Sozdar Mîdî (Dr. E. Xelîl) سلسلة: نحو مشروع كُردستاني استراتيجي ( حلقة طارئة ) يا ساسة الكُرد! غرب كُردستان = رئة كُردستان الكبرى!

2014-07-22

الكُرد والبحر جيوستراتيجياً:
للبحث في القيمة الجيوستراتيجية لغرب كُردستان، علينا الأخذ بالحسبان أن معظم الحروب هي في العمق صراع على الجغرافيا، وفي تاريخ غربي آسيا، منذ الألف 3 ق.م، أدلّة كثيرة على ذلك، فكل الممالك التي نشأت في ميزوپوتاميا وفارس وأرمينيا والأناضول، سعت للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، لماذا؟ لأن البحر رئة الدول، والوصول إلى البحر يعني كسر العزلة، ويعني الانفتاح الحر على العالم. 
حاول السومريون إيصال نفوذهم إلى البحر الأبيض المتوسط فأخفقوا، وأفلح في ذلك الأكّاديون، والبابليون، والآشوريون، والميتانيون، والحثّيون، والميد، والفرس، والأرمن، بل حتى المصريون في الجنوب حرصوا على التمدد شمالاً، للسيطرة على موانئ البحر الأبيض المتوسط، وهل كان الصراع الميتاني- المصري، ثم الصراع الحثّي- الميتاني، ثم الصراع الكلداني- المصري، إلا بسبب ذلك؟
وكان من حسن حظّنا أن أسلافنا الميتانيين أوصلوا حدودنا إلى البحر الأبيض المتوسط قبل 35 قرناً، لكن بعد سقوط مملكة ميديا سنة (550 ق.م)، ووقوعنا تحت الاحتلالات طوال 25 قرناً، لم نستطع الدفاع عن جغرافيانا في شرقي البحر المتوسط، وزرع المحتلون المستوطنات الغريبة في غربي كردستان، إضافة إلى عمليات التهجير التي فُرضت علينا، وكان المحتلون يعرفون القيمة الجيوستراتيجية لِما يفعلون، أمّا نحن فكيف كان للذهنية الرعوية الريفية حينذاك أن تدرك تلك القيمة؟ 
يا شعبنا الكُردي! ويا ساسة الكُرد خاصة! 
إن غرب كُردستان، ذلك الشريط الجغرافي الممتد من ديريك شرقاً إلى أقصى قرية في عَفرين غرباً، هو رئة كُردستان الكبرى، صحيح أنه قليل المساحة قياساً ببقية أجزاء كُردستان، لكنه عظيم القيمة جيوستراتيجياً، إنه الجسر الذي يوصل إيلام في أقصى الجنوب، وأورمية في أقصى الشرق، وقارس في أقصى الشمال، بالبحر الأبيض المتوسط، وعبره نتواصل مع العالم اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وعسكرياً، ولن نكون بحاجة إلى تقديم أيّة تنازلات لمن يحكم العراق وتركيا وسوريا.
 
وقد يُظَن أن الوجود الكُردي ينتهي عند منطقة عَفرين، والحقيقة أن الوجود الكُردي جغرافياً وديموغرافياً يصل إلى البحر عبر لواء إسكندرون المسلوب من كردستان أصلاً وليس من سوريا، ويصل الوجود الكردي إلى البحر أيضاً عبر المناطق الغربية من سوريا وصولاً إلى جبل الكرد المتاخم لجبال العلويين، بل إن قسماً غير قليل من العلويين أنفسهم كرد مستعربون، والفُرس يختطفونهم منا، ويشيّعونهم سياسياً ومذهبياً لخدمة مشروعهم التوسّعي، وللوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. 
وليس هذا فحسب، بل لو انحدرنا جنوباً أكثر، لاكتشفنا أن ربع لبنان على الأقل كُردي، ولست أقصد فقط كردَ الرَشْوان في منطقة عَكار (هكّار) على الحدود السورية اللبنانية، ولا كردَ البقاع، إنما أقصد الكردَ (المَرَدة) الذين عُرِفوا دينياً بالمَوارنة، والكردَ الدروز المستعربين، وكردَ جنوب لبنان، ولست أقول هذا تلفيقاً وتخريفاً، وإنما ثمّة معلومات تاريخية تؤكد ذلك، ولعلنا نتناولها مستقبلاً في دراسات مستقلة.
المهمّات العاجلة: 
يا شعبنا! ويا ساستنا خاصةّ! الشرق الأوسط يعيش صحوة تاريخية هائلة، الشعوب الأصيلة المقهورة استيقظت، والديكتاتوريات الشوفينية بدأت تتهاوى، وحتى تركيا التي تبدو متماسكة ستتفكّك، إنها في العمق ليست سوى ديكتاتورية طورانية مراوغة، وإن الخوجا غولان والخوجا أردوغان يحفران قبرها- من حيث لا يدرون- بإعادة تأسيس الذهنية الدينية المتخلّفة المتعصّبة. وعلينا ألا نتعامل مع الشرق الأوسط المعاصر على أنه حقيقة أبدية، إنه حقيقة فرضته الديكتاتوريات لا أكثر، وهذه الديكتاتوريات ذاهبة إلى التفكك، ولن يطول بها العمر إلى ما بعد منتصف القرن الحالي.
لذا علينا- نحن الكرد- ألاّ نقف موقف المتفرج، فثمّة مهمّات عاجلة تنتظرنا، أوّلها  أن نساهم بقوة في هذا التغيير التاريخي، وأن نُعِدّ العُدّة لإقامة دولتنا الكردية المستقلة، رغم أنف القوى الإقليمية والدولية المعادية. لكن ماذا سيكون مصير الدولة الكردية إذا ولدت وهي محاصرة بإيران، وأرمينيا، وتركيا، والعراق، وسوريا؟ وكيف يمكنها أن تكون صاحبة قرار مستقل؟ وكيف يمكنها أن تتواصل مع العالم بحرية في جميع المجالات؟ إن دولة لا تنفتح على البحر مباشرة لن يكون لها مستقبل مجيد.
 
ومن هنا تأتي أهمية غرب كردستان، ومن هنا نقول (غرب كُردستان= رئة كُردستان)، وها هم الظلاميون (جند الديكتاتوريات الدينية والشوفينية) ينقضّون على جنوب كردستان وغرب كردستان، لقطع الطريق على قيام دولة كردية هنا وهناك، وحتى إذا أخفقوا في مسعاهم، وقامت دولة كردية في الجنوب، فإن سيطرتهم على غرب كُردستان يعني خنق الدولة الكُردية القائمة هناك وهي في المهد. 
يا قادةَ الأحزاب الكُردية! معركتنا هي في الأصل معركة وجود، لا معركة ديمقراطية ولا معركة فيدرالية، والأمّة الكُردية في خطر حقيقي، ولا ينبغي أن نستهين بقوة الغزاة الظلاميين (داعش وأشباههم)، إنهم رأس الرمح، أما الرمح بأكمله فهو في أيدي الترسانات المالية والعسكرية والمخابراتية المعادية لنا، ونحن لا نواجه شراذم منفلتة كما يُصوَّر الأمر، وإنما نحن نواجه مخطَّطاً شاملاً هائلاً ماكراً لضرب المشروع الكُردي التحرري، ولإبقائنا قروناً أخرى في قبضة المحتلين.
 لذا يقتضي الواجب القومي أن نسرع بقوّة إلى تحقيق ما يلي:
1 – إيقاف كل الصراعات الحزبية جملة وتفصيلاً، وإراحة شعبنا منها.
2 - تعبئة شعبنا لحماية جنوب كُردستان وغرب كُردستان من الغزاة، علماً بأن جبهة غرب كُردستان مع العدوّ طويلة، وعدد الكُرد هناك قليل، والدولة التركية تقدّم الدعم اللوجستي للظلاميين من الشمال.
3 – تأمين أكبر قدر ممكن من الحياة المقبولة- اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً- في غرب كُردستان، وإيقاف سيل الهجرة من هناك، وهذا لن يتحقق إلا بتغليب الانتماء الكُردستاني على الانتماء الحزبي.
4 – إيجاد جسور تواصل جغرافية بين جميع مناطق غرب كُردستان بالقوة، كي لا ينفرد العدوّ بكل منطقة على حدة، كما هي الحال الآن.
5 – استرداد كُردنا المستعربين في سوريا، وخاصة في محافظات إدلب واللاذقية وحماه وحمص ودمشق، واستقطابهم إلى غرب كُردستان: أولاً لحمايتهم، وثانياً لإشراكهم في الدفاع عن الوجود الكُردي.
6 – تأسيس قيادة كُردستانية عليا، مهمّتها إدارة المعركة في غرب كُردستان، وإعداد قوة مقاتلة ضخمة، وتسليحها بما يلزم، لمواجهة الغزاة.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
22 – 7 – 2014