولات إبادة بالجملة، على أيادي عنصريين عرب سابقاً واليوم على أيادي متطرفين عرب يتبعهم سيلٌ من عناصر منتمية لسائر الأمم والأقوام، مرّةً باسم "العروبة" ومرّةً باسم "الإسلام"، وكأن الكورد بالنسبة إليهم "يهود" أو حقل تجارب بالسلاح الكيميائي أو أنهم مرتدون عن الدين، يحل لمن شاء أن يقتلهم ويذبحهم ويحرقهم ويسبي نساءهم ويختطف أطفالهم، وعلى الرغم من ذلك يمدّ قادة الكورد وزعماءهم أياديهم للسلام وينادون قادة وزعماء العرب ب"الإخوة"، بل يساهمون بقوة وحماس في بناء "العراق المشترك"، عوضاً عن "كوردستان المشترك".                                                                                                                                                       
 
          إن الغزاة الطامحين في بترول ومياه ومصايف وخيرات كوردستان، ولا يعترفون أصلاً بوجود شعبٍ كوردي له الحق في الحرية والحياة، لن يتوانوا عن ذبح قياداتنا وعلمائنا وشبابنا فيما إذا تمكنوا منهم، مثلما فعلوا بالكورد اليزيديين  وبالمسيحيين  في هذه الأيام العصيبة، فالكورد لا حق لهم سوى أن يكونوا عبيداً في دولة بني أمية أو بني العباس، ومصيرهم التقتيل والذبح "شرعاً" بالجملة ما لم يقبلوا بسيادة الدولة العربية واللغة العربية  والقوم العربي  ولم يبايعوا "خليفةً" من أصل عربي، لذا لا يهم إن طالب زعماؤنا وأولياء أمورنا بالحكم الذاتي أو الفيدرالية أو الدولة المستقلة، فمصير الكورد كمصير الغنم إلى المقصلة... وهذه هي الحقيقة عارية ومفضوحة.                                                                                                                                           
 
          إن المطلعين على الإعلام العالمي يلاحظون أن موضوع "استقلال الكورد" بات من الموضوعات الهامة واليومية على ألسنة الخبراء والسياسيين وحتى العسكريين، في مختلف أنحاء العالم الحر الديموقراطي، ومن الصحف الأوربية من يقول بأن أوان إعلان هذه الدولة الكوردية قد حان، وهناك من الخبراء من يلوم دولته ودول العالم الحر بسبب تركيزها باستمرار على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وإهمال ذلك كلياً عندما يتعلّق الأمر بالكورد.                                                                                                                
 
          ومما زاد في هذا الحديث سخونةً وإثارةً هي الأحداث الدموية التي جرت مؤخراً في جنوب كوردستان، ومنها "الجينوسايد" الذي قام به ولايزال يقوم به تنظيم داعش الإرهابي الإجرامي ضد الأقلية اليزيدية التي تعيش في منطقة جبل شنكال في شمال غرب الإقليم، هذه الحملة التي لقيت شجباً واستنكاراً في العالم أجمع، وسكت معظم الإعلام العربي كما سكتت السياسة العربية عنها، وكأنها متفقة ضمناً مع داعش في موضوع "إبادة الكورد" ذبحاً أو تقتيلاً أو عن طريق السلاح الكيميائي كما قام به من قبل "المجاهد الأكبر!" صدام حسين الذي قتل من العراقيين عامةً ومن الكورد خاصة ما سيكون وصمة عارٍعلى جبين العرب المؤيدين له قروناً من الزمن.                                                                                                                                                                                       
 
          هذا الضجيج الإعلامي عن الدولة الكوردية في العالم الحر الديموقراطي قد يصمت فجأةً، ولكنه سيترك بصماته على ما يلي هذه الأحداث الكبيرة، والسياسة في الدول المتقدمة متأثرة بالإعلام إلى حدٍ كبير، أما السياسة العربية فسكوتها وعدم سكوتها سيان، حيث لا تؤثر بشكل فعّال في شيءٍ مما يجري على ساحات السياسة الإقليمية والدولية إلا في حيّزٍ محدود وضيّق جداً، وقد رأينا خيبة هذه السياسة في موضوع غزّة الفلسطيني لأكثر من مرّة وفي أكثر من حرب إسرائيلية – فلسطينية.                                                 
 
         بالنسبة إلى تركيا، الدولة الأكثر عداءً تاريخياً لفكرة الدولة الكوردية المستقلة، فإن استقلال جنوب كوردستان قد يعود عليها بفوائد جمة، اقتصادية بالدرجة الأولى، وسياسية ثانيةً، لأن جنوب كوردستان سيكون حيزاً فاصلاً بين العراق الشيعي الذي تنشر فيه إيران بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ أفكارها التوسعية ونسختها الإسلامية المرفوضة جملةً وتفصيلاً في تركيا، ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقره والعلاقات جيدة بين تركيا والعالم الإسلامي عامةً والعالم العربي خاصةَ وكذلك مع إقليم جنوب كوردستان في تطوّر مذهل، وبخاصة بعد أن اتفق الطرفان على شحن البترول الكوردي عن طريق ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما سيأتي لتركيا بحصةٍ يسيل لها اللعاب من واردات النفط ومن النفط ذاته. وكذلك بعد أن لعب قادة جنوب كوردستان،  وفي مقدمتهم الأخ مسعود البارزاني رئيس الإقليم ورئيس جمهورية العراق السابق السيد جلال الطالباني ورئيس حكومة إقليم كوردستان الأخ نيجيرفان البارزاني من دورٍ هامٍ للغاية في سبيل تحقيق سلامٍ في تركيا بين حزب العمال الكوردستاني وحكومة السيد  رجب طيب أردوغان في السنوات الماضية، وسيتابع الإقليم لعب دوره في هذا المجال إلى أن تتحقق للكورد في شمال كوردستان الفرصة الكاملة للحصول على حقوقهم التي يرونها مشروعة ويطالبون بها، أي أن دولةً كوردية مستقلة في جنوب كوردستان ستكون من نواحٍ عديدة متطابقة مع الأهداف العامة لسياسة حزب العدالة والتنمية وليس ضدها كما يظن البعض.                                                                                    
 
          بالنسبة إلى سوريا التي وقفت حكوماتها المتتالية إلى جانب الحكومات العراقية ضد كفاح الشعب الكوردي في مراحل عديدة وساندته عندما لمست الأخطار من جانب نظام صدام حسين على نفسها، كما حدث بعد انهيار الثورة الكوردية في عام 1975، فإنها لا تستطيع أن تلعب دوراً مباشراً في أي عمل عدواني ضد شعبنا وقواه السياسية والعسكرية في جنوب كوردستان، إلا أنها تستطيع تخريب الصفوف الكوردية وشراء الذمم وإفساد الخطط القومية الكوردية من خلال تسخير عملائها ضمن قوى شعبنا مع الأسف - وهذا ما تقوم به أجهزة مخابرات النظام الأسدي – وحيث أن النظام السوري صار تابعاً  للنظام الإيراني المستبد والطائفي فإنه قادر بدعمه العسكري والاستخباراتي على بناء قوى مقاتلة تهاجم الشعب الكوردي وبيشمركة كوردستان بهدف إعاقة وعرقلة المسيرة صوب استقلال جنوب كوردستان                                      
 
          ولا حاجة للحديث مطولاً عن خطورة التدخل الإيراني في المشرق العربي برمته ومحاولاته الحثيثة لتشييع المنطقة بأسرها وتسخير نظام الملالي لأموال كثيرةٍ  وإعلامٍ عنكبوتي واستخباراتٍ عديدة وتمويلٍ لمنظماتٍ إرهابية تحت أسماءً مختلفة تجذب الشباب المسلم وتدرّبه وتجنّده لغايات ملالي إيران التوسعية والطائفية، ومنها عملية تدمير مئات المساجد السنية في العراق وسوريا معروفة لتحلّ مكانها في المستقبل القريب "حسينيات" يتم فيها لعن أصحاب الرسول الأكرم (ص) وتبرير الذبح والتقتيل باسم الدين الحنيف الذي تؤمن به الغالبية من شعوب المنطقة برمتها، ومنها شعبنا الكوردي أيضاً.  ولذا لا يمكن أن يبقى جنوب كوردستان خارج نطاق الاستراتيجية التوسعية الإيرانية التي تحتاج إلى البترول الكوردي وشباب الكورد للحروب باستمرار، وعليه فإنني أحذّر من خطورة إيران وتابعها السوري  وتابعي التابع السوري من منظماتٍ متطرفة وخطيرة على مشروع "استقلال جنوب كوردستان"، الذي هو واقع و" قيد التنفيذ" على الأرض، حيث البيشمركه يغرسون علم كوردستان على التلال والمباني التي يحررونها من قتلة داعش الإرهابي بتضحياتهم وبسالتهم، ويقودهم القائد الشجاع والواقعي مسعود البارزاني الذي خدم كل سنوات شبابه بين صفوفهم وأحبّهم مثل أولاده وإخوته.                                                                                                                            
 
إن على الكورد الاستمرار في بناء قواهم لأن الخطر عليهم كبير ويتخذ أسماء وذرائع وأشكال عديدة، ولا ينفع تنازلهم أو تكاسلهم أو تراجعهم، فأعداؤهم غليظو القلوب لا يرحمون ويستغلون الدين كما يحلو لهم ولا يعترفون بأي حق للكورد سوى التبعية والعبودية. وهذه الحقائق يجب عرضها باستمرار على شعبنا الذي هو الضحية في النهاية...